[silverlite]

التربية العاطفية للمواطن المذنب


وائل عبد الفتاح

هل فكرت مرة ومن قبيل المرح العادى أن تفكر فى ما تقوله لك السلطة؟
أعرف أنك لا تحب السلطة أو تكرهها أو تعتبرها قَدرًا يتغير ألوانه فيأتى مرة على حصان أبيض.. وحلم اشتراكى وبناء دولة «تهد الدنيا».. ومرة على سفينة أحلام مشحونة بماكينات البيبسى والكوكاكولا والدولارات الخضراء والشقراوات الكاوبوى إلى أن تصل إلى حكمة اللصوص وتجار الصنف المحترم من بيروقراطية تديرها عصابة مركزها فى قصر الرئاسة.
الآن أنت أمام طبعة جديدة من السلطة تلعب معك نفس اللعبة.. أن وجودها قدر، وأنك أنت المكلف بإصلاح نفسك، أنت قمت بثورة أو تحمست لها أو خرجت فى جمعة النصر تزغرد بعدما لم تدفع الثمن، لكنك ما زلت مُدانًا.. كل المصائب تبدو من عندك.. نعم من عندك أنت ولا شىء تغير، مبارك أو إخوان فأنت المسؤول عن نظافة الشوارع وأنت السبب فى هطول الكوارث، لأن عينك زائغة وأنت الذى تورط الرئيس فى مواجهة مع العسكر وتريده أن يوقف المحاكمات العسكرية وخطف النشطاء، لكن يفرج عن متهمين قدامى بالإرهاب ويستقبل قادة حماس.. وأنت تورطه فى المواجهات رغم أنه مكبّل بالإعلان المكمل وبألاعيب البيروقراطية أنت الذى تطلب منه فوق ما يستطيع بينما هو يكمل فريقه بعد مرور كل هذه الأيام وفق خريطة وتوازنات القوى.
ماذا يفعل الرئيس وهو الذى يسير على درب أمراء المؤمنين فيذهب بنفسه إلى التراويح ويتقدم الصفوف ليكون إماما فى المسجد ويدعوك لكى تجعل مصر نظيفة.
نعم أنت المسؤول عن النظافة، فاحمل مكنستك وأكياسك لتنظِّف شارعك، إذا كنت إيجابيا شارك الرئيس حملته، لكى لا يضطر إلى مواجهة مؤسسات فاسدة أو يتقدم بحلول ذكية، فالرئيس مشغول وأنت المدان دوما، أصلح من نفسك ستنصلح البلد، ابدأ بنفسك ستُحل كل مشكلاتنا.
سأعترف لك بأن هذه قواعد أى سلطة تخفى الاستبداد تحت لسانها الحلو، وتتعامل مع المواطنين بمنطق الرعايا ثقلاء الظل، بينما الرئيس المنتخب مشغول بتكوين فريق يرضى جميع أطراف القوى المتصارعة حول السلطة، صراع قبيلة ونظام جماعة وعسكر، صراع يستمر لأنه لا بديل حتى الآن، الإخوان يحصلون على الفرصة تلو الفرصة ويضيعونها لينالوا فى النهاية كل حصاد مبارك من تجريف الأرض وفشل القوى الأخرى فى التنظيم.
صراع السلطة يعيد إنتاج التربية العاطفية عن المواطن المذنب الفرد الذى يحتاج إلى إصلاح.. هنا تلتقى سلطة العائلة مع سلطة الدولة بمؤسساتها القديمة (عسكر وخلافه) وجديدة (وعاظ ودعاة ومراقبى الحريات الشخصية)كل هذه السلطات تحاصر الفرد من لحظة اليقظة إلى المنام، من الميلاد إلى الموت، ولأن الثورة لم تكتمل كانت هذه هى التركة الوحيدة التى سمحت الدولة القديمة للإخوان بالتصرف فيها بكامل حريتها.
أدوات التربية العاطفية للمواطن المذنب، تسلمها المرسى مع دخوله القصر ولم يكن متحمسا إلا وهو يعلن عن حملته لتنظيف الشوارع، كأنه رسول سلطة وليس مسؤولا عن مؤسسات تركت أهرامات الزبالة تحتل كل مدينة وقرية.
لم تنزل علينا من السماء يا سيادة الرئيس، ولا مهمتك هى دعوة الشعب لتنظيف المدن، بينما مؤسسات دولتك تغط فى فساد، واجِه بدلا من أن توقظ أدوات قهر المواطن بإشعاره أنه عبء على الدولة.
نعم الرئيس الآن سعيد بهذه الأدوات ويلعب بها ليشغل فراغه، خصوصا أنها تناسب هواه وتربيته فى تنظيم إعادة تربية الفرد على كتالوج الجماعة.
لهذا فكل فريق المرسى من هذا النوع، سيلعبون على أن المصائب ليست من صنع مؤسسات فاسدة وإدارتها فاشلة، ولكن لأننا نبتعد عن الأخلاق والدين، ولا بد، لكى ننجو، أن نعتذر عن حياتنا ونشعر بالخجل منها ونتوافق مع كتالوج المرسى وفريقه الذى لا أعرف لماذا يذكّرنى بليلة إطلاق الفرقاطة نورماندى تو!