
21-09-2012, 07:08 PM
|
 |
من انا؟: بحاول اعيشها صح !
التخصص العملى: اداره اعمال
هواياتي: القراءه -المتاجره- السينما الجيده وخاصه التاريخيه-الافلام التسجيليه - السيارات
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2010
الموقع: القــــــــــــاهره
المشاركات: 13,001
|
|
رد: مخطط تصفيه الثوره ,,
جرافيتى الثورة (2)
 عمار علي حسن
طلب فؤاد من أبيه أن يريه رسم الجرافيتى الذى أبدعه على كوبرى قصر النيل قبل حرب أكتوبر.. أخذه يومها من يده، ووقف عند مدخل الكوبرى يبحث عن وجه جنرال يشطره صاروخ، لكنه لم يجد شيئاً. عاد به وهو يقول له فى حسرة:
- طمسوه.
وفى المساء قال لأصحابه على المقهى ساخراً:
- يبدو أن أحد الملاحق السرية لمعاهدة السلام مع إسرائيل نصّ على محو ما رسمته.
فيقول له أحدهم ساخراً:
- طبعاً، لم يكن الإسرائيليون ينامون الليل من فرط الخوف من رسوماتك.
فيمعن هو فى السخرية من كل شىء، ثم يقول لهم:
- إن كنت كاذباً، بمَ تفسرون اختفاء الصور التى تلعن الاحتلال من على كل جدران مدينة السويس.
وهنا يتدخل صاحب المقهى:
- الزمن يمحو أشياء كثيرة.
لكن الزمن لم يمحُ آثار رسوم فؤاد على جدران غرفته. بهت بعضها قليلاً، إلا أنها ظلت واضحة لكل من ينظر إليها حتى لو كانت عينه كليلة.
هكذا كانت رسوماته أيضاً فى مدخل ميدان التحرير. خرجت من الهواء المحبوس الفاسد وجاءت هنا فى عين الريح، وبعد أن كان يتودد لمن يزورونه كى يدخلوا حجرة نومه، ويشاهدوا الصورة الراقدة على الجدران بلا حراك، ها هو لا يبذل أى جهد فى جذب أحد من الملايين التى ترد إلى الميدان كى ترى رسمه وخطوطه.
على جدران «مجمع التحرير» وعند مدخل الميدان من ناحية المتحف المصرى، كل الجدران حملت رسمه. ورآها فنانون فهرعوا إلى بيوتهم وأحضروا أدواتهم، وتوالت خطوط وصور وعبارات عديدة ملأت الشوارع والميادين، ورآها الملايين، وعرفوا ما فيها، ووعوه، وهذا ما حلم به بهيج خير الله، وورثه عنه فؤاد، وعاش سنين ينتظره، ولم يمت إلا وقد حققه.
ولما ارتفعت سبعة حواجز أسمنتية قبيحة فى شوارع وسط البلد، لتحمى مبانى وزارة الداخلية ومجلسى الشعب والوزراء، أطلق حملة على «فيس بوك» أعطاها عنوان «مفيش جدران» دعا فيها كل رسامى الجرافيتى إلى التجمع عقب صلاة الجمعة عند مسجد عمر مكرم، وجاءوا مشمرين عن سواعدهم، قابضين على فرشاتهم.
قسمهم إلى سبع مجموعات، مجموعة لكل جدار، وانطقوا إلى شوارع قصر العينى، والشيخ ريحان، ويوسف الجندى، والفلكى، ومنصور، وفهمى، ونوبار، وبدأوا العمل بالفرش والبويات وأدوات هندسية بسيطة، فراح القبح ينحسر شيئاً فشيئاً.
رسموا مشاهد حقيقية على كل الجدران والأشجار والمبانى والأرصفة والمقاعد الخشبية حتى يتخيل العابرون أن الشوارع مفتوحة أمامهم. حوّلوا الجدران العازلة إلى امتدادات للشوارع. رسموا على جدار «قوس قزح» ومقعداً خشبياً للمارة موجوداً فى آخر الشارع المغلق.
ورسموا صوراً معبرة ترتبط بمكان الجدار. ففى شارع قصر العينى رسموا أغلفة ضخمة لكتاب «وصف مصر» الذى قال العسكر إنه احترق حين شبت النيران فى «المجمع العلمى» الذى يقع على بعد أمتار من فوهة ميدان التحرير خلال اشتباكات بين جنود الجيش والثوار.
وعلى أحد الجدران فى محيط وزارة الداخلية رسموا صورة «حنظلة»، الشخصية الكاريكاتورية الشهيرة للرسام الفلسطينى الشهيد ناجى العلى، ممسكاً بسيف، ليرمزوا إلى أن الثورة مستمرة. وعلى سور الجامعة الأمريكية رسموا جرافيتى ضخماً لصور الشهداء، وفى الطرف كانت صورة لنصف رأس الطاغية ونصف رأس تلميذه، اختلطت فيها ملامحهما، ليصبح الجديد المزعوم مجرد امتداد للقديم.
ورسم شباب «الألتراس» لوحاتهم. رموزهم وعباراتهم التى تخصهم هم دون غيرهم. صور مبهجة وكلام زاعق، بالعربية والإنجليزية. جدران بكاملها تحولت إلى لوحة ضخمة تسر الناظرين.
لكن لم تمض سوى أسابيع قليلة، وجاء رسل القبح ليطمسوا كل شىء. كان أحدهم عاملاً بسيطاً، يدفع فرشاة ضخمة لتفرش لوناً أصفر فوق الرسم، ويقول لكل ما يسأله:
- المحافظ بعثنا لنمسح الصور، لكى ننظف البلد قبل أن يأتى الرئيس الجديد.
وحين صرخ فيه أحد الشباب قائلاً:
- كيف يزيلون صوراً تجسد ثورة الشعب التى غيّرت وجه الحياة فى مصر.
ابتسم له العامل فى هدوء وقال:
- هذا كلام تقوله للمحافظ. أنا عبد مأمور. بعد انتهاء العمال من مهمتهم القبيحة، نادى فؤاد رفاقه فجاءوا مرة أخرى بفرشاتهم، وأخذوا يعيدون كل شىء إلى ما كان عليه.
__________________
|