الممسوسون
(مع كامل الاعتذار لرواية دستويفسكي الشهيرة)
هناك رواية اسمها الممسوسون كتبها دستويفسكي في شبابه في تلك المرحلة التي يطلق عليها الروسيون (مرحلة الصقالبة) وكانت روايته تتحدث عن تلك الفئة من الناس التي ظهرت بمبدأ اسمه (الفوضويون (anarchists بمذاهبهم الغريبة ولكن دستويفسكي أطلق عليهم تلك اللفظة ... الممسوسون... وهي اللفظة التي اقتبسها منه هنا ...
هل جلست تشاهد قناة المحور ذات مرة لتراه بوجهه الحليق، وجثته الضخمة، وصوت الأجش؟ ... ذلك الطبيب الذي (بالمناسبة لا تعرف من أي كلية طب تخرج لكنه لا يكف عن وضع أسماء مثل اسم مايو كلينيك والدوريات الطبية الأوكرانية الأمريكية) وهو يتحدث بتلك الثقة الرهيبة قائلا:
"بعون الله أستطيع علاج سرطان الثدي في 91 يوم... شلل الأطفال أستطيع بتركيبة علاجية من احد عشر عشبا أستطيع بعون الله علاجه في ساعتين"
يا سلام... شوف الدقة يا أخي... الراجل يعالج سرطان الثدي في 91 يوم وليس تسعين ولا مائة... نحن لا نلعب هنا... وبالمناسبة إذا أصابك الشلل أو الفالج وأنت تنصت إليه فلا تخش شيئا لأن الرجل يستطيع علاجك في ساعتين...
ببساطة رهيبة قام الرجل بهدم كل النظريات الطبية و(ضربها بالجزمة)واغفروا فظاظة اللغة عندما قال في جريدة المصري اليوم أنه يستطيع علاج داء السكري في يوم واحد علاجا نهائيا... يا راجل؟ السكر في يوم واحد؟ وعلاج نهائي؟ الحقيقة أن أبي ذاته مصاب بهذا المرض وأخي – شوف الصدف يا أخي- أستاذ بكلية طب القصر العيني وحاصل على الدكتوراه من لندن وعضو الكلية الملكية وحاصل على البورد الأمريكي في أمراض الباطنية ولكنه يقول لي أن السكر لا يمكن علاجه بصفة نهائية ... لكن هذا الأخ يتحدث بثقة تخدع البسطاء كل مرة ولا أدري ألا يذكرك ذلك الكلام وهذه المعلومات المكذوبة بالعصور الوسطى في أوروبا ومحاكم التفتيش وإعدام تايكوبراه والتهديد بإعدام جاليليو...
بالمناسبة قمت وقتها بالبحث عن كل الدوريات الطبية (الأوكرانية الأمريكية) لكني لم أجدها في أي مكان على شبكة الانترنت ...
هناك برنامج أمريكي اسمه (هراء (Bullshit كان له موسم كامل في شهر أكتوبر الماضي يتحدث عن الطب البديل وكان المقدم يقول بسخرية:
ما دمنا سنتحدث عن الطب البديل فسوف نجد الكثير من الـBullshit هنا يا رفاق ولسوف نمرح كثيرا مع هؤلاء النصابين.
ما دامت هذه هي مقدمة هذا البرنامج – وهو برنامج ذائع الصيت بصورة مدهشة – أين إذن كل الكلام الذي قاله الأخ الطبيب عن مايو كلينيك والدوريات الطبية إياها؟
أمثال هذا الطبيب تجدهم كثيرا لو فكرت في أن تؤدي صلاة الجمعة في مسجد الفتح مثلا بميدان رمسيس في القاهرة ثم تخرج لتجد ألف شاب من هؤلاء جالسين على باب المسجد – للإيحاء بأن نشاطهم ديني – ويعرضون بضاعتهم الغريبة على الأرض ويكتبون عليها: علاج الالتهاب المفصلي- علاج الايدز (بالمناسبة أنا لا أمزح هنا في موضوع الايدز هذا) والى آخر القائمة التي تندهش من تجمع كل هذه الأدوية – المفترضة – في مكان واحد فليس من الممكن مثلا أن يصاب فرد في بلد بفيروس سي وتجد في نفس الوقت وفي نفس البلد من هو مصاب بالكالا آزار مثلا لكنه موجود ... لا أعتقد أن هذا الفتى الذي يجلس على باب المسجد يعرف ما هو الكالا آزار أصلا. .. لو صح كلام هؤلاء لكانت ضربة مرعبة لكل من دخل كلية الطب يوما بما فيهم ويليام أوسلر ذاته.
عندما تنصت لهذا الأخ وهو لا يكف عن الحديث عن الحجامة ولا يتورع عن وضع عبارة ( الطب النبوي) بين كل جملتين لهدف واضح وهو: من يجرؤ على رفض كلامي هو – ببساطة- يرفض الطب النبوي".... يا سلام... وكأن الرجل هو المتحدث الرسمي عن النبي صلى الله عليه وسلم... مرة أخرى في حلقة عن الحجامة يقول بكل ثقة أنه يستطيع علاج كل الأمراض باستخدام الحجامة.... يا سلام... ولكنه يردف بهذه العبارة عبارة أخرى في خشوع يجيد افتعاله وهو يقول "أليست الحجامة هي الطب النبوي؟" طبقا لهذا الرجل فالرسول عليه الصلاة والسلام – حاشا لله- لم يكن يشغله هم إلا الحجامة.... هلا قلت لي بربك كيف يمكن علاج مرض مثل الحمى النزفية بالحجامة؟ ... ماذا عن سرطان الثدي؟ ماذا عن سرطان كابوزي؟ ماذا عن الالتهاب الكبدي الوبائي؟ ماذا التيفود؟ ماذا عن أنفلونزا الخنازير والجمرة الخبيثة؟ .... كل هذه استفسارات لا يجيب عليها الأخ الطبيب...
هناك دراسة أكاديمية خبيثة مضحكة في نفس الوقت أجرتها منظمة الصحة العالمية وهي موضوعة بهدف تمييز العلماء الحقيقيين عن هؤلاء النصابين وهذه الدراسة تعتمد على مجموعة من العلامات تنطبق كلها على الأخ عادل هذا:
- العلامة الأولى: الطبيب يجري تجاربه بنفسه ووحده ولا يشترك مع العلماء الآخرين لتفنيد النظرية ووضع hypothesis و anti-thesis كما تشترط كل الدراسات الأكاديمية.
- العلامة الثانية: الطبيب يقدم نتائجه مباشرة للإعلام بدون أن تمر بالتجارب المعملية لاختبارها على الأقل
المهم.... أمثال ذلك الرجل ليسوا سوى نصابين بالفعل لكن المشكلة أنهم أنفسهم مقتنعين بكل هذا الهراء الذي لا يكفون عنه ومن أمثلة ذلك الكلام الفارغ هو ذلك العلم الذي لا يكف مؤلفه عن الحديث عنه وكأن ذلك هو العلم ذاته وهو ما يطلقون عليه لفظة البرمجة اللغوية العصبية neuron-linguistic programming
قل لي لو سمحت – لو كنت ممن جربوا هذا الهراء - ما هو الجديد فيما يقولونه هؤلاء المخابيل زيادة عما قاله الغزالي في كتابه الخطير (جدد حياتك)... لو كنت ممن قرءوا جدد حياتك فأنت تعرف ما أعنيه بالفعل ولو لم تكن قد قرأته فصدقني لقد خسرت كثيرا بعدم قراءتك لهذا الكتاب حتى اليوم ... وبنفس الطريقة كتاب مثل (لا تحزن) للقرني... هل يجرؤ هؤلاء السادة – علماء NLP كما يحلو لهم أن يطلقوا على أنفسهم من باب الرطانة فحسب – على إن يقولوا أن كل علومهم من أولها إلى آخرها موجودة بين دفتي "جدد حياتك" و "لا تحزن"؟ وما الذي يضيفه الأخ إبراهيم الفقي بكل هذا الهراء الذي يسعى به وكأنه دين جديد يبشر به؟ هل أقول لك رأيي بصراحة في هذا الموضوع وسر نجاحه؟ النقطة الأولى تتلخص في حكاية قالها لي أحد أصدقائي عن مرض أبيه وقال لي:
"لا تلم أبدا من يصدق هؤلاء.. عندما كان أبي مريضا اضطررنا لعمل فحص وأشعة كلفنا في ساعة واحدة ما لا يقل عن خمسة آلاف جنيه"
هذا هو السبب ... غلو العلاج وارتفاع ثمن الطب .
السبب الآخر هو رغبة الناس في البعد عن قبضة العلم الصارمة التي لا ترحم.. إن العلم لا يعدك أبدا بهراء الأقدمين عن تحويل الرصاص إلى ذهب لكنه يعدك بذلك في حالة واحدة وهي أن يكون لديك مدفع ذري متقدم... العلم لا يقول لدي علاج نهائي لمرض السكر لكنه يعدك بذلك في الدوريات الطبية ووعود العلم صعبة التحقيق إلا أنها حقيقية على عكس كل وعود هؤلاء الذين لا يكفون عن بذلها...
وطلبا للضحك دعني أذكرك بإعلان شهير جدا، ليس شهيرا لأي سبب سوى النصب المفضوح، ويمكنك الإطلاع عليه من هنا ولا تضحك كثيرا من فضلك... إن "رجل الأسد والبردقوش" مهمين جدا في هذا المجال.