سي. إن. إن: الشرق الأوسط والفوضى العارمة
السبت, 01 ديسمبر 2012 20:33

ميدان التحرير
نانسي محمود
لو نظرت عن كثب إلى الشرق الأوسط، سترى "فوضى عارمة" .. حروب أهلية، احتجاجات عملاقة، اشتباكات عبر الحدود، متمردين مسلحين، سيارات مفخخة .. إلخ، و كلها في الأيام القليلة الماضية فقط !!
الشرق الأوسط يرفض أن يعترف بأن الولايات المتحدة قررت الارتكاز على دول آسيا كبديل له، و يأبى إلا أن يبقى مكون أساسي في المشهد السياسى الحالى، فما نراه الآن من أحداث في الشرق الأوسط يثبت خطأ كل المفاهيم طويلة المدى، و نظريات المؤامرة التى كونت انطباعاتنا عن هذه المنطقة متأججة الصراع عارمة الفوضى.
احتكار تام:
ما يزال الشرق الأوسط يحتكر انتباه و اهتمام الدبلوماسيين و الخبراء العسكريين، بالإضافة إلى أن مجريات أحداثه المباغتة قد تبقى زعماء العالم كله متيقظين متابعين ليلاٍ و نهارًا فى محاولة لتقييم الوضع فى المنطقة و حماية مصالحهم، فبقعة الضوء المسلطة على الشرق الأوسط كانت ستصبح موجودة حتى بدون وجود قطرة نفط واحدة فى صحراوات المنطقة و حتى إذا إختفى الصراع العربى الإسرائيلي.
فكل الإدعاءات التى تقول إن الغرب يولى اهتماماً للشرق الأوسط، بسبب البترول أو إن حليفة الغرب-إسرائيل- هى السبب الرئيسى في كل مشاكل المنطقة، قد انتفت و ذهبت أدراج الرياح.
لماذا يُعاني الشرق الأوسط ؟
تاريخياً، الشرق الأوسط هو مركز مُجريات الأحداث، و تلتقى على أرضه الأيديولوجيات المتصارعة، و لذلك فإن ما يمر به من متغيرات تتجاوز حدوده الإقليمية، و تعبر إلى جميع أنحاء العالم حاملةً تأثيراً واسع المدى يمس كل شىء حتى الأفكار و السلوك اليومى !!
فلكم أن تتخيلوا أن "البعض" ممن اعتادوا حضور الدروس الدينية فى نهاية الأسبوع أو يخلعون أحذيتهم عند صعود الطائرة، تأثر سلوكهم بسلوك و فكرآخر مصدره الشرق الأوسط.
إن أسباب الوضع الكارثى لمنطقة الشرق الأوسط، له عوامل متعددة كالفساد المتوطن فى المنطقة، ضعف خبرة الحكام، التمييز ضد المرأة و الأزمات الإقتصادية الخطيرة التى تعانى منها المنطقة.
العديد من النظريات المتنبئة بمستقبل المنطقة ظهرت على الساحة مؤخراً .. فهناك تنبؤات باحتدام الصراع بين السنة و الشيعة، تصاعد وتيرة الديمقراطيين ضد الطغاة و الحكام الديكتاتوريين و محاولة الإسلاميين السيطرة على الأقليات و المسيحيين الذين يراودهم قلق على مستقبلهم.
هذه النظريات اعتبرها الخبراء مكونات خلطة إشعال الصراع فى المنطقة، ووضعها على صفيح ساخن.
لا تتوقف معاناة الشرق الأوسط عند هذه المعطيات فقط، فإذا كان دعاة الديمقراطية يتمتعون بثقل ما فى المنطقة، إلا أن هناك أفكار و أيديولوجيات مناهضة لفكرة الديموقراطية و منها: خلق كيانات اجتماعية تتخذ من التمييز ضد المرأة منهاجاً لها، بالإضافة إلى كيانات أخرى تعتمد العنصرية فى فكرها بأن تكون معادية لأمريكا أو لمبادىء الليبرالية بشكل عام.
هذه الكيانات و المبادىء الفكرية سيترتب عليها آثار سيئة سيذكرها التاريخ ذات يوم.
دول تحت الضوء:
بالنسبة للدول التي تختبر صراعات و احتجاجات في منطقة الشرق الأوسط، تجدر الإشارة إلى مدى تأثير تلك الدول بمتغيراتها على السياسات المختلفة للغرب و في السطور التالية سنرتب هذه الدول حسب أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية:
مصر
غليان كبير يشهده الشارع المصري ضد الرئيس محمد مرسي الذي فاجأ الجميع، بما فيهم أمريكا، و أصدر إعلانًا دستوريًا مكملا، عاد به بمصر إلى عصر الديكتاتورية المفرطة، بأن منح لنفسه صلاحيات بلا حدود.
فى الوقت الذى أكد فيه مرسى أن هذه الخطوة ضرورية لحماية الثورة و مؤقتة تلغى مع الدستور الجديد، إلا أن التظاهرات ضده ازدادت إشتعالاً خوفاً من سيطرة جماعة الرئيس "الإخوان المسلمين" على الدولة بشكل كامل.
كان أحد المحللين السياسيين فى مصر قد شبه مرسي بمرشد الثورة الإيرانى "آية الله الخميني" في محاولته السيطرة على مقاليد الحكم فى الدولة و إهانة بعض الهيئات المهمة كالقضاء بسحب بعض صلاحياتهم أو أن تكون له اليد العليا عليهم.
كرائدة للشرق الأوسط، سيساهم هدوء الأوضاع بمصر فى إستقرار المنطقة كلها .. فمصر هى المؤثر الأكبر فى الشرق الأوسط و تقوده فكرياً، سياسياً و ثقافياً.
الجدير بالذكر هو أنه منذ عام واحد، بعد اندلاع الثورة فى تونس،عندما ثارت مصر و فتحت أبوابها للربيع العربى، ارتعش حكام العرب و اهتزت النظم الديكتاتورية حتى انهار بعضها، و كل هذا لأن مصر ظهرت فى الصورة.
إيران
بالرغم من أن الولايات المتحدة قد تحاول توجيه دفتها إلى آسيا، إلا أنها لن تستطيع أن تقتل مخاوفها إزاء إيران، ليس بسبب النفط، فأمريكا ما تزال تشترى البترول من إيران لكن خوف أمريكا الحقيقى يتلخص فى جملة واحدة "الملف النووي الإيراني".
فى الأربعاء الماضي، أعلن رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية عن الإسراع في تخصيب اليورانيوم متحدياً العقوبات الدولية القاسية التى تفرض على الدول فى هذه الحالة.
من جهة أخرى، صرح مسئول أمريكى لشبكة C.N.N بأن هناك تخوفات أخرى بشأن إعتزام طهران إرسال مساعدات عسكرية و أسلحة إلى حركة حماس في غزة حتى بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار بين الجانبين الإسرائيلي و الفلسطيني.
إسرائيل و فلسطين
يعتبر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي نقطة محورية و حساسة في العلاقات بين أمريكا و الشرق الأوسط، كما أنه تحدى كبير يظهر مدى سيطرة أمريكا على الوضع بين طرفى الصراع.
ففى الوقت الذى تعهدت فيه حماس بتدمير إسرائيل، رفضت السلطة الفلسطينية العودة إلى طاولة المفاوضات ملقيةً باللوم على تعنت إسرائيل بل و قامت بتصعيد القضية الفلسطينية للأمم المتحدة من خلال تقديم طلب للحصول على صفة دولة مراقب غير عضو بالأمم المتحدةو حصلت على التأييد من الدول العربية، الإسلامية و دول عدم الإنحياز مما يعنى بداية مرحلة جديدة من هذا الصراع طويل المدى.
من وجهة نظرها، اعتبرت أمريكا أن إرتفاع درجة فلسطين فى الأمم المتحدة، أثر سلباً على مفاوضات السلام بين فلسطين و إسرائيل و حال دون إتمام العملية بنجاح.
سوريا
بعد مرور عام على الثورة السورية، أصبح للصورة عدة جوانب .. محصلة القتلى فى سوريا بلغت حوالى 40.000 شخص ما بين رجال، نساء، شيوخ و أطفال .. الثوار يطالبون بحقهم الشرعى فى التخلص من نظام الأسد القمعي .. أمريكا و الغرب متخوفون من مرحلة ما بعد بشار الأسد.
تعددت الاتجاهات الفكرية للثوار فى سوريا .. فمنهم الديمقراطي الليبرالي، الوسطي و الإسلامي الذى يدعم فكرة الخلافة الإسلامية ، الأمر الذى وضع واشنطن فى مأزق حول السياسة التى يجب أن تنتهجها فى التعامل مع الربيع العربي السوري.
فى النهاية، مهما حاول أوباما أن يشيح بنظره عن الشرق الأوسط فلن يستطيع !! .. فكل هذه التحديات تجعل المنطقة، شئنا أم أبينا، على قمة الأجندة السياسية الدولية لأمريكا.
*المصدر:
http://edition.cnn.com/2012/11/30/opinion/ghitis-middle-east/index.html?hpt=hp_inthene ws