التحفجية ( المساطيل )

[دينا نبيل]

التحفجية ( المساطيل )

يا ما شاء الله ع التحفجية .. أهل اللطافة و المفهومية
إجعلها ليلة مملكة يا كريم!
ده الكيف مزاجه إذا تسلطن .. أخوك ساعتها يحن شوقاً
إلى حشيشي ميتى ميشي
إسأل مجرب زى حالاتي .. حشاش قِراري يسفخ يوماتي
خمسين جرّاية .. ستين .. سبعين
ها ها هأ .. يا مرحب

-- "الله الله يا شيخ سيد درويش ! ... أيوه كده .. إذا تسلطن... يحن شوقاً ... يا مرحب!"
-- " .. دا أنا شفته الأسبوع اللي فات ع الحنطور في "محطة الرمل " بيدق ع العود "بلادي بلادي"... وهم بسلامتهم الإنجليز هيخرجوا من البلد دي بالمغنى والدق ع العود ؟!"
-- " أمَّال هيخرجوا إزاي يا أبو المفهومية ؟"
-- " بالحشيييييش !"

زاطت القهوة وضجت بالضحك والقهقهة بين قرقرة " شيشة " ونقر أنامل خفيف على الطاولة مع لحن الأغنية ، ووسط سحب دخان رمادي صار يتلوى في حركة أفعوانية ملامسا الجدران .. قام المساطيل الثلاثة ، قبضوا على طرابيشهم الحمراء القانية وراحت أيديهم تثبتها على رؤوسهم يمنة ويسرة حتى تستقر معوجة فوق الجبين ( على سنج عشرة ) وأخذوا يعيدون برم شواربهم وضبط الوردة في عروة ( الجاكتة ) وراحوا يتشممونها لينظفوا أنفاسهم من أدران الدخان العالق بأنوفهم واستعدوا للانطلاق ...

لم تتحمل أجسامهم المتثاقلة كل هذا الجهد ... راحت أرجلهم تلتف حول بعضها فاتكأ كل منهم على صاحبه

-- " إظّاهر إننا تقلّنا العيار الليلة دي يا محمود !"
نظر إليه محمود ولم يتمالك نفسه فصار يضحك حتى هوي على كرسي خلفه
-- " إيه ! ... إنت لسة هتقعد !"
-- " أصلك مش شايف نفسك يا مسطول .. رجعّ زر طربوشك ورا !!"
وخرجوا وسط موجة ضحك تكلل ليلة أخرى من السلطنة لأصحاب الصدور العائمة واليوافيخ الهائمة !

حلما بالفراش راحوا يتسندون إلى الحيطان ، بالكاد تتحرك أقدامهم .. وجفونهم ... ثقيلة تطبق على ظلام الشوارع والنوم ؛ لكنه يتمنع عليهم فما هي إلا لحظات حتى مرت جحافل تلفعها عتمة كثيفة لزجة لا تستبان منها سوى حركات متعجلة وصوت قرع أقدام عشوائي منفر؛ فتتزلزل الأرض من تحتهم والبيوت من حولهم ... ليسوا بأشباح ولا بفيالق جيش ، وإنما أناس!

رغم أنها كانت ليلة صاهدة بحرّ يونية إلا أن الشوارع كانت تبرق على وميض أعينهم وترعد على هتاف أشداقهم ... " تحيا مصر !"

كانت مباغتة مباهتة ، أخذ المساطيل على إثرها يتشبثون بالأرض كأوتاد مقلقلة وسط أوقيانوس أسود صار يتفاداهم فينفلق عندهم ويتفرق ثم يلتئم من جديد ، يصطدمون بهم فتدور أجسامهم ومعها رؤوسهم وسط تجاهل لا يوليهم أحد النظر ولا يحفل بهم أحد وكأنهم بقعة من عدم سُلَّت من سيل أسود نابض بالحركة .

-- " إيه الزحمة دي ؟ .. هو في إيه ؟"
-- " إلحق يا سعد .. دول بيندهوا عليك ( سعد سعد ) يكونوش دول الديّانة ؟!!"
-- " ديّانة إيه يا مسطول ! ... دول بيندهوا على سعد زغلول !!"
كفلول ركب خلف بلا قصد بدوا خلف الثوار ينظرون إلى سواعدهم وأكفهم قابضة على نفسها فبدت كمطارق تهوي على الهواء في طرق شديد مستمر ... بلا صوت

أعماهم المشهد وأصمهم ... فأدلفوا إلى اليسار حيث بعض المصابيح الزيتية المضاءة ...
... صفوف عساكر منتصبة بزيها ( الكاكي ) ، وجوه مكفهرة وأعين زرق زائغة حاملين بنادق فاتحة أفواهها وسكين طرفه مثبت بالبندقية وطرفه الآخر مغروس في أعصابهم ينتظرون كلمة واحدة لتخرج أسراب حديثة الولادة من طلقات ستة مللي ... صماء أصمها حشو البارود ، بكماء لا تعرف سوى الصراخ وعمياء ولدت لترشق في الصدور

-- " يا لهوي ... سِبنا الثورجية لا قينا الإنجليز !!"

-- "Stop ... Stop you fool, or you will be shot!"

( توقف توقف أيها الأحمق وإلا ستطلق عليك النار )

كان لابد من بيت حيد الطريق ذي باب مفتوح ليتلقف الفئران التي تخشى قط متربصة مخالبه أو ثعبان يلفها حد الاعتصار .. إنها فئران الليل أو فئران البشر !

--"Fire!!"

( اضرب !!)

وكانت الطلقة الأولى فأتبعتها الأسراب الصماء البكماء العمياء، يقابل دوي انفجارها دوي صراخ الثوار . كأحجار ألقيت في بركة من اللحوم البشرية ، أخذت تتبعثر وتتناثر وتتساقط دماؤها على بلاط الشوارع المضلع فصارت نهيرات حمراء تعيد رسم تفاصيل البلاط بعروق جديدة!

صراخ ... ودخان ، هكذا اكتملت السيمفونية مع الظلام .. الذي سريعا ما بددته النيران المضرمة في الأجسام والأعلام الخضراء .. قد احترقت نجومها واشتعل هلالها الأبيض وحامت رائحة البارود واللحم المحترق معا !.

براقع منزوعة بقوة ... طرابيش ملقاة معفرة ... شئ مستفزّ!! ... قد استفز المساطيل. لقد دفعوا في " عمل " أدمغتهم الليلة جنيها " بحاله" والآن أفسدت "الأدمغة!" ، أكان لابد أن يخرج الثوار الآن ؟! ... أكان لابد ؟!
-- " ما النهار قدامهم بطوله إيه اللي زانقهم دلوقتي ... كلمتين وجعينهم قوي ! "
-- " فَوّقتونا منكم لله ! ... مش كفاية حال البلد واقف بسببكوا كمان تقلبوا دمغتنا!"

أخذ المساطيل يشمرون " بناطيلهم " وهم يترنحون وسط أجساد ملقاة على الأرصفة ولوحات الخشبية .. ( طلبة الأزهر الشريف ... مدرسة السنية للبنات ... مدرسة الحقوق العليا ) ... و ... ( الاستقلال التام أوالموت الزؤام )
-- " إيه الزؤام ده ؟!"
-- " يمكن حاجة تبع الزكام ... الموت بسبب الزكام!!"
اجتازوا ذاك البحر المائج المرتشح دما وسط جموع الأهالي التي أخذت تتوافد على الميدان كي تسعف المصابين وتنقلهم إلى المشفى
-- " إيدكم معانا يا أفندية !"
-- " ربنا يسهلك يا خويا ... إحنا مالنا ! قولنا لهم يمشوا في مظاهرة! "
--" مهه كله علشانّة وعلشان بلدنا يا أفندية! ... يلا .. إيد على إيد تساعد!"
-- " محناش فايقين دلوقت ... أمّا نِبقوا نفَوَّقوا نِبقوا نرجعوا لكم !"

وهكذا ولوا الأدبار تشيعهم نظرات خليطها العتاب والاحتقار ... لكن ما هو بالغصب ! ... ماذا سيفيد وجود المساطيل ؟... لن يألوهم خبالا ...!
و اجتازتهم الأعين أثناء اجتيازهم الشوارع والنواصي حيث يعودون إلى جحورهم ...

--"Stop ... stop you there!!"

( توقفوا ... توقفوا أنتم هناك !)

أوقفتهم زمرة من العساكر الإنجليز مصوبين بنادقهم إلى الأمام .. يمشون بحذر؛ عين يبصرون بها الطريق والأخرى ينظرون بها من البندقية لإحكام التصويب ...
--"إنت ثورجي ؟!!" ... بلكنة إنجليزية باردة متقطعة
--"لالا .. إحنا مش معاهم!"
--" إنتو جايين من هناك ... هناك فيه ثورجية ... يبقى إنتو ثورجية!! ... يلا ..

Take them!! ( خذوهم !!)

تفسير علمي منطقي يهيئ لخطوات عملية معهودة في مثل تلك الأجواء ؛ فبدأت بالإمساك بالتلابيب ثم الضرب على الأقفية فإلقاء الطرابيش على الأرض .... حمراء ... صارت معفرة ... شئ مستفز!! ... قد استفز العساكر فصاروا يتقاذفونها بأقدامهم كالكرة وسط ضحكات صاخبة ..مجلجلة في أرجاء الشوارع مع كلمات إفرنجية لا يهم معناها الآن .. والزر الأسود تتبعثر وتتطاير خيوطه السوداء ثم تتلملم على بعضها من جديد ...وتسكن ... حقا مستفز!!

--" إنت مش قلت إن الإنجليز هيخرجوا بالحشيش؟!"
--" وهم دول إنجليز ؟ ... ماهم أهو مساطيل!!"

......................... ......................... ....................

أطفأ المكيف الدافئ ، وأخذ رشفة أخرى من "الهوت تشوكليت" ... آخر رشفة .. ثم كتب:

" كان هذا منذ مائة عام تقريبا.. الآن الوضع مختلف ...مظاهرة ضد حاكم! ... ممكن هذا الحاكم يقتل شعبه .. لالا .. إلا إذا كان ... مسطولا!!"
28 من يناير 2011


...وجر خطا بقلمه الثخين ....

وأغلق الكراس....

[سالم سلامه]

[koashraf]

هو مين ده اللى جر قلم بخطه الثخين واغلق الكراس........

وبعدين عادى يعنى ماهو الحكام لسه عماله تقتل فى الشعوب فى سوريا وليبيا وقبلهم مصر...

وبلاش هرشة مخ وزى مانت قلت :-

"تفسير علمي منطقي يهيئ لخطوات عملية معهودة في مثل تلك الأجواء ؛ فبدأت بالإمساك بالتلابيب ثم الضرب على الأقفية"

هو ده برنامج التعامل مع الثوار فى كل الازمنه والعصور والحكام الوطنيين والانجليز................ ايه الجديد.

تقبلى تحياتى ومرورى....

[نبيل عبدالرحمن]

رائعة يا دينا وأرشحها للدخول فى المسابقة التالية بعد إجراء بعض التصحيح البسيط فى بعض الكلمات وسأرسلها لك على الخاص