[silverlite]

عود لأحمد الجيزاوى


نوارة نجم


أكتب إليكم وقد بدأت الإضراب عن الطعام تضامنا مع أسرانا فى سجون العسكر. لكننى لا أنسى أسرانا فى سجون إسرائيل، وسجون آل سعود. لكل أسرى عميد.. وعميد أسرانا فى سجون آل سعود هو أحمد الجيزاوى. يستحق الجيزاوى لقب عميد الأسرى المصريين فى سجون آل سعود عن جدارة، فهو الذى يعاقب بالسجن على تصديه للدفاع عن الكرامة المصرية التى يهدرها نظام حكم آل سعود باعتقال 1500 مواطن مصرى دون تهمة أو تحقيق أو محاكمة. وكما أوضحنا من قبل، فإن الجيزاوى جريمته أنه قاضى وزارة الخارجية المصرية والسلطات السعودية. اعتُقل الجيزاوى وذهب فى غيابات الجب لا نعلم عنه شيئًا، بينما حاولت كل من أخته وزوجته معرفة مكانه وما إذا كان من أهل الدنيا أم الآخرة وذابت نعال أحذيتهم فى السعى على السفارة المصرية بالسعودية والسفارة السعودية بمصر والخارجية المصرية بالقاهرة، ولا مجيب، حتى نظّم النشطاء عدة وقفات أمام السفارة السعودية، فاضطرت السلطات السعودية للإعلان عن مكان الجيزاوى، وقالت إنه متهم بتهريب عبوات الزناكس إلى داخل المملكة! أعيد وأكرر سرد هذه القصة لأن الإنسان بطبعه نسّاى.
فقد نجحت المخابرات السعودية والمصرية فى لفت الانتباه عن قضية الجيزاوى وتحويلها إلى نقاشات خزعبلية ما أنزل الله بها من سلطان:
نقول لهم: فين الراجل؟
يقولون: ما يصير والله تسبون الملك..
- طب فين الراجل؟
- الشعب المصرى والشعب السعودى إخوة.
- أيوه يعنى فين الراجل؟
- هذه مؤامرة إيرانية شيعية لإفساد العلاقات بين مصر والسعودية.
- بنقول لكم فييييين الرااااااااااجل؟
- هذا مُهرّب مخدرات معترف.
- اعترف إمتى؟
- إمبارح..
- إمبارح إمتى؟ فين مندوب السفارة ماحضرش معاه ليه؟
- لا ما هو احنا بلَّغنا السفارة.
- فين المحامى؟
- محامى؟… إحم… ها… المحامى ذهب لزيارته، وقال: ساءنى ما بدر منه واعتذر عن القضية!
- طب وبعدين؟
- وكَّلنا له محام آخر.
- مين؟
- الحنينى.
- مين؟
- أحمد الراشد.
- أحمد الراشد ولّا الحنينى؟ الحنينى ولّا أحمد الراشد؟ بصّوا.. هناك وفد من شخصيات عامة ذاهب للسعودية.. هاه؟ يقبل الأقدام ويتقاضى ثمن الجيزاوى.
هار اسود.. فين الراجل؟ الرجل عُرض على المحكمة الشرعية وصدّق على اعترافاته دون حضور محام معه! ثم كتب خطابًا بخط رجله يشكر فيه مقام الملك على عودة العلاقات المصرية، ثم اختفى الحنينى من الوجود، ولم نسمع له حسًّا، بينما اعتذر أحمد الراشد عن القضية قائلا.. اسمع بقى الترامادول اللى على أصله:
«انسحبت من القضية بعد أن تأكدت أن القضية جوهرية، ويقف خلفها أشخاص معينون، كما اتضحت لى أمور كثيرة (لم يسمها) كنت أجهلها، إضافة إلى أن موكلى صادق على اعترافاته شرعًا أمام المحكمة الشرعية فلم تعد هناك جدوى فى المواصلة».
لا أفهم هذا التصريح المرتبك من المحامى المنسحب سوى أنه صرخة استغاثة تعلن بين السطور أنه كتب هذا الإقرار والمسدس على رأسه. الآن، قرر الجيزاوى أن لا يوكل محاميًا وأن يترافع عن نفسه. أى نعم، لم يجد الجيزاوى فى بلد به ما يزيد على 23 مليون مواطن محاميا واحدا يخاف الله أكثر مما يخاف الملك. إخص الله يكسفكوا… أخوة إيه؟ وإيران إيه؟ وشيعة إيه؟ ومحبة شعوب إيه؟ والله الذى لا إله إلا هو لو بعث أبو لهب لغرق فى عرقه خجلا منكم. غريب، وحيد، موحود، أسير، جاءكم قاصدًا بيت الله الحرام فلا يجد من يجيره كما كان يفعل عبدة الأوثان قبل الإسلام؟ هل هذه هى الأخوة؟ هل هذه عروبة؟ إسلام؟ هكذا أخلاق السنة؟ إيه دخل الشيعة فى الموضوع؟ آه.. هذا لأن الجيزاوى لم يجد من بين الـ23 مليون مواطن مَن يتضامن معه سوى مواطنى القطيف الذين تظاهروا من أجله، طب دول ناس ضاربها السلك وبيتقتلوا يوم آه ويوم لأ، وكثر الله خيرهم على إنسانيتهم، وأزال ملك من صد عن المسجد الحرام.
طيب، بما أننا ليس لدينا وزارة خارجية، وإنما مجموعة من المتسولين الذين يعيشون على فتات عطايا طال عمره، وبما أننا لا نجد وسط إخواتى فى العروبة والدين والإنسانية فردًا واحدًا يتخلق بأخلاق الجاهلية الحميدة، فلا بد وأن نلجأ إلى التحكيم الدولى. سنجد عند «الغرب الكافر الليبرالى العلمانى الذى يزوج الشواذ» العدل الذى لم نجده عند «الإخوة».