عرض مشاركة واحدة
  #2811  
قديم 27-07-2012, 01:18 AM
الصورة الرمزية silverlite
silverlite silverlite غير متواجد حالياً
من انا؟: بحاول اعيشها صح !
التخصص العملى: اداره اعمال
هواياتي: القراءه -المتاجره- السينما الجيده وخاصه التاريخيه-الافلام التسجيليه - السيارات
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
الموقع: القــــــــــــاهره
المشاركات: 13,001
silverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond reputesilverlite has a reputation beyond repute
افتراضي رد: مخطط تصفيه الثوره ,,

قاوم كما قاوم الأب الروحى


وائل عبد الفتاح


هو أيقونة.. يقولون إنها من زمن آخر.
وهذا انزعاج آخر.
هل ينفصل كل ما هو مبهج وله بهاء خاص.. ليبقى للزمن هذا الأزيز الذى يجعل آذاننا لا تسمع، وعيوننا لا ترى، وعقولنا لا تفهم الفكرة إلا فى حالتها الاستعراضية؟
أتكلم عن فؤاد حداد الذى حكيت أمس عن مقاومتى الشخصية التى تعلمتها من فؤاد حداد عندما كتبت حلقة من برنامج تليفزيونى وثائقى عن شخصيته ضمن سلسلة لم تتم، وضعت لها اسم «الأب الروحى» (١٩٩٨).
المقاومة بمعناها الأكبر من كل تعريفاتها السياسية والحربية.. بمعناها الذى يعنى كيف لا تسير مع التيار.. مع القوى.. مع القطيع ضد ذاتك.
بعد سنوات من البرنامج.. كتبت عن احتفال بفؤاد حداد فى بيروت. كالعادة، فرقته نصفها إن لم يكن أكثرها هواة. عشّاق ومريدون وأصدقاء. لا ينقصها سوى فؤاد ببدلته الأنيقة رغم طول عمرها… وجسده المرهق. وكما فعل على مسرح الجمهورية قبل رحيله بأيام، ومع فرقة من عمال مطابع «روزاليوسف»، ستكون أغنيته أقرب إلى الهتاف «ازرع كل الأرض مقاومة». المقاومة كلمة أساسية فى قاموس فؤاد حداد الشعرى. كانت المقاومة وقتها كلمة غريبة، وسط تيار جارف يهرب من فكرة الحرب. ويخطو سريعًا إلى الأعداء فى رحلة تفكيك لكل ما ربطته الثورة الناصرية. الشاعر فؤاد حداد المقيم فى سجون تلك الثورة نفسها سبع سنوات، وفى رواية أخرى ثمانى سنوات مع رفاق الشيوعية التى تعلّمها لأول مرة فى مدارس البعثات الإرسالية («الفرير» ثم «الليسيه»)، يقف على المسرح ويغنى ضد تفكيك الثورة وضد اجتياح بيروت. ورغم ملامحه الوقورة والصارمة، يكاد يقفز ويرمى بكوفيته الحمراء فى الهواء. هو لم يفعل. لكننى عندما شاهدت تسجيل الحفلة بعد سنوات طويلة، تخيّلت أنه فعلها وخرج إلى الشارع يرقص، كأنه فى احتفال جماعى يدعو إلى التمرد على كل الأفكار التى أصبحت هى القاعدة بعد غيابه عام 1985. ذلك المنطق السائد يغنّى حداد ضده اليوم وفى بيروت: «إن كان ضلمة تمد النور. وإن كان سجن تهد السور».
كلمات تشبه شعارات الأحزاب الثورية وأيقوناتها. لكنها ليست كذلك. كما أن فؤاد حداد ليس كل ما عُرف عنه حتى الآن يبدو سهلا، يمكن اقتناص أفكار وصور وشعارات من أشعاره، لكنه خادع، هو مقيم فى مسارب أخرى مثل رموز الصوفية الذين كلما اقتربت منهم وتخيلت أنك امتلكتهم، يهربون بأرواحهم إلى مغارات العزلة والسفر البعيد جدا. يعيش بتفسيرات المريدين. كل منهم يصنع له مقامًا فى قلبه. يكشف للآخرين عن سرّ من أسراره. لكنه مستقر على أريكته القديمة لا ينتظر شيئًا. ويعتب على مستخدميه فى النشرات السياسية بأنهم لا يعرفون قدره.
لهذا حكيت عن فؤاد حداد.. فى محاولة لمقاومة أزيز ماكينة الاستهلاك الكبيرة.. وزومة الفخر بالانتماء للقطيع.
وإذا تتبعت سيرته ستجد أن عائلته: بروتستانتى تزوّج كاثوليكية وأنجبا مسلمًا. حكاية عن زمن مختلف، الطوائف فيه عارضة، والدين فيه أقرب إلى الحرية الشخصية من الفرض الاجتماعى والحروب الأهلية.
لكن ليس هذا مهمًا بالمقارنة مع ما حققه الرجل بنفسه. اختار فؤاد من قدره العناصر التى يريد، ليصنع بها حياته الخاصة. قال إنه أخذ العبقرية من والدته التى تتحدث الفرنسية مثل أهلها، وتحفظ الأمثال الشعبية فى خليط نادر انتقل إلى الابن الذى عشق اللغة العربية، والتقط فنون الشعر التلقائى من الزجل إلى العتابا والميجانا ومونولوجات الأراجوز. عرف تقنيات الكتابة. اختار حياته على طريقة الشعر: موزاييك من حكمة الشعوب وروحها الخفيفة والعميقة فى ذات الوقت. يكتب عن السكران بالكراوية ويتغزل بالصلاة والصوم. يبحر وراء الشعر الخالص المجرد. كأنه يغنّى للشعب. يكشف ثقافته الغائبة. قبطان وليس مسافرًا عاديًّا، مثل صلاح جاهين يمكنه أن يضعك فى مرتبة شريك مأساته الشخصية… ويصبح رفيق رحلة. إنه معلم ومرشد ودليل وشيخ. صلاح جاهين تعلّم منه الشعر. والأدق أنه اكتشفت القصيدة العامية على يديه. لكنه أصبح نجمًا عموميًّا وصديقًا يترك فيك علامات بأظافره. لكن فؤاد حداد بقى مجردًا يخربش فى جدران أكبر، يصنع الطرق ويعبّدها، يهندس المدن بينما صلاح جاهين يلعب فيها.
__________________

رد مع اقتباس