
06-03-2012, 11:59 AM
|
 |
من انا؟: بحاول اعيشها صح !
التخصص العملى: اداره اعمال
هواياتي: القراءه -المتاجره- السينما الجيده وخاصه التاريخيه-الافلام التسجيليه - السيارات
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2010
الموقع: القــــــــــــاهره
المشاركات: 13,001
|
|
رد: مخطط تصفيه الثوره ,,
مصر الجديدة
د.عز الدين شكرى فشير
عادةً، فى خضم التحولات التاريخية الكبرى، ينشغل الناس والدارسون بالتطورات المتلاحقة المبهرة، كالإطاحة بالحكام والصراع حول تغيير الأنظمة وإقامة أنظمة جديدة، فلا يلاحظون تغييرات أعمق تكون هى فى نهاية المطاف الأكثر أهمية للأمة ومسارها. وأسأل نفسى وإياكم إن لم نكن أسرى لتلك العادة، وإن لم تكن الثورة المصرية الجارية قد حلت فى هدوء مشكلاتنا الكبرى والقديمة مع الحداثة، بينما نحن منشغلون بمتابعة المجالس والدساتير وما يحدث لرموز النظام القديم والجديد.
مشكلاتنا مع الحداثة قديمة، وإن كان لنا أن نحدد لها تاريخا لاخترت يوم 26 يناير عام 1699، حين وقعت الدولة العثمانية اتفاقية كارلوفتس التى أقرت بمقتضاها بهزيمتها أمام النمسا وروسيا وبولونيا وتنازلها عن الكثير من أملاكها فى البلقان ووسط وشرق أوروبا. هذه هى أقرب لقطة ثابتة لواقع متغير ومتدفق، دخل فيه العالم الإسلامى مرحلة جمود طويلة فى حين انطلقت فيه أوروبا نحو ابتكار متجدد، فى العسكرية والسياسة والاقتصاد وتنظيم المجتمع والأفكار. هذه الانطلاقة المتعددة الأبعاد غيرت أربعة أوجه رئيسية فى حياة المجتمع: أتت بنموذج جديد للسياسة يتمثل فى الدولة الحديثة القائمة على المواطنة، ونموذج جديد للمعيشة الاقتصادية يقوم على اقتصاد السوق، وتنظيم جديد للمجتمع يقوم على الفردية والمساواة، وفكر جديد يقوم على حرية الإنسان وسيادة دور العقل فى التعامل مع العالم المادى.
هذه التغييرات، بكل نواقصها والمقاومة التى تعرضت إليها، أفرزت تفوقا ماديا أوروبيا عبر القرون الثلاثة الماضية. استوردنا نحن الكثير من منتجاته، وبعضا من أفكاره ونماذجه، لكن ظلت لدينا مشكلات عميقة مع هذه النماذج والأفكار الحديثة، وظل توطُّنها غير مستقر، وتابع، وغير متوائم مع بقية عناصر ثقافاتنا التى قاومتها دون أن تنتصر عليها أو تنهزم أمامها. ظللنا هكذا عالقين، فينا جزء من هذا وذاك، يتعايشان أحيانا ويتصارعان أحيانا، وصارت هذه التناقضات والصراعات جزءا من طرق حياتنا أو ما نسميه ثقافتنا، تعيقنا عن التقدم بخطى ثابتة فى أى اتجاه. هذا، فى تبسيط مخل، جوهر أزمة الثقافة المصرية والعربية عموما فى القرون الثلاثة الماضية. فلماذا أتساءل اليوم إن كانت قد حلت؟
لأن ما حدث فى مصر فى 25 يناير 2011 يشى بتغيير ثقافى عميق يمس الجوانب الأربعة لعلاقتنا بالحداثة. ألقت جموع الشعب الغاضبة بكل دعاوى الأبوية السياسية والمخلفات الأخرى للأشكال التقليدية للسياسة، مطالبة بنظام سياسى تمثيلى يقوم على المواطنة وإعادة بناء مؤسسات الدولة على قاعدة الإنجاز. لم يطلب الشعب إسقاط نظام السوق الاقتصادية وإنما بالعكس: ترسيخه وتنظيفه من الممارسات المعيقة له كالاحتكار والأبوية والإقطاعية. وكما فصّلت فى مقالى أمس وما سبقه، عكست الثورة ترسُّخ الفردية -مسؤولية وحرية ومساواة-كشكل مقبول، بل ومنشود للتنظيم الاجتماعى، ومبدأ حرية الإنسان وإعلاء دور العقل فى الفهم والتعامل مع الأمور المادية. وأخطر ما فى الأمر، أن هذه الملامح تشارك فيها الليبراليون والإسلاميون، جناحا الصراع الثقافى القديم.
لا يمكننى التعميم بناء على هذه الملاحظات المبدئية، لكن يمكننى بالتأكيد طرح السؤال. والسؤال بداية مهمة. ستقتضى الإجابة دراسة متعمقة، وبعض الزمن لمعرفة مدى صلابة هذه الثقافة الجديدة وعمقها، ومدى انتشارها فى طبقات المجتمع وفى ربوع مصر المختلفة وعبر أجيالها. لكن الأمر يستحق العناء. فلو صدق حدْسى وتبين أن هذه الملاحظات المبدئية ليست مجرد أعراض زائلة، بل انعكاس لتغيير عميق أصاب الأجيال الجديدة وغيّر رؤيتها لنفسها ولمجتمعها وللعالم، فأصبحت أخيرا لا ترى تناقضا بين دينها ودنياها، بين هويتها المتميزة وانتمائها إلى العالم الذى تعيش فيها، لكانت تلك بحق بداية ثورة ثقافية كبرى ستنقل مصر والعالم العربى من حال إلى حال، بغض النظر عن انتخابات البرلمان، والرئاسة، وكل إفرازات الماضى التى تملأ سطح الحياة فى مصر الآن. إن أثبتت الدراسة المعمقة صدق حدْسى، فإن هذه الثقافة الجديدة -ولا ريب- ستنتصر، ولو بعد حين.
__________________
|