[silverlite]

قناص العيون والشريعة


نواره نجم

خلاف ناشب بين الناس حول أمر غائب، لم ولن يتحقق، إنما يزايد به من يريد شراء أصوات السذج وإقناع الجهال، ولا أقصد هنا الأميين، ولكننى أقصد الجهال الذين يشهدون بما لا يعلمون. وإننى أعرف أشخاصا حاصلين على أعلى الدرجات العلمية، يتمتعون بسذاجة وبراءة وضيق أفق، بل وجهل بمجريات الأمور، وبواقع الحقائق، أكثر بكثير ممن لا يحسنون القراءة والكتابة، ومما يزيد من جهلهم، هو تصورهم أنهم يعلمون، ذلك لأنهم، كما يقول عبد الفتاح القصرى عن الباز أفندى: قارى ومطّلع ومستوعب الأشياء.
الخلاف الناشب بين البعض، والذى من أجله تسيل الدماء، وأنا أكتب هذه السطور، هو أن من هم فى سدة الحكم يدّعون أنهم يريدون تطبيق الشريعة. للتذكرة للمرة الألف بعد المليون: تصاعدت حدة العنف فى الشارع، بدءا من أحداث الاتحادية، حيث كلّف المرشد عشرة آلاف شاب من شباب الإخوان ليهجموا على اعتصام الاتحادية وفضه بالعنف، وعقّبت أخت أحد شباب الإخوان الذين قتلوا فى الاتحادية: أخويا كان نازل يدافع عن الشريعة! وأنا أصدق هذه الفتاة، وأقدم لها التعازى فى أخيها الذى كان يدافع عن الشريعة، والله أعلم بمن قتله، فنحن المعتصمين كنا عزلًا، بينما لم يكن الطرف الآخر كذلك، ولا داعى للاستشهاد بفيديوهات أو شهادات الشهود، فشباب الإخوان الذى نزل بالسلاح يعلم تماما أنه كان مسلحا، ومافيش داعى نشتغل بعض، كما عقَّب محمود غزلان على الأحداث قائلا بأن القتلى من شباب الإخوان فى مصلحة الجماعة! آه آه.. أنا متهمة الإخوان إنهم هم من قتلوه، على مَيَّه بيضا كده، ليس فقط لأنهم من كانوا الطرف المسلح، وإنما لأنهم كذبوا فى أعداد القتلى، وحاولوا تقديم رشوة لأهالى بعض الشهداء للادعاء بأنهم من الإخوان، بل بلغ بهم التبجح لدرجة أنهم ادعوا أن الشهيد الحسينى أبو ضيف من الإخوان، ثم سلط الله عليهم غزلان ليقول إن موت أعضاء الجماعة فى مصلحتها. كما أنه كانت هناك شواهد تؤكد مقولة الفتاة، حيث إن الشباب الذين هجموا علينا كانوا يهتفون: الله أكبر، وكانوا يدعون فى الميكروفون: اللهم انصرنا عليهم كما نصرت نبيّك فى بدر! ده على أساس إننا كنا بنلفّ حوالين القصر ونغنى: نحن غرابة عك عك.
بس يا سيدى وعنها، ومنذ تلك اللحظة، والناس تُقتل فى سيمون بوليفار، وفى بورسعيد، وفى المنصورة، لا يُقتلون فى التظاهرات فقط، وإنما يُقتلون فى الجنازات التى يُشيِّعون فيها قتلى التظاهرات. لماذا كل ذلك؟ لتطبيق الشريعة، بتقولوا مين يا ولاد؟ تطبيق الشريعة، مين؟ الشريييييعة.
هذا بالطبع، بخلاف أن الجماعة حشدت للتصويت بنعم للدستور، ذلك لأن الدستور هو دستور الشريعة، ومن صوّت بعدم الموافقة على الدستور، إنما يصوّت ضد الشريعة، ومَن يقولون إنهم لا يريدون حكم الإخوان الذى أجهز على البقية الباقية من الأخضر واليابس فى البلاد، إنما يقولون ذلك للتورية والتقيّة، والحقيقة أنهم لا يريدون الإسلام، ولا الشريعة.
فى خضمّ هذه الحرب الضَّروس، التى يُقتل فيها الناس، دفاعًا عن الشريعة، صدر الحكم ضد قناص العيون، محمود الشناوى، بالسجن ثلاث سنوات، قضى نحو نصفها بالفعل فى استراحة الشرطة! اِلحقْ الشريعة اللى وقعت منك يا ريس.
تصدقوا يا ناس، أنا ربنا هدانى، وتبت إلى الله، واستغفرت، وأقلعت عن التضامن مع هؤلاء الكفار الملاحدة الفسقة الكفرة الفجرة الذين يتظاهرون ضد الإعلان الدستورى والشريعة، وضد الغلاء والشريعة، وضد القتل والشريعة، وضد الأحكام الظالمة والشريعة، وضد القمع والشريعة، وضد الظلم والشريعة، وضد القفا الذى سكعه لنا الإخوان والشريعة، وقررت الانضمام إلى مليونية حديقة الحيوان والشريعة، أهتف من كل قلبى: الشعب يريد تطبيق شرع الله.
ألم يصدر مرسى إعلانه الدستورى حماية للشريعة؟ ألم يقتل الناس دفاعا عن الشريعة؟ ألم يتم تعرية رجل وسحله ثم تهديده لتغيير أقواله من أجل الشريعة؟ ألم يمرر الدستور المعيب بالتزوير والتدليس، لأنه دستور الشريعة؟
طيب، الشريعة تقول: «وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأُذن بالأُذن والسن بالسن والجروح قصاص». يفقد حرارة بصرَه بثلاث سنوات، يفقد رضا بصرَه بثلاث سنوات، يفقد مالك مصطفى عينه بثلاث سنوات.. قررررب قرب قرب، أوكازيون العيون، اخزق عين الناس وسيتم استضافتك فى استراحة الشرطة لثلاث سنوات. يا بلاش.. جدع يا باشا، جات فى عينه. وماذا لو قمت أنا بخزق عين خيرت الشاطر؟ هل سيتم استضافتى فى استراحة الشرطة لثلاث سنوات؟
هل هذا هو شرع الله الذى من أجله قتلتم خيرة الشباب، وتحرشتم بالنساء، واعتقلتم الأطفال؟!