
27-02-2012, 10:03 AM
|
 |
من انا؟: بحاول اعيشها صح !
التخصص العملى: اداره اعمال
هواياتي: القراءه -المتاجره- السينما الجيده وخاصه التاريخيه-الافلام التسجيليه - السيارات
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2010
الموقع: القــــــــــــاهره
المشاركات: 13,001
|
|
رد: مخطط تصفيه الثوره ,,
تغير القلب
د.عز الدين شكرى فشير
حين أقول إن الثورة المصرية هى ثورة ثقافية فى الأساس، يظن البعض أنى أتحدث عن المثقفين. والحقيقة أن الموضوع لا علاقة له ألبتة بالمثقفين (لندع هؤلاء فى حالهم الآن، وسأعود إلى الحديث عنهم حين يأتى دورهم). الثورة الثقافية ببساطة تعنى تغييرا جذريا فى الطريقة التى يرى بها الناس أنفسهم، والآخرين، والعالم من حولهم، وما وراء العالم الملموس الذى يعيشون فيه. كيف ترى نفسك: فردا مستقلا مسؤولا عن نفسك وعالما مستقلا، أم عضوا فى جماعة -عائلة أو قرية أو قبيلة- تتحدد واجباتك وحقوقك ومكانتك ودورك حسب موقعك فى هذه الجماعة ولا معنى لحياتك إذا انفصلت عنها، أو شيئا ما بين الاثنين؟ وكيف ترى العلاقة بينك وبين الآخرين: هل كلنا أفراد متساوون فى القيمة -فى الحقوق والواجبات والأدوار؟ هل الكبير كالصغير، والمرأة كالرجل، والزبال كأستاذ الجامعة، أم أن بعضنا له قيمة أكبر وعليه مسؤوليات أكبر وبالتالى له «وضع» مميز؟ وأى عالم نعيش فيه: هل نحن أمم يقاتل بعضها بعضا بالضرورة أم نتشاطر اللقمة وشربة الماء والقيم والقواعد رغم اختلافاتنا الظاهرة؟ ومن العالم؟ شعوب أم حضارات أم فئات وجماعات؟ وهل العلاقة بين هذه الفئات أو الأمم؟ وبعضها ثابتة وحتمية أم أنها قابلة للتغيير حسب سلوكنا؟ وأين نحن بالضبط: فى أى وعاء ترقد هذه الحياة كلها؟ وماذا سيحدث بعدها؟ ولِمَ نحن هنا؟ وكيف نعرف ما نعرفه: ما أدوار العقل والإحساس والإلهام فى تمييز الحق من الضلال؟
هذه أمور تبدو نظرية (وعقيمة) للبعض، لكنها، وغيرها، مفاتيح شفرة كل واحد منا وشفرة المجتمع كله. الإجابات التى لدينا -سواء كنا واعين بها وفكّرنا فيها أم ورثناها- هى التى تحدد ما يسمى بثقافة المجتمع. هذه الإجابات تختلف وتتنوع داخل المجتمع الواحد، لكن كلما خلّفنا الدوائر الخارجية للخلافات والتنوعات وتوغلنا داخلين وجدنا دوائر أصغر تتمتع باتفاق أكبر، وكلما دخلت فى هذه الدوائر الأصغر قوى الاتفاق فى المجتمع، حتى تصل إلى القلب، وهو دائرة محاطة بأسوار من الترهيب والمنع والحماية والتبجيل تمنع مراجعة -أو حتى مناقشة- هذه الإجابات من قِبل أصحاب الإجابات المختلفة داخل أو خارج المجتمع، هذه هى دائرة المقدسات.
البعض يظن أن إجابات الناس عن هذه الأسئلة -أى ثقافة المجتمع- ثابتة لا تتغير عبر العصور، وأنها هى التى تميز مجتمعا عن الآخر عبر التاريخ. لكن الملاحظة الدقيقة تشى بغير ذلك. إجابات الناس عن هذه الأسئلة -أى ثقافتهم- تتغير. فالثقافة المصرية اليوم قد تشبه الثقافة الفرنسية فى القرن السابع عشر أكثر مما تشبه ثقافة مصر المملوكية. التغيير الثقافى، التغيير فى إجابات الناس عن هذه الأسئلة الأساسية، يحدث ببطء شديد، وفى دوائر قبل دوائر، لكنه يحدث، وعادة تتراكم التغييرات دون أن نلحظها ثم فجأة، مثل الموجة حين تنقلب، يتغير وجه ثقافة المجتمع بفعل كل التغييرات المتراكمة.
وهذا ما أزعم أنه قد حدث فى مصر عبر العقود الثلاثة الماضية، تغيير تحت سطح الماء الساكن، يتزايد وتتسع دائرته، ويغطيه النظام السياسى الممتد كطبقة من الجليد الصناعى فوق الماء، حتى انقلب السطح وبدأت ملامح التغيير تفصح عن نفسها. التغيير فى إجابات الناس عن الأسئلة الأساسية تلك -من هم؟ وما علاقتهم بالآخرين؟ وما العالم؟ وماذا يوجد وراءه؟- عميق وواسع. لم يعد مقصورا على الهامش، بل امتد حتى أصاب قلب الثقافة المصرية، دائرة الإجابات المحاطة بأسوار من الترهيب والمنع والحماية والتبجيل، التى تمنع مراجعتها أو حتى مناقشتها دائرة المقدسات.
وما دام التغيير قد وصل إلى القلب، فسيتغير وجه مصر كلها
__________________
|