
25-02-2012, 11:43 AM
|
 |
من انا؟: بحاول اعيشها صح !
التخصص العملى: اداره اعمال
هواياتي: القراءه -المتاجره- السينما الجيده وخاصه التاريخيه-الافلام التسجيليه - السيارات
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2010
الموقع: القــــــــــــاهره
المشاركات: 13,001
|
|
رد: من كواليس محاكمه مبارك
الخطاب الأخير
محمد المهدى
قدم مبارك إلى هيئة المحكمة خطابا فى الجلسة الأخيرة من المحاكمة نشرته جريدة «التحرير» يوم الخميس 23 فبراير 2012 م. والخطاب يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء رئيسية: الجزء الأول يرسم فيه مبارك لنفسه صورة البطل القومى الذى ضحى من أجل بلاده، والجزء الثانى يتحدث فيه عما جرى إبان الثورة، أما الجزء الثالث فيستعطف فيه الناس. وفى ما يلى نتناول ما ورد بمزيد من التحليل والتعليق:
هناك ملمح مهم يعكسه الخطاب من أوله إلى آخره، وهو الانشقاق بين الصورة الذاتية لمبارك عن نفسه والواقع الحقيقى على الأرض، مما يجعله يبدو مغيبا تماما عما يحدث، ومغتربا إلى درجة الخطورة، ولكى يفعل ذلك يستخدم دفاعات نفسية مثل الإنكار والتبرير، ويضيف إليها آليات مثل التزييف والإيهام والخداع والمراوغة، أملا منه فى أن يجعل الصورة الذاتية تطغى فى وعى المتلقى على الصورة الحقيقية، أو أنه لا يضع المتلقى فى الاعتبار، وإنما يخاطب نفسه بصورة نرجسية ليصل إلى حالة من التوازن، وهذا ما كان يفعله أيضا طوال فترة حكمه، التى طالت واستطالت إلى درجة الملل.
بدأ مبارك خطابه بالحديث عن القضاء ومدحه، لكن هذا الحديث لم يخل من نبرة تعالٍ، حيث قال «هو قضاء شامخ وعريق، لطالما عملت خلال تحملى المسؤولية على حماية استقلاله، واحترام أحكامه، وصون قدسيته»، فكأنه يرى نفسه حاميا لاستقلال القضاء بسلطته وإرادته ويمن على القضاة بذلك كأنه فضل منه، ونسى أو تناسى انتفاضة القضاة التى هزت البلاد بحثا عن الاستقلال ورفضا لهيمنة نظامه ومحاولات تشويهه للقضاء وتوريطه فى تزوير الانتخابات، ثم استشهد بآية قرآنية «إن الله يدافع عن الذين آمنوا»، وهذا على غير عادته حيث لم يعلم عنه من قبل استشهاده بقرآن أو حديث أو قول مأثور أو بيت من الشعر، فمعروف عنه نفوره من الرموز الدينية والرموز الثقافية، وقربه الشديد هو وأبناؤه من أهل المال والأعمال.
ثم راح يدافع عن نفسه أمام نفسه (فهو لا يهتم بالشعب)، ربما ليستعيد توازنه بعد ما حدث من خلال استعراض تاريخه العسكرى والسياسى، واستعراض إنجازاته وبطولاته كما يراها. وفى هذا الجزء من الخطاب كان يبدو مبارك فى أشد حالاته زهوا واغترابا عن الواقع، حيث جاءت كلماته معبرة عن إدراك منفصل تماما عن الأحداث، كأنه لم تقم ثورة شعبية جارفة لخلعه، وكأن الملايين لم تخرج لاسترداد مصر التى خطفها على مدى ثلاثين عاما، وكأنه يتحدث عن بلد مختلف تماما عن مصر، فمثلا يقول: «حرصت كل الحرص على أن أرعى مصالح الوطن.. وأن أحفظ للمواطن المصرى كرامته وحقه فى الحياة الكريمة». كأنه لم يستمع إلى هتافات الملايين الغاضبة التى اتهمته بخيانة الأمانة وبيع مصالح الوطن ثمنا لاستمراره فى الكرسى وتوريثه لابنه، وكأنه لم يسمع عن إهانة كرامة المصريين فى الداخل على أيدى زبانيته وإهانتهم وضياع حقوقهم فى الخارج بسبب ضعفه وتهاونه فى حقوقهم.
وذكر أنه جنب البلاد الدخول فى صراعات سياسية وعسكرية، واعتبر ذلك فضلا منه وحكمة ووطنية، ونسى أن الوجه الحقيقى لهذه السياسة هو ولاؤه وخضوعه للإرادة الأمريكية والإسرائيلية، وتفانيه فى الحفاظ على أمن إسرائيل وتنفيذ أجندة أمريكا، وأنه بذلك جمّد الدور المصرى وقزّمه، ونزع كل عناصر القوة من الصف العربى.
ويقول: «بذلت كل الجهد، كى أفتح أبواب الرزق والعيش الكريم لملايين المصريين، وأن أفتح أمامهم أبواب الحرية»، ولم يسأل نفسه لِمَ ثاروا إذن؟ ولم يتذكر أنه خلع من الحكم، بينما 44% من الشعب تحت خط الفقر، وأن 30% من الشعب يعيش فى عشوائيات تفتقر إلى الحد الأدنى من احتياجات البشر، وأن هناك مليونى طفل فى الشوارع، ومليونى مواطن يعيشون فى المقابر.
ويواصل ادعاءاته: «ومضينا فى توسيع مساحات الحريات العامة والانفتاح السياسى والإصلاح الديمقراطى على نحو ما كفلته الإصلاحات الدستورية والتشريعية»، وتناسى أنه عبث بالدستور عدة مرات ليُفصله على مقاسه ومقاس ولده ومصالح حزبه وعصابته، وأنه اعتقل الآلاف من المصريين دون وجه حق وعذبهم حتى مات الكثيرون منهم تحت وطأة التعذيب.
وانتقل إلى الحديث عن اهتمامه بالفقراء والضعفاء فقال: «كما أننى وقفت إلى جانب الضعفاء من أبناء الشعب بكل ما أوتيت من قدرة واستطاعة، كى أوفر لهم الحماية الاجتماعية وأحفظ لهم كرامتهم ولقمة العيش الكريم».. إذن فلماذا كان شعار الثورة «عيش.. حرية.. كرامة إنسانية» إذا كانت هذه الأشياء -حسب زعمه- متوفرة فعلا؟ ولماذا ترك الشعب المصرى الفقير الجائع فريسة لابنه وأصدقائه من رجال الأعمال، وذهب ليعيش بعيدا فى منتجع شرم الشيخ؟
ويبلغ اضطراب الإدراك لديه مبلغه حين يزعم أن «السنوات العشر الأخيرة تحديدا، شهدت مصر نموا اقتصاديا مطردا بعد ما تحقق من إصلاح اقتصادى فى بنيتها الأساسية والتشريعية الجاذبة للاستثمار، صار لدينا استثمار تخلص من تشوهاته واختلالاته الهيكلية، يوفر الملايين من فرص العمل ويفتح أبواب الرزق والعيش الكريم لأبناء الوطن».. إذن من أين أتى كل هؤلاء الملايين من العاطلين ليثوروا على مبارك ونظامه الاقتصادى؟ وهو ما زال يعيش فى الماضى ويكرر أكاذيب رئيس وزرائه عن النمو الاقتصادى وارتفاع معدلات التنمية، التى لم يكن يشعر بها ويستفيد منها إلا رجاله المقربون. ويرى أنه «قد حظيت القرية المصرية والمواطن المصرى البسيط باهتمام متزايد ودعم متزايد فى صحته وتعليمه ورزقه وأمنه وأمن أسرته». ومن هنا يبدو المصريون ناكرين للجميل، إذ يثورون عليه وهم يعيشون فى ظله أزهى عصور الأمن والرفاهية والازدهار.
ويصل إلى أحداث 25 يناير وهو لا يسميها ثورة، وإنما مظاهرات يقول بشأنها: «كانت تعليماتى واضحة منذ اليوم الأول أن تتولى الشرطة حماية المظاهرات السلمية كعادتها وبالطرق المعتادة، وقد مر يوم 25 يناير على نحو سلمى التزمت خلاله الشرطة بحماية المتظاهرين وتطبيق القانون»، وإذا كانت تعليمات الرئيس وقتها هكذا، إذن فلماذا تصرف وزير الداخلية على نحو مختلف وأخلى الميدان ليلا بقوة مفرطة وبوحشية شرسة من المتظاهرين السلميين ثم قتلهم وجرحهم بالآلاف فى يوم 28 يناير وما تلاه؟
ثم يتضح أن الصورة لديه مقلوبة حين يقول: «أبلغنى وزير الداخلية فى نحو الساعة الثالثة بوقوع حالات تعد واعتداء على رجال الشرطة من جانب المندسين».. وبهذا يرى أن المتظاهرين لم يكونوا من جموع الشعب المصرى الذين هبوا لإزاحته عن الحكم الذى اغتصبه بالتزوير والتزييف، وإنما يرى أن من فعلوا هذا هم مجموعة من المندسين والممولين من جهات أجنبية، وأنهم هم الذين اعتدوا على الشرطة. وهو حين يدعى ذلك يحاول أن ينفى عن الثورة صفتها واسمها وكونها ثورة شعبية هبت ضد ظلمه وجبروته وتسلطه وفساده، لذلك يستريح حين يوصفها بأنها مؤامرة أجنبية ضد حكمه الوطنى الشريف والنظيف.
وفى نهاية خطابه يحاول أن يبدو ضحية لمؤامرة أجنبية، وأن يستعطف الشعب ويستميله إلى جانبه كما فعل فى خطابه الثانى إبان الثورة وقبل موقعة الجمل فنراه يقول: «لكننى ورغم كل شىء.. أثق كل الثقة فى نزاهة قضاء مصر وعدله. وأثق كل الثقة فى حكم التاريخ. وواثق كل الثقة فى حكم الشعب المصرى العظيم بعيدا عن افتراءات المغرضين ومثيرى الفتن والمأجورين الذين يتلقون تمويلات من الخارج»، إذن فهو يرى الشعب المصرى العظيم ممثلا فى أبناء مبارك وجماعة «آسفين يا ريس» ومتظاهرى العباسية… بينما عشرات الملايين الذين هبوا لخلعه ومحاكمته هم مأجورون ومغرضون ومثيرو فتن.. فهل هناك اضطراب فى الإدراك أكثر من هذا؟
وتأتى الخاتمة الدرامية فى استشهاده ببيت من الشعر -على غير عادته- يقول:
بلادى وإن جارت علىّ عزيزة.. وأهلى وإن ضنوا علىّ كرام
وهنا تبلغ المأساة ذروتها إذ يبدو هذا البيت مناقضا للسياق، فمَن جار على من؟ ومَن ضنّ على من؟ ومَن كان يحكم ويتحكم فى من؟ ومَن ظلم من؟
ومجمل الخطاب يعكس روح مبارك الجاف الخشن، ويعكس نرجسيته فى اهتمامه بالدفاع عن ذاته وتحسين صورته أمام نفسه على حساب الحقيقة التى يعرفها الجميع، وهو يزدرى الشعب حين يشك فى ذاكرته وذكائه ووعيه إلى هذا الحد المخزى، وهو يعجز عن الاعتراف ولو بخطأ بسيط أخطأه فى حق هذا الشعب، وبالتالى لا يملك شجاعة الاعتذار عما بدر منه من تجريف لأموال الشعب وأراضيه لحسابه وحساب ابنه وعصابته، وتجريف الشخصية المصرية وإفساد الذمم، وتقزيم دور مصر ووضعها فى ثلاجة بحجة المحافظة على الاستقرار والبعد عن المشكلات.
والخطاب فى مجمله رسالة سياسية فشل فيها مبارك أن يخاطب الناس، بل كان يخاطب نفسه وأبناءه والمنتفعين منه من فلول الحزب الوطنى البائد والمنحل، وقد فشل مبارك -كما كان يفشل دائما- فى تحسين صورته وإبراء ذمته، إذ كان تزييفه للأحداث والحقائق مبالغا فيه بالضبط كما بالغ هو وابنه فى تزييف نتائج انتخابات مجلس الشعب 2010م، وكما زيف إرادة الشعب ووعيه على مدى ثلاثين عاما، ذاق فيها شعبه ألوانا من القهر والعذاب والفقر والمرض والحرمان وتدهور تعليمه وانهارت صحته وفسدت الذمم فيه بسبب هذا الرأس الفاسد الذى احترف الإنكار والتزييف والخداع، فأهان نفسه وأهان أسرته وضيع تاريخه وأهان شعبه وقزَّم وطنه ورهن إرادته لألد أعدائه، وكان يستحق محاكمة ثورية تحاكمه على فساده السياسى، لا فقط محكمة جنائية تحاسبه على بعض جرائمه المالية أو الجنائية فى فترة الثورة، وهى عدة أيام لا تقارن بثلاثين عاما من الفساد والإفساد وخيانة الأمانة الوطنية
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة silverlite ; 25-02-2012 الساعة 11:48 AM
|