الشهــوة الحــلال

:
" قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار(13) زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسمومة والأنعام والحرث ذلك متاع الدنيا والله عنده حسن المآب(14) قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد(15) الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار(16) الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار "-آل عمران : 13-17

وحديثنا اليوم عن الشهوة الحلال فى قوله تعالى:
"زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب" -آل عمران (14)

وإذا تأملنا الأية الكريمة, وحاولنا التفسير, فإن الرؤى لها متعددة, ومتنوعة..
ولنبدأ بالقول أنه:

عندما نحاول أن نتعرف على مضمون آية يجب أن نعرف سياق الحديث لهذه الآية بأخذ الآية التي قبلها أو التي بعدها ,ففي حالنا هذا يقول الله تعالى :
فالموضع الذي تأتي فيه الآية رقم 14 " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين ....", هو :
موقع ذكر المعركة الإسلامية التي جعلها الله آية مستمرة دائمة ؛ لتوضح لنا أن المعارك الإيمانية تتطلب الانقطاع إلى الله ، وتتطلب خروج الإنسان المؤمن عما ألف من عادة تمنحه كل المتع ، والمعارك الإيمانية تجعل المؤمن الصادق يضحي بكثير من ماله في تسليح نفسه ، وتسليح غيره أيضا .
فمن يقعد عن الحرب إنسان تغلبه شهوات الدنيا ، فيأتي الله بهذه الآية بعد ذكر الآية التي ترسم طريق الانتصارات المتجدد لأهل الإيمان ؛ وذلك حتى لا تأخذنا شهوات الحياة من متعة القتال في سبيل الله ولإعلاء كلمته ... فيقول : " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين .. " .
وكلمة " زين " تعطينا فاصلا بين المتعة التي يحلها الله ، والمتعة التي لا يرضاها الله ؛ لأن الزينة عادة هي شيء فوق الجوهر .
فالمرأة تكون جميلة في ذاتها وبعد ذلك تتزين ، فتكون زينتها شيئا فوق جوهر جمالها .
فكأن الله يريد أن نأخذ الحياة ولا نرفضها ، ولكن لا نأخذها بزينتها وبهرجتها ، بل نأخذها بحقيقتها الاستباقية فيقول : " زين للناس حب الشهوات من النساء " ...
فالقول هنا " للناس " أي للرجال ، لأن سياق الحديث من الآية السابقة يوضح الفئة المجاهدة التي تقاتل في سبيل الله .... " فالسياق لا يتحدث عن المرأة أو الطفل أو المريض أو المعوق أو المجنون ... فكلهم ناس " ولكن السياق للمجاهدين ... ومواصفات المجاهدين لا تخضع للمذكورين سابقا "

وأيضا يمكننا التركيز على الشهوة, وهنا نقول:

فما هي الشهوة ؟... الشهوة هي ميل النفس بقوة إلى أي عمل ما .
وحين ننظر إلى الآية فإننا نجدها توضح لنا أن الميل إذا كان مما يؤكد حقيقة استبقاء الحياة فهو مطلوب ومقبول ، ولكن إن أخذ الإنسان الأمر على أكثر من ذلك فهذا هو الممقوت .
فمثال .. ولله المثل الأعلى :
إن أعنف غرائز الإنسان هي الغريزة الجنسية ،
وأن الحيوان يفضل الإنسان فيها ، فالحيوان أخذ العملية الجنسية لاستبقاء النوع .... بدليل أن الأنثى من الحيوان إذا تم لقاحها من فحل لا تمكن فحلا آخر منها ، والفحل أيضا إذا ما جاء إلى أنثى وهي حامل فهو لا يقبل عليها ،
إذن فالحيوانات قد أخذت غريزة الجنس كاستبقاء للحياة ، ولم تأخذها كالإنسان لذة متجددة.
ومع ذلك نحن البشر نظلم الحيوانات ، ونقول في وصف شهوة الإنسان : إن عند فلان شهوة بهيمية .... فنقول : يا ليتها كانت بهيمية بالفعل ، لأن البهيمية قد أخذتها على القدر الضروري ... لكن نحن فلسفناها ، إذن فخروجك بالشيء عما يمكن أن يكون مباحا ومشروعا يسمى : دناءة شهوة النفس .
فشهوة الرجال للنساء معروفة ولا شرح فيها ... أما قول الحق " البنين " فالمقصود بها الذكران ، ولم يقل البنات ، لماذا ؟
لأن البنين هم الذين يطلبون دائما ( للعزوة ), كما يقولون ولا يأتي منهم العار ، وكان العرب يئدون البنات ويخافون العار ، والمحبوب لدى الرجل في الإنجاب حتى الآن هو إنجاب البنين .
يقول الله تعالى " زين " فمن المزين ؟
إن كان في الأمر الزائد على الضروريات الأمر فهذا من شغل الشيطان ،
وإن كان في الأمر الرتيب الذي يضمن استبقاء النوع فهذا من الله .

ويمكن أن ننظر للآية من بنظرة أخرى:
زين للناس حب الشهوات من الرجال والنساء ..وأيضا البنين المقصود بها الذكور والإناث
ولكن يوجد أسلوب قرآنى إسمه ( أسلوب الإكتفاء ), وهو أن يكتفى بذكر حالة معينة دون غيرها, ولكن فى الحقيقة, المراد هو التعميم, وعلى هذا المنوال كانت الآية 14 من سورة آل عمران, وقد يكون الإكتفاء بذكر شهوة النساء فقط لأنها أشد.
وفى ذلك يقول الإمام الرازي:
قوله تعالى: " من النساء والبنين " فيه بحثان:
" من " في قوله " من النساء والبنين ", كما في قوله" فاجتنبوا الرجس من الأوثان ".
فكما أن المعنى فاجتنبوا الأوثان التي هي رجس فكذا أيضا معنى هذه الآية: زين للناس حب النساء وكذا وكذا التي هي مشتهاة.
الله تعالى عدد ههنا من المشتهيات أمورا أولها : النساء وإنما قدمهن على الكل لأن الالتذاذ بهن أكثر والاستئناس بهن أتم ولذلك : " خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة "
ومما يؤكد ذلك أن العشق الشديد المفلق المهلك لا يتفق إلا في هذا النوع من الشهوة.
ولما كان حب الولد الذكر أكثر من حب الأنثى، لا جرم خصه الله تعالى بالذكر، ووجه التمتع بهم ظاهر من حيث السرور والتكثر بهم إلى غير ذلك.
واعلم أن الله تعالى في إيجاد حب الزوجة والولد في قلب الإنسان حكمة بالغة، فإنه لولا هذا الحب لما حصل التوالد والتناسل ولأدى ذلك إلى انقطاع النسل، وهذه المحبة كأنها حالة غريزية ولذلك فإنها حاصلة لجميع الحيوانات، والحكمة فيه ما ذكرنا من بقاء النسل.

وأيضا يمكننا القول:

إنما يفرض الإسلام فقط الحد الأدنى الذى لا تستقيم الحياة بدونه، ثم يترك البقية للتطوع النبيل دون إكراه، مع التحبيب المستمر فى الصعود:
أرأيت كيف يعالج الإسلام النفس البشرية؟ إن هذه الشهوات محببة إلى الناس كما تقرر الآية،
فهل حرمها الله فى ذاتها؟
كلا!
إنما رسم لها فقط حدودا تكون: ( حلالا فى داخلها، حراما فى خارجها ).
وتلك الحدود هى التى لا تصلح الحياة إلا بها، فهى إذن مفروضة.
ولكن الإسلام يحبب للإنسان أن يتخفف من هذه الشهوات حتى لا تصبح شغله الشاغل،
ولم يعرض القرآن الكريم القضية ويتركها بلا حل, ولكنه عز وجل قدم الحل فى ( ترغيب الإنسان ) فيما هو خير من هذه الشهوة ليساعده على التكيف والسيطرة عليها,
فيقول له بادئ ذى بدء: " قل أؤنبئكم بخير من ذلكم",
خير من الاستغراق مع هذه الشهوات؟
الجنة بما فيها من نعيم خالد ورضوان.
ولمن هذا النعيم؟
هنا يرسم صورة جميلة شفيفة رائعة جذابة لعباد الله الين يستحقون ذلك النعيم:
إنهم الصابرون والصادقون والقانتون والمنفقون والمستغفرون بالأسحار..
صفات كلها نبيلة وحبيبة إلى النفس. والقرآن يشجع عليها بهذا العرض الرائع الجميل.
أرأيت إن شغل الإنسان نفسه بتحصيل هذه الصفات الجميلة، أيعود يستغرق فى الشهوات؟!
كلا! إنه - من ذات نفسه - سينصرف عنها، دون إحساس بالقسر ولا بالإعنات، وما يريد الإسلام منه فى الوقت ذاته أن ينصرف عنها انصراف الرهبانية المعنت، إنما انصراف التخفف والترفع والرضى بالقدر الطيب المعقول.
فبماذا تصف الإنسان إذا إتصف بكل هذه الصفات النبيلة الحبيبة إلى النفس؟
أليس من الطبيعى أن تصف هذا الإنسان بأنه خلوق, طيب الصفات

وهنا نتذكر ما أخرجه أحمد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق "
وقد قال العلماء إن أجمع آية للبر والفضل ومكارم الأخلاق قوله عز وجل: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتآء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون"

وهكذا نرى أحبائى فى الله, كيف أن آيات القرآن الكريم تتلاقى مع بعضها البعض, وتفسر بعضها البعض, ومهما فتحت بابا للتفسير, ستجد فيض من علم القرآن يفسر بعضه البعض.
وصدق الله العظيم حيث يقول سبحانه وتعالى:
" قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا "

[karem ali]

بارك الله فيك فيك يا corsair على المعلومات الهامه دى

[c2bo]

تسلم ياباشا ونتظر المزيد فى رمضان

[احمد بدر1978]

تسلم ايدك يا شيخ احمد كورسير

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة karem ali بارك الله فيك فيك يا corsair على المعلومات الهامه دى

تسلم يا كريم ونورت الموضوع وكل سنة وانتا طيب

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة c2bo تسلم ياباشا ونتظر المزيد فى رمضان

تسلم يا كابو وكل سنة وانتا طيب

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد بدر1978 تسلم ايدك يا شيخ احمد كورسير

تسلم يا شيخ احمد وكل سنة وانتا طيب