عرض مشاركة واحدة
  #46  
قديم 16-03-2012, 01:15 AM
الصورة الرمزية AbOnOrA
AbOnOrA AbOnOrA غير متواجد حالياً
Aِِbo(Nora&Islam&Judy)
Wael Magdy Salah
من انا؟: ابو نورا واسلام
التخصص العملى: IT Consultant
هواياتي: Computers, Automotives
 
تاريخ التسجيل: May 2008
الموقع: ام الدنيا مصر
المشاركات: 17,066
AbOnOrA has a reputation beyond reputeAbOnOrA has a reputation beyond reputeAbOnOrA has a reputation beyond reputeAbOnOrA has a reputation beyond reputeAbOnOrA has a reputation beyond reputeAbOnOrA has a reputation beyond reputeAbOnOrA has a reputation beyond reputeAbOnOrA has a reputation beyond reputeAbOnOrA has a reputation beyond reputeAbOnOrA has a reputation beyond reputeAbOnOrA has a reputation beyond repute
افتراضي رد: عسكر متأمرون


دروس انتفاضة يناير 1977

بحسب الاشتراكيين الثوريين

اندلعت الشرارة الأولى لانتفاضة يناير بخطاب نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية، الدكتور عبد المنعم القيسوني، أمام مجلس الشعب في 17/1 بمناسبة تقديم مشروع الميزانية عن 1977 حيث أعلن إجراءات تقشفية لتخفيض العجز، ومنها تخفيض الدعم للحاجات الأساسية بصورة ترفع سعر الخبز بنسبة 50 % والسكر 25 % والشاي 35 % وكذلك بعض السلع الأخرى ومنها الأرز وزيت الطهي والبنزين والسجائر وربط هذا بضرورة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتدبير الموارد المالية الإضافية اللازمة. وقد بدأ التنفيذ الفعلي في يومها أي قبل الإعلان أمام مجلس الشعب، فرفع التجار وبعض المحلات أسعار المواد الغذائية، وكذلك فعلت المطاعم الصغيرة على الفور، فأحست الجماهير بالكارثة مباشرة فضلاً عن إذاعة الخبر في الراديو والتليفزيون. وقد أثار الغضب إدراك الجماهير بالتواء سياسة الدولة وكذبها وخداعها للجماهير في تصريحاتها فقامت تجمعات جماهيرية وعمالية في بعض أحياء الإسكندرية والقاهرة ومنطقة حلوان الصناعية خاصة منذ مساء يوم 17/1 وتوقفت المواصلات بين حلوان والقاهرة بعض الوقت.

لكن المظاهرات اندلعت بصورة هائلة منذ صباح يوم 18/1 عندما فوجئ الناس بشكل ملموس بالسعر المضاعف للرغيف. وكان عمال حلوان هم الذين بدءوا التحرك. فقبل الساعة التاسعة صباحًا، خرج عمال شركة مصر / حلوان للغزل والنسيج في مظاهرة طافت الضاحية الصناعية، وانضم إليهم عمال مصانع أخرى ومنها المصانع الحربية وكانت الهتافات موجهة ضد زيادة الأسعار وبسقوط الحكومة وتحمل عداءًا صريحًا للسادات وعائلته. وقامت قوات الشرطة بمحاولة عزل منطقة حلوان عن القاهرة لمنع العمال من النزول إلى العاصمة، في نفس الوقت الذي وضع فيه العمال الحواجز على قضبان قوات النظام. وألقيت الحجارة على السيارات التي رفضت تهدئة السير. ووصلت مظاهرة العمال إلى القاهرة فتشكلت بهم وبغيرهم مظاهرات أخرى في الأحياء الشعبية كما انضم بعضهم إلى مظاهرة لطلبة جامعة عين شمس.

وفي شبرا الخيمة المنطقة الصناعية العريقة بتاريخها النضالي، اضرب العمال واعتصموا في بعض المصانع فتوقف الإنتاج.

واجتمع طلبة هندسة عين شمس في مؤتمر يندد برفع الأسعار، ثم خرجوا في مظاهرة انضم إليها طلبة من الكليات الأخرى واتجهوا نحو مجلس الشعب لتقديم احتجاج على قرارات القيسوني وأثناء مرورهم بشارع الجيش انضم إلى المظاهرة نساء الأحياء الشعبية وفي ميدان التحرير انضم إليهم موظفون وطلبة جامعة القاهرة. وتلاقت المظاهرة الواحدة بالأخرى وذهبت هذه الكتل في معظمها إلى مجلس الشعب مرددة هتافات عدائية للحكومة والنظام ودخل وفد من الطلبة إلى رئاسة المجلس لتقديم المطالب وعند غياب الوفد تصدرت النساء محاولة للهجوم على حرس المجلس على ظن أن أفراد الوفد قد اعتقلوا فقام البوليس بتفريق المظاهرة، وتشتتت في مجموعة من المظاهرات في الأحياء المجاورة.

قال بعض الصحفيون أن المظاهرات كانت سليمة تمامًا حتى الساعة حيث اصطدمت بها قوات البوليس بعد أن كانت شبه غائبة من قبل، وقوات الأمن المركزي أيضًا. إلا أنه في الواقع قد وقعت مصادمات قبل ذلك فقد هاجم المتظاهرون بعض الأقسام مثل قسم شرطة الأزبكية بميدان العتبة والذي حاولوا إشعال النار فيه وكذلك قسم السيدة زينب وقسم الدرب الأحمر. وجرت محاولات لاقتحام مبنى مديرية أمن القاهرة بباب الخلق وقذفت قسم الساحل بالأحجار وتم تدمير عدد من الأتوبيسات وواجهات المحلات ومصابيح صورة كبيرة للسادات في أحد الميادين المركزية ورشقوا قوات الأمن المركزي بالأحجار فألقت عليهم القنابل المسيلة للدموع التي كانوا يجمعوها ويعيدوا إلقائها على الجنود. وكذلك ألقيت الأحجار على مباني الجامعة الأمريكية الواقعة في ميدان التحرير والتي كانت تمثل في أعين الكثيرين مركز الأغنياء ومع ذلك فصحيح أن المظاهرات اشتدت عنفًا واتساعًا في المساء حيث تدفقت عليها عشرات الآلاف من سكان القاهرة الأشد فقرًا وعمت أعمال قذف السيارات الفاخرة بالأحجار وفي الجيزة وإمبابة قذف مكتب البريد حيث يقف كبار السن لساعات طويلة لتحصيل معاشاتهم كما وضعت المواسير بعرض الطرق لعرقلة المرور وقذف المتظاهرون وفندق شيراتون الفاخر بالأحجار وحطموا إعلانات النيون البراقة عن السلع الكمالية التي لم يكن في استطاعة محدودي الدخل شرائها.

وفي الإسكندرية بدأت المظاهرات بعمال الترسانة البحرية في صبيحة 18 يناير وكانت هذه المظاهرات أكثر حدة من غيرها نتيجة لشدة توتر الجو العمالي في ترسانة الإسكندرية بسبب موجات الفصل التي بلغت يوميًا 26 عاملاً مفصولاً في هذه المنشأة الصناعية الكبيرة. وانضم إليهم عمال الشركات المجاورة واتجهت المظاهرات إلى قصر الاتحاد الاشتراكي تهتف ضد الحكومة وتقذف قوات الشرطة والأمن بالحجارة. وانضم إليهم طلبة الجامعة. وحطمت السيارات وعربات الترام والأتوبيسات وألقيت الأحجار على استراحتى رئيس الجمهورية ونائبه حسني مبارك، واقتحمت نقط الشرطة وأحرقت سينما أوديون ومباني لشركات كبرى ومجمعات استهلاكية حيث تتفشى المحسوبيات والرشاوى ولا يأخذ الفقير غير الرديء من السلع. كما حطمت المظاهرات واجهات محلات عديدة وأصيب 132 شخصًا بالأعيرة النازية.

واندلعت مثل هذه المظاهرات في مدن الأقاليم في المنصورة والمنيا وقنا والسويس وفاقوس وأسوان، حيث جرت الهجمات على مراكز الشرطة والأتوبيسات ومباني المصالح الحكومية ومحلات بيع السلع الكمالية، وفي أسوان، أحرقت أقواس النصر المخصصة لزيارة تيتو الملغاة في الوقت الذي كان فيه السادات بالمدينة.

وفي اليوم التالي اندلعت المظاهرات بشكل واسع وأعنف من الصباح حتى صارت العاصمة عند الظهر ميدان قتال تجوبه مظاهرات بعشرات الألوف. ففي حوالي الساعة الثامنة صباحًا، أضرب عمال الوردية الأولى لشركة الحرير الصناعي وعمال مصنع 45 الحربي في حلوان عن العمل وخرجوا في مظاهرة. وتوقفت المواصلات بين حلوان والقاهرة بسبب الأحجار التي وضعت على خطوط القطار. وتجمع عمال حلوان أمام محطة القطار المؤدي إلى المصانع ففرقتهم قوات الشرطة فتحولوا إلى مظاهرات تجوب وسط المدينة. وخرجت مظاهرة عمالية في الصباح أيضًا من مصانع “سوجات” بحدائق القبة. ثم قامت المظاهرات في جميع أنحاء المدينة، تهاجم الحكومية وخاصة أقسام الشرطة ومديريات الأمن وغيرها. وهاجموا دار أخبار اليوم وحرقوا كميات من ورق الطباعة، وحاولوا اقتحام بنك مصر فلم ينجحوا فحكموا وأتلفوا 30 طن أسمنت مخصصة لعمليات كوبري رمسيس. وجرت مصادمات بين المتظاهرين ورجال الشرطة الذين أطلقوا النار على المتظاهرين لمنعهم من الاستيلاء على أسلحة الأقسام وكذلك اتجه هجومهم إلى الملاهي الليلية والفنادق الكبرى. وبعد الظهر تجمعت أعداد كبيرة من العمال وطلبة الجامعة في ميدان التحرير وتوجهوا إلى مجلس الشعب حيث رفضوا أوامر البوليس بالتفرق وجرت مظاهرات مماثلة في العتبة والسيدة زينب والدرب الأحمر وأحياء أخرى عديدة، وأطلقت قوات الأمن المركزي الرصاص على مظاهرة في حي الأزهر فقتلت صبيًا. وفي إمبابة تظاهر عمال مصنع الشوربجي شركة الشرق وقذفوا مركز إمبابة فأطلق البوليس عليهم النار فوضعوا العوائق على السكة الحديدية في المنطقة وأشعلوا النار في أحد القطارات.

وشهدت الجيزة أيضًا معارك مماثلة بين الجماهير والأمن المركزي وهاجموا أقسام الشرطة والمصالح الحكومية وأشعلوا النيران في بعض سيارات الشرطة. وفي هذه الصدامات استخدمت الشرطة كميات كبيرة من القنابل المسيلة للدموع والأعيرة النارية ودرت أحداث مماثلة في الأقاليم وفي السويس اقتحم المتظاهرون مخزن السلاح في قسم الشرطة وأخذوا يطلقون النار أما في المنصورة فأخرجوا أثاث منزل المحافظ وأحرقوه. وشهدت قنا والمنيا وأسوان وأغلب المدن المصرية الأخرى أحداثًا مشابهة.

وروى أحد شهود العيان حادثة شخصية تعبر عن روح الجماهير التي خرجت تواجه السلطة وتحطم رموزها فعندما كان مارًا على كوبري قصر النيل ورأى شباب يحرقون السيارات قال لأحدهم: إنك تحرق بلدك؟ فرد عليه الشاب: إنها ليست بلدي، إنها بلد الآخرين.

وفي الساعة الثانية والنصف يوم 19/1 أذاعت الحكومة قرارها بإلغاء رفع الأسعار فهدأت بعض المناطق في حين أن بعض الأحياء استمرت تقاتل حتى ساعة متأخرة من الليل وفجر يوم 20 في صدامات مع قوات المشاة الميكانيكية والصاعقة والشرطة العسكرية التي نزلت بعد إعلان حظر التجول الساعة الرابعة بعد ظهر 19/1 في القاهرة والجيزة والإسكندرية والسويس ووقفت الدبابات أمام منزل السادات. وقد أشعل المتظاهرون النار في مقر الاتحاد الاشتراكي بميدان التحرير في الليل وبقيت حرائق صغيرة مشتعلة بالقرب من مجلس الشعب.

وكانت هناك إشارات متفرقة عن تردد في صفوف جنود الشرطة في قمع المظاهرات حيث أن زيادة الأسعار تصيبهم أيضًا. كما أن هناك إشارات عن امتعاض قوات الجيش الموجود حول القاهرة لقمع الجماهير مما اضطر الحكومة إلى سحب تشكيلات الجيش المرابط في الجبهة مع إسرائيل.

على الرغم من مرور 24 عامًا على انتفاضة 19،18 يناير إلا أنها ما زالت مثالاً حيًا على الطاقات الثورية الهائلة لدى الجماهير ومثالاً فذا أيضًا على الدور التفجيري الذي تلعبه الطبقة العاملة في الحركة الجماهيرية التي انطلقت شرارتها الأولى من شركة حلوان للنسيج والترسانة البحرية بالإسكندرية لتمتد إلى باقي أنحاء مصر احتجاجًا على رفع الأسعار.

وعلى الرغم من الخبرات الهامة والدروس الغالية التي قدمتها انتفاضة يناير 1977 إلا إنه لم تتم الاستفادة من هذه الخبرات والدروس بما يتناسب مع حجم الانتفاضة وطبيعتها، فأتساع نطلق الانتفاضة ليشمل أنحاء الجمهورية وعجز قوات الشرطة عن قمع الانتفاضة واضطرار النظام إلى استخدام الجيش لقمعها والتردد الشديد داخل صفوف الجيش إزاء أوامر القمع ضد الجماهير الثائرة وإجبار نظام السادات على التراجع عن قرارات رفع الأسعار إلى جانب عجز أحزاب اليسار الرسمية والراديكالية عن لعب دور فاعل ومؤثر في الانتفاضة ودفع قاطرة الثورة إلى الأمام جميعها أمور تحتاج إلى مناقشة جدية ومستفيضة واستخلاص خبرات تعين الثوريين على القيام بمهامهم بطريقة أفضل وفي اتجاه صحيح، لن نستطيع تناول جميع الجوانب المعلقة بالحدث وسنكتفي بتناول نقطتين نراهما على جانب خاص من الأهمية. النقطة الأولى هي طبيعة الأزمة التي فجرت الانتفاضة، والنقطة الثانية هي القصور في دور اليسار وطبيعة الدور المفترض أداءه من قوة ثورية في حدث كهذا. وإذا بدأنا بتناول الأزمة التي فجرت الانتفاضة فسنجد أن الفشل المبكر لمشروع رأسمالية الدولة الذي بدأه عبد الناصر على المستوى الاقتصادي والضربة القاضية سياسيًا لهذا النظام في يونيو 1967 كانت إيذانا بحتمية التحول من نظام رأسمالية الدولة إلى نظام السوق المفتوح أو الرأسمالية التقليدية بما يعني ضرورة تقديم الدعم الكافي للرأسمالية وتحسين شروط عملها في السوق المصري، ولن يتأتى هذا بالطبع سوى بالعصف بمكاسب الطبقة العاملة والفقراء بإلغاء الدعم على السلع الأساسية وخفض الضمان الاجتماعي ورفع الحماية عن العمال وتجريد الحركة العمالية من كل أدواتها الكفاحية إلى أخرى الإجراءات.

وربما ساعد خروج نظام السادات منتصرًا عسكريًا في حرب أكتوبر بغرض تشجيعه على التقدم في هذا الاتجاه بعد الدعاية المهولة التي صنعها حول الحرب. وإذا كانت سنوات ما بين حربي 1967 و1973 قد ساهمت في تأجيل تلك الإجراءات نسبيًا حلضمان استقرار أيضًا في تعميق الأزمة وتطويرها نتيجة لاستنزاف عملية الاستعداد للحرب جزء كبيرًا من موارد الدولة، لذا فقد أصبح التحول من نظام رأسمالية الدولة إلى السوق المفتوح أكثر إلحاحًا.

بلامبالاة شديدة أقدم النظام على القيام بهذه التحولات بنظام الصدمات الكهربائية على الرغم من قيام مجموعة الاحتجاجات في مواقع عمالية مختلفة في عامي 75 و76 كان من المفترض أن تكون صفارات إنذار تردع النظام عن المضي قدمًا في هذا الاتجاه، ولكن استعصاء الأزمة وحتمية التحول إلى جانب الغرور الذي انتابه بعد حرب أكتوبر دفعته دفعًا للمضي قدمًا، وقبلها وتحت وطأة الاحتجاجات العمالية المتلاحقة وخوفًا من عواقب القرارات الذي هو مقدم عليها أطلق النظام عبر أجهزة إعلامه سيلاً من التصريحات حول قدوم الرخاء والرفاهية ورفع المعاناة عن الشعب وغيرها. مما جعل وقع قرارات رفع الأسعار أكثر صدمة واستفزاز للجماهير، فتفجرت الانتفاضة.

ولكن ألا تشبه هذه الأوضاع ما نعيشه اليوم، فتحت وطأة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الرأسمالية العالمية ومصر يندفع النظام في سياسة الخصخصة والتكيف الهيكلي ملقيا بعبء الأزمة على العمال والفلاحين والطبقات الفقيرة ويدفع بمئات الآلاف إلى سوق البطالة والتشرد ويسن القوانين ويصدر القرارات التي تشجع الرأسمالية على الاستثمار في مصر وبينما تعاني الطبقة العاملة وفقراء الفلاحين والكادحين من الفقر وارتفاع أسعار السلع والخدمات تصر الحكومة على تصريحاتها حول إشادة البنك الدولي وصندوق النقد بنجاح خطة الإصلاح الاقتصادي في مصر وعن مراعاة الجانب الاجتماعي خلال عملية إعادة الهيكلة وعن تراجع معدلات التضخم وعجز الموازنة وزيادة معدلات النمو وعن أولوية مصالح الفقراء ومحدودي الدخل، كل ذلك بينما يتجاوز سعر الدولار حاجز الأربعة جنيهات منذرًا بقفزة في أسعار السلع ويحجم المستثمرون عن المجازفة برؤوس أموالهم في سوق غير مستقر وتضغط أزمة السيولة بشدة مسببة أزمة ركود خانقة ومازال النظام يصر على نجاح خططه، نفس اللامبالاة التي تصرف بها النظام في يناير 1977.

في الوقت الذي تتصاعد فيه وتيرة الاحتجاجات العمالية والجماهيرية مثلمًا تصاعدت عشية انتفاضة يناير 1977 بل وتتسع لتشمل قطاعات جديدة في الطبقة العاملة مثل عمال الخدمات والموظفين والمعلمين وغيرهم، ويضاف إلى كل ذلك الحركات الجماهيرية الماثلة أمام الجماهير في أنحاء العالم.

تلك الحركات التي أطاحت بسوهارتو في إندونيسيا وميلوسوفيتش في الصرب وفوجيموري في بيرو لترسم الطريق أمام الجماهير في مصر نحو الذهاب إلى أبعد من ذلك.

إن ذلك هو ما يجعلنا نناقش النقطة التالية وهي القصور في اليسار وطبيعة الدور المفترض أداءه من قبل قوة ثورية إزاء حدث بحجم انتفاضة يناير 1977، ينبغي أن نقر في البداية أن فترة الانقطاع التي شهدتها الحركة الشيوعية في مصر منذ قرار الحل سيئ السمعة في عام 1965 وحتى بداية السبعينات وتصاعد الحركة الجماهيرية المطالبة بحرب تحرير لسيناء هذه الفترة أثرت سلبًا بلك تأكيد على الحركة الجماهيرية، إذ إنها ألغت بضربة واحدة كل الرصيد الدعائي والتحريضي المنظم للحركة الشيوعية وأهدرت أيضًا كل الخبرات الكفاحية للحركة والذي كان منوطا أيضًا بالأحزاب الشيوعية حفظه ودعم الحركة الجماهيرية.

يضاف إلى ذلك أيضًا فترة الاستيعاب الناصري التي نجحت إلى حد بعيد في محاصرة امتصاص الحركة الجماهيرية، هذا ما جعل الحركة الشيوعية بأحزابها على درجة عالية من الضعف والانعزال خلال انتفاضة يناير 1977 وهو احد العوامل التي جعلت تأثيرها في الانتفاضة غير محسوس حتى وإن كان أفرادها شاركوا بدور هام في بداية الانتفاضة وأثناءها. وربما لعبت ظروف الميلاد الثاني للحركة الشيوعية لعد الحل وفي بداية السبعينات دورًا هامًا في طبيعة الحركة الشيوعية في ذلك الوقت، فلقد ولدت الحركة في ذروة القضية الوطنية، أرض محتلة بعد هزيمة عسكرية صادمة ونظام متردد تجاه حرب التحرير، ويتبنى مقولات غامضة مثل عام الحسم ثم الضباب مما أدى إلى أن تلعب القضية الوطنية دورًا محوريًا في فكر وممارسة الحركة الشيوعية الثورية في بلد محتل عليها أ، تضيف إلى جدول أعمالها قضية التحرر الوطني بل وتعتبرها أحد عناصر الثورة العمالية ضد الإمبريالية، ولكن تكمن المشكلة في تراجع باقي عناصر الثورة العمالية وبالذات تراجع قضية الصراع الاجتماعي الطبقي أمام القضية الوطنية، وبالتالي تصبح الحركة الشيوعية مجرد حركة وطنية على الرغم من وجود تواجد ملحوظ للحركة في المواقع العمالية والنقابات إلا أنها أتبعت باستمرار خطين منفصلين عن بعضهما وعن خط الثورة الاشتراكية، الخط الأول هو خط القضية الوطنية دو ربطها بالصراع الاجتماعي أي دون ربط مواجهة الامبريالية والصهيونية بمواجهة الرأسمالية والنظام، دون ربط التحرر الوطني بسلطة العمال. والثاني: خط النضال الاقتصادي في المواقع العمالية وحمايتها دو ربط ذلك بالتغيير الجذري ومختلف القضايا السياسية، التحرير والديمقراطية والعلاقة مع أمريكا وغيرها. كانت حالة من الازدواجية حرمت الحركة الشيوعية في مصر من تطوير إستراتيجية ثورية شاملة وهيكل تنظيمي متماسك وحامل لهذه الإستراتيجية ومستعد للتفاعل مع انتفاضة يناير 1977 على نحو أفضل، بالطبع لا يمكن إغفال التأثير السلبي للاتحاد السوفيتي على الحركة الشيوعية المصرية والذي تراوح ما بين التبعية العمياء للاتحاد السوفيتي والنقد الجزئي له إلا إنه شكل في كل الأحوال مرجعية هامة نظريًا وعمليًا لدى أغلب أحزاب الحركة الشيوعية في مصر والعالم مما أوقعها في هوة سحيقة من التحريف والتخبط انعكس في أدائها في اغلب المواقف ابتداء من قيام إسرائيل وحتى انتفاضة يناير 1977 وما بعدها. كما إنها لم تعد حزبًا ثوريًا متماسكًا يمتلك الجرأة الكافية لطرح مسألة السلطة العمالية على مقدمة مهام الانتفاضة. وبعد الطابع المباغت للانتفاضة هو التبرير الأكثر شهرة لعجز قوى اليسار في ذلك الوقت عن القيام بمبادرات فاعلة وسريعة تجاه الانتفاضة ولكن التبرير كهذا يتجاهل أن العفوية والمباغتة والانفجارية تكاد تكون أساسية في الانتفاضات الجماهيرية.

كانت انتفاضة فبراير 1917 في روسيا عفوية تمامًا بل وأكثر من ذلك سبقتها فترة من الخمود في الحركة جعلت البلاشفة يفقدون أي أمل في انتفاضة قريبة وعلى الرغم من ذلك استطاع حزب البلاشفة أن يحول انتفاضة فبراير إلى مقدمة لثورة أكتوبر. الطابع العفوي والانفجاري لحركة جماهيرية لا يلغي إطلاقًا دور القوة الثورية ربما تقوتها المبادرة الأولى وجائز جدًا أن ترتبك وتفاجأ في البداية ولكن عليها أن تسرع بأقصى سرعة إلى التفاعل المباشر مع حركة الجماهير وتسلحها بخبرات النضال الجماهيري وتناضل بإصرار من أجل تطوير شعارات ومطالب الحركة وتعميمها وتربط بين الأزمة الآتية والمطالب المباشرة وطبيعة السلطة والطبقة الحاكمة دافعة الحركة إلى حدها الأقصى. وأهم من ذلك، في حالة تراجع الحركة سواء بسبب القمع أو الاستيعاب بمكاسب جزئية، فعلى القوى الثورية أن تقوم بعملية الانسحاب المنظم لا يعنى ذلك بالطبع انسحاب الثوريين من الحركة الجماهيرية بل الانسحاب مع الحركة بشكل منظم يهدف أساسًا إلى منع روح الإحباط والانهزامية من التسلل إلى الجماهير وحماية خبرات الحركة ومكاسبها والتحول إلى تكتيكات تتناسب مع تغير الشرط الجماهيري.

لعب البلاشفة في 1905 هذا الدور فاستطاعوا الحفاظ على خبرات ثورة 1905 وأهما خبرة السوفيت والاستفادة منها في ثورة 1917 كذلك استطاعوا الحفاظ على وجود الحزب وسط جماهير الطبقة العاملة وتطويره بالإضافة إلى كشفهم لانتهازية المناشفة وتخاذلهم أمام حركة الجماهير والقطع معهم إلى الأبد. إن هذا ما يؤكد بشدة أن الحزب الثوري أداة للانسحاب المنظم مثلما هو أداة للهجوم المنظم وعلى الحزب أن يدرك بحساسية شديدة متى يتحول من الهجوم إلى الانسحاب المنظم وبالعكس. فقد كان عدم إدراك عصبة سيارتكوس في ألمانيا لضرورة هذا التحول وتوقيته سببا في سحق الحركة ومقدمة لصعود النازية. ولكن أي قوة ثورية يمكنها القيام بهذا الدور، إن حركة جماهيرية بحجم انتفاضة يناير 1977 كانت تحتاج بالفعل إلى حزب ثوري جماهيري له وجوده الحقيقي والمؤثر في المواقع العمالية وأوساط الجماهير المختلفة وله أدواته المتطور الدعائية والتحريضية المتداولة بين الجماهير وله كوادره الثورية المتماسكة القادرة على المبادرة وسط الجماهير والتفاعل مع حركتها في المواقع المختلفة هذا ما نطلق عليه الشرط الذاتي للثورة، فنضج الشروط الموضوعية من أزمة اقتصادية لعجز الرِأسمالية والنظام وتطور الحركة الجماهيرية العفوية تعني أن المناخ جاهز للثورة ولكن توفر الحزب الثوري بالقدرات السابقة يعد شرطًا ضروريًا لانتصار الثورة وعدم توفره يهدد الشروط الموضوعية المتوفرة. هذا ما حدث مرات عديدة في أنحاء العالم توفرت الشروط الموضوعية لانتصار الثورة في إيران 1979 وفي فرنسا 1968 وفي إندونيسيا وفي مصر 77 وغيرها، ولكن غياب حزب ثوري أهدر تلك الشروط وتراوحت التغيرات الناتجة من إصلاح ديمقراطي إلى تغير شكلي إلى صعود أنظمة ديكتاتورية رجعية. ولكن في ظل غياب حزب جماهيري ثوري وانطلاق حركة جماهيرية كانتفاضة يناير 1977 ماذا سيكون واجب الثوريين تجاه الحركة هل سيعتبرونها مجرد فرصة ضائعة وأن المرة القادمة سيكون حظها أوفر؟ الإجابة بلا شك لا.. ففي غياب حزب العمال الجماهيري الثوري تكون المهمة الأولى للثوريين هي الشروع في بناء هذا الحزب، وهذا لا يتم على الإطلاق بمعزل عن التفاعل الحي مع حركة الجماهير بل على العكس، وكما قال تروتسكي فإن الحزب الثوري يبني تحت النار في قلب الحركة الجماهيرية في جميع مراحلها انتفاضة الجماهير تمثل المناخ الأفضل لقطع أشواطًا هامة في عملية بناء الحزب الثوري ومناخًا ممتازًا لتدريب الثوريين واختبارهم وإثراء تجربتهم في العمل الجماهيري، وهكذا يتضح دور الثوريين أكثر أمام انتفاضة جماهيرية تفتقد لحزب قادر على التفاعل لأقصى درجة ممكنة مع الجماهير المنتفضة ومقاومة صعود القوى الرجعية إلى مقدمة الجماهير وفضحها والتشهير بها، فضلاً عن خلق مواقع وجذور للثوريين كلما أمكن ذلك، وربط طلائع الحركة ومناضليها بمشروع بناء الحزب الثوري، التعلم من الحركة وفهم دروسها وإعادة طرحها على الجماهير.

وحتى بعد تراجع الحركات الجماهيرية سواء بالقمع أو الاستيعاب تظل بذور الأزمة موجودة ففي عالم رأسمالي مأزوم لا تستطيع رأسمالية متخلفة ومشوهة أن تقدم الكثير للجماهير الغاضبة. وليس بعيدًا درس الثورة الروسية فلم تستطع الحكومة المؤقتة في روسيا من فبراير 1917 إلى أكتوبر أن تحقق ولو جزئيًا أي من مطالب الجماهير الثائرة حتى أطاحت بها انتفاضة أكتوبر وقامت سلطة العمال وحدها بتلبية جميع مطالب الجماهير.

وأخيرًا ستظل انتفاضة يناير 1977 مثل كافة النضالات الجماهيرية العظيمة مدرسة للثوريين وإلهامًا لهم ودليل حاسمًا على القدرات الثورية الهائلة لدى الجماهير الكادحة وأيضًا على أهمية بناء حزب عمالي ثوري جماهيري يعرف حجم هذه القدرات ويقودها باتجاه الثورة.





__________________



اخر موضوعاتى
قريباً تقرير وتجربة اداء دايهاتسو تريوس * تويوتا راش

رد مع اقتباس