السر فى بئر
محمد حبيب
مشكلة كبيرة أن تتحدث فلا يصدقك أحد، حتى وإن كنت صادقاً.. فالثقة بينك وبين الآخرين حين تصل إلى الصفر أو قريباً منه، فلا تتصور أن هناك من يأخذ حديثك على محمل الجد، أو يضعه محل اعتبار، حتى وإن أقمت المهرجانات وأصدرت عشرات التأكيدات.. لماذا؟ لأن الثقة هى عملية بناء مستمرة لجسور قوية ومتينة بينك وبين الآخرين.. وهى عملية تراكمية، تأخذ وقتاً وجهداً.. وأهم عناصرها الشفافية والصدق واحترام عقول الآخرين، فضلاً عن عدم التناقض بين القول والفعل.. وهى -كما نعلم - أمور مفقودة..
خذ مثلاً.. اتفاق فيرمونت الشهير.. أو اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور.. أو التوافق على الدستور قبل عرضه على الشعب للاستفتاء عليه.. أو تعيين نائب عام من أجل حق الشهداء فى القصاص.. أو مشروع تنمية «إقليم» محور قناة السويس.. أو مؤتمر العدالة بشأن مشروع قانون السلطة القضائية.. إلخ.
هناك ثلاثة ضباط وأمين شرطة تم خطفهم، وهم على حدود مصر، يوم ٤ فبراير ٢٠١١.. وحتى الآن لا نعرف عنهم شيئاً.. أين هم؟ من الذى خطفهم؟! هل هم على قيد الحياة، أم تم تصفيتهم؟!
لدينا ١٦ شهيداً قتلوا فى رفح ساعة الإفطار فى رمضان يوم ٥ أغسطس ٢٠١٢.. كان معهم ٧ جنود آخرين أصيبوا ولم يستشهدوا.. هؤلاء كانوا شهود عيان على كل ما حدث.. وتم التحقيق معهم على يد رجال المخابرات الحربية والعامة.. فأين نتائج التحقيق؟ أليس من حق الرأى العام أن يعلم؟! وإذا كانت ثمة أخطاء قد وقعت، فهل جرت مساءلة أو محاسبة؟!.. لقد أعلن الدكتور مرسى أنه يقود بنفسه عمليات حربية من أجل الوصول إلى القتلة، والسيطرة على سيناء.. إلخ. فإلى أين وصلنا؟! وعندما سئل الفريق أول السيسى عن الموضوع، نفى الرجل أن تكون لديه أى معلومات(!!!)
بل قولوا لنا.. ما الذى أسفرت عنه تحقيقات كل المذابح التى جرت أثناء تولى المجلس العسكرى السلطة فى البلاد؟
قولوا لنا أيضاً، ما الذى كشفت عنه التحقيقات التى أجريت - إن كانت حقاً أجريت - بشأن ما يقرب من ١٠٠ شهيد سقطوا فى عهد الدكتور مرسى؟!
فى مسألة الإفراج عن الجنود السبعة الذين تم اختطافهم قبل فجر يوم الخميس ١٦ مايو ٢٠١٣، وأفرج عنهم بعد ستة أيام، أى صبيحة يوم الأربعاء ٢٢مايو، هناك على الأقل أطراف أربعة، كان لكل منها دوره.. الطرف الأول: المخابرات الحربية، والثانى: شيوخ القبائل، والثالث: الخاطفون أو من ينوب عنهم، والرابع: الجنود المخطوفون أنفسهم..
المخابرات الحربية هى الطرف الأخطر والأهم فى الموضوع.. إذ لديها المعلومات المفصلة عن الطرفين الثانى والثالث، وما جرى مع الطرف الرابع.. فهذه طبيعة عملها، خاصة فيما يتعلق بأخطر مناطق مصر، وهى سيناء.. قيل إنه كانت لديها معلومات قبل عملية الخطف.. وبالتأكيد اتصلت بشيوخ القبائل.. وبالتأكيد أيضاً، كان لدى الشيوخ معلومات عن الخاطفين، وأنهم اتصلوا بهم وتفاوضوا معهم، حيث نجحوا فى إطلاق سراح الجنود السبعة، وإلا ما كان هناك داعٍ لتوجيه الشكر والتقدير لما بذلوه.. من هم الخاطفون؟! وكيف تم تحرير المخطوفين؟ ولماذا تم تحرير المخطوفين، وفى مقابل ماذا؟ وهل ثمة تحقيق ومحاكمة سوف تجرى للخاطفين؟ أسئلة تحتاج لإجابات.
بالنسبة لتحديد هوية الخاطفين، لا حديث البتة صدر على لسان أى من المتحدثين.. فقد تم تجاهل هذا الأمر بالكلية، وكأنهم غير موجودين، أو كان الحديث عنهم سراً لا يطلع عليه أحد، فهل هو قضية أمن قومى؟.. كما لم يتحدث أحد عن الطريقة التى تم بها «تحرير» المختطفين.. وهل كانت الحشود العسكرية هى الغطاء الضاغط الذى تمت من خلاله المفاوضات؟ ثم، لماذا كان الاختطاف أصلاً؟ قيل: لإيقاف عملية هدم الأنفاق.. وقيل أيضا: للإفراج عن محكوم عليهم فى قضايا.. وقيل كذلك: لإيقاف عمليات الملاحقة، وإلا تكون هناك محاكمة.. كل ذلك وارد، وإن كان هناك نفى قاطع، سواء من المتحدث باسم الرئاسة أو باسم القوات المسلحة.
أصحاب نظرية المؤامرة يقولون إن القصة تمثيلية استهدفت محاولة اكتساب شعبية للدكتور مرسى وللجماعة، خاصة بعد الإخفاقات الكثيرة التى نجمت عن الإدارة الفاشلة خلال الفترة الماضية.. كما استهدفت أيضاً مواجهة حملة «تمرد» التى تنتشر بسرعة غير متوقعة والتى تدعو إلى سحب الثقة من الدكتور مرسى وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. فهل هناك استهدافات أخرى؟