[silverlite]

بضاعة عمر سليمان



وائل عبد الفتاح



عمر سليمان يحذِّرنا.
يقول لجهاد الخازن: الانقلاب العسكرى محتمَل جدا.
يقول أيضا: الحرب الأهلية قادمة.
عمر سليمان يحذر قبل أيام من انتخابات أول رئيس، ويبدو أنه قرر الإعلان عن صندوقه الأسود من جديد… يتحدث دائما كأن لديه ما سيقلب البلد.. ويظهر دائما أيضا أن بضاعته قديمة لا سوق لها.
صحيح أن الهواجس تحيطنا من كل مكان وعبر تصريحات وخطط لا نراها لسرقة الدولة.. وصحيح أن الانتخابات نفسها تتم وفق هواجس لا انحيازات سياسية… لكن هذا شىء بعيد تماما عن عقلية عمر سليمان الذى فشل فى حماية نظام وما زال يتصور أنه قابل للاستخدام.
عمر سليمان لم يتغير، ولماذا يتغير ابن أجهزة عاشت على الرعب؟ هو ابن من أبناء جمهوريات الخوف، يصنعون الكذبة، وإذا لم تحدث يصدّقونها رغم أنهم صُنّاعها.
عمر سليمان لم يفتح صندوقه الأسود، لأن هذا الصندوق فارغ لا شىء فيه.
عمر سليمان ظل رجلا قويا فى المخيلة الشعبية التى شعرت بالعجز أمام شهوة السلطة فى عائلة مبارك، انتظرت الجماهير الرجل الغامض… وتصورت أنه المنقذ، حدث هذا عندما كان فى الكواليس.. لكنه عندما خرج إلى الواجهة… لم يستغرق سقوطه أكثر من خمسة أيام.
انكشف عدم الكفاءة السياسية لعمر سليمان، وتعرى وجهه الكئيب حين وقف يطالب الثوار: «عودوا إلى دياركم».
لم يلتقط عمر سليمان حساسية الوضع السياسى، وتعامل مع شعب يراه داخل صندوق زجاجى، لم يلتقط سليمان أن الشعب الذى صنع ثورة وهو يضحك، لا يمكن أن تكون عابسا بكل هذه القتامة وأنت تكلمه.
عمر سليمان هو تربية الأنظمة التى حبست شعوبها فى الصناديق، هو مخلص لهذه الأنظمة، إلى درجة أنه بعد سقوط بن على فى تونس التقى زوارا من دول غربية قال لهم رأيه فى مشاهد الهروب: «زين ليس رجلا»، هذه صورة الرئيس الهارب لدى عمر سليمان الذى عبر لمن تحدثوا معه عن أن هذا ليس إلا «خيبة نظام لم يستطع حماية عرشه».
عمر سليمان لخص ماحدث فى تونس وقبل أيام من ثورة مصر كالتالى:
1- أنها لحظة ضعف فى النظام التونسى.
2 – خطاب بن على أظهر الضعف والتراجع وشجّع المظاهرات.
3- بن على ضعيف، وقليل الخبرة.
4- مصر غير تونس.
5- الغاضبون مجموعة مدونين ونشطاء لا علاقة لهم بالشارع.
6- الشعب فى مصر لا يطلب أكثر من الخبز والمرتب، وعندما نلبى هذه المطالب يمكن السيطرة.
7- لا علاقة للشعب بالديمقراطية ولا الحريات.
هذه رؤية ملخصة لنظرية فى الحكم عن «رجولة» أنظمة سياسية، تعيش على ترويض شعوب، طال قهرها، وقمعها، باسم شعارات كبرى، وقيم خالدة، ومصالح عُليا ظلت تضيق إلى حدود «دفاع الرجال عن قصورهم».
قبائل وعشائر لا دول، هذا عمق نظرة اللاعبين الرئيسيين فى أنظمة ترى الحكم ترويضا والسلطة حديدا ونارا، والخروج عنها شغب لا بد من مواجهته، والقاء كسرات خبز للجوعى وتلويح بأوراق مالية، تعيد الوحوش الغاضبة إلى أقفاصها الأليفة.
عمر سليمان مخلص لهذه النظرة، واعتمد عليها حين قرر العودة إلى الحياة بترشيح نفسه.
وقتها كان يبحث عن مكان، يصنع صورة لنفسه مندوبا للعناية الديمقراطية، وفى بيان أصدره عقب استبعاده كان عاتبا على حملة رفض ترشيحه «الهستيرية» على حد وصفه.
صورة المخلص جديدة على مدير المخابرات، وحزنه على أنه حُرم من تلبية انتظارات الجماهير، جديد أيضا.
بيان عمر سليمان كشف عن ركاكة أطلال الديكتاتورية، بعد أن حُرمت من كل أصباغها وأصبحت عارية أمام جمهور عاش سنوات طويلة فى رعاية «نظام ميت».