
22-10-2012, 07:19 PM
|
 |
|
|
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 95
|
|
مطرقة الساحرات:
مطرقة الساحرات:
يتحدث كتاب مطرقة الساحرات (Malleus Maleficarum) الرهيب عن طرق اكتشاف ومعاقبة الساحرات في العصور الوسطى، والكتاب يحتوي على كم رهيب من طرق التعذيب المفزعة التي تبدأ بحلاقة شعر الرأس والإعدام بالحرق والخازوق... يكفيك أن تعلم مثلاً أنه في ولاية ماساشوسيتس بالولايات المتحدة في العصور الوسطى كانت الفتاة الجميلة يتم حرقها لأن جمالها يعني أنها ساحرة، وهذا ليس مزاحا بالمناسبة.
في هذه العصور كانت محاكم التفتيش هي من تقوم بهذه الإجراءات وهي الإجراءات الناتجة عن الحكم الكنسي للبشر بدون أن تمكين للعقل، وفي هذا الإطار المرعب ظهرت محاكم التفتيش وتم إعدام تايكوبراه والتهديد بإعدام جاليليو.
بنفسية معقدة كنفسية مؤلفا هذا الكتاب (كريمر وسبرنجر) تأتي لنا المعلمة في مدرسة بصعيد مصر لتقوم بحلاقة شعر فتاتين في الصف السادس الابتدائي لعدم ارتدائهما للحجاب، وكأن هذه المعلمة هي تصدر أحكامها وتنفذها على هاتين الفتاتين (أم أقول الساحرتين) بدون أي تفكير سوى أنها ترى في نفسها من الحكمة والعقل والتدين والعلم ما يتيح لها أن تقوم بهذا التصرف... فيما بعد صرحت المعلمة بأنها قامت فقط بـ (تهذيب) شعر الفتاتين وليس قصه، ويمكنك البحث على الانترنت لترى كيفية قيامها بعمل ذلك... هذه معلمة تمارس نوعا مماثلا لما مارسته محاكم التفتيش في العصور الوسطى بالضبط، والحمد لله أنها لم تقم بحرق البنتين.
وفي ذات الوقت الذي أشعر فيه بالألم بسبب هاتين الفتاتين، يمكنني كذلك أن أتعاطف من زاوية ما مع المعلمة التي قامت بذلك... هذه معلمة بالتأكيد تجلس أمام البعض ممن يتصورون أنفسهم قضاة هذا الزمن، وهم كثيرين بالمناسبة في مصر هذه الأيام، فمنهم من يرى أن فنانة معينة زانية ويجب تطبيق الحد عليها بدون أن يذكر أن عليه أن يأتي بأربعة شهود على ذلك، وشيوخ الفضائيات الذين لا يكفون عن تقديم أنفسهم بالمعالجين الروحانيين وغيرهم، ممن يملئوا عقول الناس بكل هذا الهراء... لو كانت هذه المعلمة لديها ذرة من عقل، لتذكرت أنها لو أرادت أن تحبب الفتاتين في ارتداء الحجاب لتذكرت الآية (لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)... لو أردت رأيي فكلا الطرفين ضحية لسنوات من الحشو الغريب والتناول الضيق للدين والأفق الأكثر ضيقاً في فهمه.
هذا يقودك بالتأكيد إلى حال التعليم في مصر... جرب فقط أن تبحث في الانترنت وستجد الآلاف ممكن يكتبون (لاكن) بدلاً من (لكن) ويكتبون (إنشاء الله) بدلاً من (إن شاء الله)... بل إنك بالتأكيد تذكر عنوان الفيلم الشهير (لا تبكي يا حبيب العمر) وعنوان الفيلم (للمتزوجون فقط) ... يبدو أن مراعاة الحد الأدنى في اللغة العربية صار مهيناً هذه الأيام.... الغريب أنك بعد كل هذا تجد نتائج امتحانات الثانوية العامة وكلها يتراوح بين 90 % و ما يزيد عن 100 % مما يجعلك تتساءل في دهشة كيف حصلوا على هذه الدرجات إذن؟ بل إن سياسة التعليم في مصر كلها تبدو مهلهلة من كافة الجوانب... أنا عملت مدرساً للغة الانجليزية لمدة سنة تقريباً وأعرف ما أتحدث عنه... أغلب المدرسين يرى أن الطلاب كلهم مجرمون وينبغي ضربهم بالسياط، والطالب يرى بالتأكيد أن المدرس كائن مرعب ولا ينفع التعامل معه إلا من هذه الزاوية... هذا طبعاً لأن كلا الطرفين يتعامل من خلفية ثقافية ورؤية مختلفتين، وكلاهما لا يمكن أن يلتقيا إلا في حالات نادرة، ولأسباب كهذه قامت هذه المعلمة بما قامت به.
الغريب في هذا الوضع أن كلا الطرفين مسلم وان العالم كله يحتفل في هذا الشهر بيوم الطفولة العالمي، إلا أن العالم الإسلامي كالعادة يقدم أسوء صورة ممكنة للعالم بدون وعي بالدين الإسلامي أصلا، فترى أن حركة طالبان حاولت قتل الطفلة ملالا يوسفازي لأن القيادات العبقرية الطالبانية ترى أن تعليم البنات حرام، ولكن أسوء ما حدث في واقعة الطفلتين المصريتين هو أن هذا حدث في مدرسة حكومية، وهو أمر له دلالة فعلاً فهذه المعلمة لم تكن لتجرؤ أبداً على فعل ذلك في مدرسة خاصة، ولكن يبدو أن الفقر مذل على كافة المستويات حتى في المدارس والتعليم، والمفاجئة الحقيقية هي أن هذه المعلمة تدرس لهما مادة العلوم... هذه هي العلوم التي قدمتها هذه المعلمة إلى الأطفال في صعيد مصر يا سادة، وهذه صورة تعيدك إلى المبدأ الوهابي في السعودية الذي يقول: (إن لم يكن بالحسنى فليكن بالقوة).... لو كانت هذه المعلمة على دراية بهذا المبدأ الوهابي، وهذا أمر أستبعده، فهي تبدأ موجة جديدة في مصر تابعة لشيوخ الفضائيات الذين دعوا الناس يوما للدخول إلى مقر وزارة الدفاع في العباسية وقتل من فيه، ولو كانت هذه المعلمة مجرد واحدة أخرى من ملايين المصريين الذين عانوا الكثير من الضغوط فتفجرت فيهم نوازع معينة، فكيف نقدم لها أبنائنا لتقوم بتعليمهم؟ صدقني، لم يكن الفيلم المسيء وحده هو من أساء لرسول الله عليه الصلاة والسلام والدين الإسلامي، ولكن بعض المسلمين يقدم للعالم كل جديد في كل يوم ليزيد من تشويه صورة الإسلام أمام الجميع... ولستُ أبالغ لو قلتُ انه يسيء إلى المسلمين كلهم أمام المسلمين كلهم.
|