
21-09-2012, 07:04 PM
|
 |
من انا؟: بحاول اعيشها صح !
التخصص العملى: اداره اعمال
هواياتي: القراءه -المتاجره- السينما الجيده وخاصه التاريخيه-الافلام التسجيليه - السيارات
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2010
الموقع: القــــــــــــاهره
المشاركات: 13,001
|
|
رد: مخطط تصفيه الثوره ,,
جرافيتى الثورة (1)
عمار علي حسن
الأيدى القبيحة الجاهلة التى تمتد الآن إلى جرافيتى شارع محمد محمود، الذى صنع متحفا للثورة وخلد ذكرى الشهداء، لا تفعل ذلك عبثا، أو من عفو الخاطر، بل تريد للناس أن ينسوا حقوق الشهداء وذكريات الثورة التى لم تتحقق أهدافها وتنتهك مبادئها وشعاراتها الآن بقسوة، ويعودون مرة أخرى إلى الصمت. لقد سبق أن فعل المجلس العسكرى العابر هذا قبل شهور، لكن الفرشاة عادت ترسم وتنقش من جديد، وهو ما سيفعله الرسامون، لكن هذه المرة بشعارات ورسومات تهز عروش الطغيان والبطر، وتقول للناس: إنها أيضا عابرة.
ردا على هؤلاء، هنا قصة واحد من فنانى الجرافيتى، كى يعلم الجهلاء أننا لن نسمح لهم بأن يمحوا التاريخ ويشوهوه.
***
قضى فؤاد بهيج سنوات طويلة يحبس ما يرسمه داخل جدران بيته. يذهب به أحيانا إلى معارض لا يزورها كثيرون، ولا يكتب أحد عنها سطرا واحدا. ومع الأيام ظن أنها رسوم تخصه وحده، مثل قصة الحب الوحيدة الفاشلة فى حياته الذى كتمها عن كل من حوله، وعاش معها وبها، يستعيدها فى أحلام اليقظة، ويخط بعض ما تلهمه به على الورق أو على جدران حجرته، التى حولها بمرور الزمن إلى لوحة كبيرة، تحتضن صورا وألوانا ومعانى وأشياء.
على فترات متباعدة يزوره بعض الأصدقاء، يصر هو على أن يأخذهم إلى غرفة نومه، ويقول لهم:
- هنا معيشتى ومنامى وربما مقبرتى.
لم يكن يحسب وقتها أن غرفته ستتسع وتنجلى، لتصبح القاهرة بأكملها، وأن تنتقل رسوماته من الظلام والوحدة والغربة إلى نور مبهر يحط عليها فى الشوارع المفتوحة، فتسر الناظرين، وتلهب الحماس.
خرج يوم جمعة الغضب ليلعن الطاغية، الذى كابد فى عهده شعورا دفينا بالضياع، وصار عالة على الحياة. لم يمسك طوبة فى يده ليرد على الرصاص والدخان وخراطيم المياه الدافقة، ولم يصرخ بحنجرته معلنا أى مطلب.
كان يمشى صامتا وسط الحشد الصاخب، لكن رأسه مشغول بما سيأتى. كلما تقدمت المظاهرة صوب الميدان الفسيح كان يفحص الجدران على جانبى شارع رمسيس، ويمسح أبواب العمارات، وجوانب الباصات، ويرنو إلى أسطحها العالية، ثم يرتد بصره إلى أسفلت الشوارع، ويقول لنفسه:
- لوحات فارغة تحتاج إلى من يضع عليها علامات لا تُمحى.
فى اليوم التالى جاء إلى الميدان ومعه أدواته: بخاخ البوية، وقلم البوية، ولوحات «الاستنسل» الخاصة التى تجعل الرسم طيعا فى يده، وتحدد مساحته أمامه بسهولة، وعلب معبأة بالبوية المطلوبة، ذات منفذ إسفنجى مقوى.
ها قد جاءته اللحظة التى يسخر فيها من الطاغية، تماما مثل أجداده القدماء الذين كانوا يكدحون فى بناء معبد الملكة الإلهة حتشبسوت بكل مثابرة وورع وتجرد، وفى الليل ينتقمون منها، حين يرسمون على الجدران التى صنعتها أيديهم فى وهج الشمس صورا للملكة مع عشيقها مهندس المعبد.
جاءت اللحظة التى يفعل فيها ما فعله والده قبل أكثر من أربعين عاما. كان يقول له مفتخرا:
- أنا صاحب جرافيتى «نهاية الأعور».
ويتوه فى الزمن ويقول:
- عند مدخل كوبرى قصر النيل رسمت صورة للجنرال الإسرائيلى موشيه ديان، والصاروخ يقسم جبينه.
يضحك، ويتوه قليلا، ثم يعود وعيناه مفتوحتان: - كان هذا مع بداية الحرب، حين كانت إذاعة صوت العرب تقول إن جيشنا على أبواب تل أبيب. وحين هزمنا بعد أيام، لم يعد الرسم له معنى. لكن أحدا لم يجرؤ على أن يمحوه. ظل حلما يراه كل من يعبر الكوبرى متجها إلى ميدان التحرير. فلما جاء نصر أكتوبر، عاد إليه معناه.
__________________
|