
12-02-2012, 11:42 AM
|
 |
من انا؟: بحاول اعيشها صح !
التخصص العملى: اداره اعمال
هواياتي: القراءه -المتاجره- السينما الجيده وخاصه التاريخيه-الافلام التسجيليه - السيارات
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2010
الموقع: القــــــــــــاهره
المشاركات: 13,001
|
|
رد: مخطط تصفيه الثوره ,,
تفاحة الثورة
ناصر عبد الحميد
فى ذكرى مرور عام على التنحى، لو أعدت الذاكرة إلى الثمانية عشر يوما واستحضرت المشهد واطلعت على المصريين فى أثناء الثورة، وأمعنت النظر فيهم، لوجدت وجوها مختلفة غاية الاختلاف، وقلوبا متفقة منتهى الاتفاق، فالوجوه أتت من أمكنة واتجاهات ومستويات مختلفة، وقد تكون هذه كانت المرة الأولى التى تلتقى وينشأ بينها هذا الود وذلك القرب، والقلوب مؤلفة كما تؤلف قلوب أصحاب الأهداف الواحدة، حتى إن اختلفت الأسباب فستجد من خرج لسوء المعيشة أو البطالة أو إهانته فى قسم شرطة أو الفساد أو قلة المعاش أو غيرها من الأسباب التى تخص أفرادا أو فئات، وقد تجتمع عدة أسباب على الفرد، فيكون أكثر تمسكا باستمراره وتصميمه على نجاح الثورة، فقد كان النظام القديم بارعا فى توحيد المجتمع المصرى، كله تقريبا، ضده، ونجح فى أن يصبح خصما للجميع، فثار جزء من هذا الجميع ضده، واحتضن الباقون ما ثار الأولون من أجله، ولما عاد المصريون إلى بيوتهم فى يوم التنحى كان الكل يمتلئ أملا أن ما خرج من أجله سيُحقق بلا شك إما آجلا أو عاجلا، ولم يكن يتصور أحد من الذين ثاروا أن مطالبهم ستُحقق فى ليلة وضحاها، فهم يدركون جيدا ماذا أصاب مصر فى السنوات السابقة، وبدؤوا على نضيف، وفتحوا صفحة جديدة مع السلطة التى تدير المرحلة الانتقالية واعتبروها منهم ولهم منبتة الصلة بكل ما هو قديم، وبالطبع كان ينتظر الجميع إدارة مختلفة تراعى أنهم كانوا بالأمس فى الشارع يزأرون، فبالطبع ستعرض عليهم خطط للإصلاح وإعادة هيكلة المؤسسات وتطهيرها وسيسمعون ما يطمئنهم على سير المرحلة الانتقالية حتى تستقر البلاد، ويأتى من يديرها لينهض بها.
ومع ارتفاع سقف التوقعات والآمال التى ستأخذ وقتا طويلا لتحقيقها، كان المصريون واثقين أنهم على الأقل قد أرسوا مبادئ الحكم الرشيد بخروجهم هذا، والتى تبدأ بالكرامة الإنسانية واحترام المواطن، وهى الأمور التى لا تحتاج وقتا ولا جهدا لتحقيقها ولا خطة خمسية ولا معونة من صندوق النقد الدولى، فهذه هى أول المبادئ التى وحدت القلوب، وظن المصريون أنهم قد انتزعوها بغير عودة، وأن حكام مصر المتعاقبين سيسخّرون أجهزة الدولة المعنية لترسيخ تلك المفاهيم وتعضيدها، فما بالك وإن كانوا حكاما مؤقتين انتقاليين غير منتخبين.
وبطول عمر هذه المرحلة الكيفى أكثر من الكمى، وبثقلها وتعسرها، صنع المجلس العسكرى خصومه الجدد باحترافية تفوق ما كان عليه النظام السابق الذى صنع خصومه على مدار أعوام طويلة، صنع ذلك فى وقت قياسى ومع قطاعات أوسع وأعم، فبكل حدث يكسب خصما جديدا وبكل تصرف يكسب عدوا آخر، حتى صارت قطاعات واسعة من الأزهر وطلاب الجامعات ومشجعى الكرة والسيدات وحركات الشباب والأحزاب وغيرها وغيرها ضمن القائمة، وزادت شحنات الغضب حتى خرجوا مرة ثانية بالملايين.
وبين تعدد الأسباب فإن هناك ما وحّد المصريين للمرة الثانية، فأمور إعادة الهيكلة وكتابة الدستور ومسار المرحلة الانتقالية قد لا تشغل بال الكثيرين، ولكن ما ألّف بين القلوب هذه المرة هو الكرامة الإنسانية المرتبطة بالحرية، فبعد أحداث مجلس الوزراء سألنى أحد سائقى التاكسى، وهو يعنّفنى: لماذا تتحدثون فى التليفزيون عن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية؟ أين كرامتنا؟ وقال لى الرجل: أخبر الناس أن سائقا قابلك وقال لك إنه يجب أن تعدّلوا شعاركم، ليكون كرامة ثم عيش وحرية وعدالة اجتماعية، لأنه، على حد قوله، سيستطيع أن يحصل على دخل أكبر ويعيش فى مستوى أفضل إذا ضمن حفظ كرامته وحقوقه كإنسان.
وقف الرجل لمدة عشرين دقيقة يحدثنى عن تلك القيم التى صغتها واختصرتها، حتى أحسست بسعادة أطلقت عقلى يفكر فى مستقبل الثورة ونتائجها، وهو مستمر يتحدث عن نفس المعانى ويعيد فيها ويزيد، وكأنه يحاول أن يحفظنى إياها قبل أن يتركنى أمشى من أمامه، فعظّم ما قاله من إيمانى بأن أعظم ما رسخته هذه الثورة العظيمة هو تمسك المصريين بكرامتهم الإنسانية وحقوقهم وحرياتهم، وإدراكهم العميق أن الرخاء الاقتصادى والعيشة الهنية والسيادة الوطنية وتطور الدولة وتحديثها، كلها أمور مرتبطة ارتباطا جذريا ببناء المواطن المصرى ورعايته وتنمية قدراته، وأن نقطة الانطلاق لتحقيق البناء والرعاية والتنمية هى حفظ كرامة المواطن المصرى وصيانتها، فهى تفاحة الثورة وثمرتها الجميلة التى دفع المصريون من أجلها ثمنا باهظا، وهى الركن الركين لبناء الدولة المصرية الحديثة وعمود الدولة الذى يُقيم ظهرها وبنيانها وتنقض من دونه، وفرس الرهان الذى يجب أن يراهن عليه أى حكام لمصر فى المستقبل إن كانوا يريدون الاستمرار فى نيل شرف ثقة المصريين وحكم مصر.
__________________
|