سعر المواطن المصرى بعد الثورة
وائل قنديل
فلنفرض أن هناك قضية تمويل أجنبى بحق وحقيق.. ولنسلم جدلا بأن المسألة ليست ألاعيب سياسية فى حلبة قضائية، وأن هناك متهمين وأدلة اتهام ووثائق وكل ما يلزم لصناعة قضية رأى عام مفتخرة..
سنسلم بكل ذلك ونسأل السؤال الأهم فى هذه الواقعة: كم يساوى سعر المواطن المصرى بعد الثورة؟
معلوم أنها كانت ثورة الكرامة الإنسانية، اندلعت وتدحرجت مثل كرة اللهب من صفحة «كلنا خالد سعيد» دفاعا عن حق مواطن مصرى أهدرت كرامته وقتل غيلة، وانتصارا لقيم الحرية والعدالة الاجتماعية، وجرى كلام كثير بعدها على ألسنة المسئولين الرسميين يقول إن عصر المواطن المصرى الرخيص ولى إلى غير رجعة، وأن الإنسان المصرى ودع عهدا كان فيه بلا ثمن.
وترددت عبارات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار تؤكد أن دم المصرى وكرامته خط أحمر، كترجمة للشعار الأثير الذى تردد فى الآفاق «ارفع رأسك فوق أنت مصرى».
وتأتى واقعة الانكفاء أمام الإرادة الأمريكية وخروج المتهمين الأمريكان فى قضية التمويل لتنسف كل الشعارات البراقة وتعرى الجميع، حيث ظهر أن سعر المواطن المصرى فى بلده أرخص كثيرا من سعر أى مواطن من الجنسيات الأخرى، هنا فى مصر، بدليل أن الأمريكان أبرقوا إلى المجلس العسكرى والإخوان شاكرين حسن التعاون ولطافة المعاملة، وإطلاق سراح مواطنى واشنطن وسفرهم على متن طائرة خاصة، هبطت بدون ترخيص فى مطار القاهرة.
لكن الشهادة لله مصر لم تركع أمام هذه المخالفة المرورية التى ارتكبها قائد الطائرة بهبوطه فى الممنوع، وبدون رخصة وغرمته 50 ألف جنيه عدا ونقدا، وأرجوك حاول أن تكبح جماح نفسك الأمارة بالسوء التى تحيلك إلى الديالوج الشهير بين جحا وولده حول تعريف الهيافة، وانس تماما المثل الشعبى الذى أودى بالنائب زياد العليمى إلى التهلكة.
انس كل ذلك وفكر فى الأمر: إذا كان سعر المواطن المصرى فى بلده المحدد من قبل حكامه لم يرق إلى سعر الأمريكى والألمانى داخل مصر، فما بالك بسعره خارج الحدود؟
وهل بعد ذلك من حق أحد أن يغضب لو أهين مصرى فى دولة أوروبية أو عربية أو حتى أفريقية؟
إن جناب الوزيرة فايزة خرجت بعد فضيحة صفقة خروج الأمريكان سالمين غانمين لتعلن بفخر أن «القضية مستمرة»، وهو ما يعنى أن المواطنين المصريين المتهمين فيها ليس من حقهم أن يحلموا بمعاملة مماثلة لما تم مع الأمريكيين، ذلك أن مجلسنا وحكومتنا قررا عدم الركوع، ومواصلة الدفاع حتى الموت عن سيادة وكرامة المواطن (الأمريكى طبعا).
أما قائمة المسحولات واللاتى انتهكت كرامتهن فى كشوف العذرية، والشباب الذين فقئت أعينهم فهم لا يساوون عندهم ثمن مخالفة طائرة أمريكية هبطت فى الممنوع.