رد: "ايقونات" الثوره المصريه..(25 مصريا فى25يناير)
13 - أحمد حرارة
غطى عينه المعطوبة بقطعة من الرصاص كتب عليها 28 يناير تاريخ إطفاء نورها دون أن يعلم أن عينه اليسرى أيضا ما زالت مستهدفة
لم يشارك فى 25 يناير.. وشارك يومى 26 و27 بعدما اكتشف أن المظاهرات ضد نظام مبارك بأكمله، لا العادلى فقط
فى ميدان التحرير فقد عينه اليمنى بعد أن تلقى رصاصة من أحد جنود الأمن المركزى
فقد عينه 28 يناير 2011 ثم عاد 19 نوفمبر إلى التحرير للوقوف فى وجه نظام لم يسقط ففقد الثانية
كتب- عبد المجيد عبد العزيز:
هو عين الثورة وبصيرتها، وبوصلة الحق التى ترشد الثوار إلى طريقهم الذى بدا واضحا أنه ما زال ممتدا ومليئا بالعقبات.
«أعيش كفيفا مرفوع الرأس وبكرامة، أفضل من أن أعيش مبصرا مكسور العين»، هكذا كان رد طبيب الأسنان أحمد حرارة البالغ من العمر 31 عاما، فى أول تعليق له، بعدما فقئت عينه اليسرى ليصبح فاقدا للبصر بشكل كامل، ليثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن «لسه النظام ماسقطش».
كان الشاب أحمد حرارة أحد الثوار الذين عاشوا وكابدوا ظلم نظام مبارك منذ نعومة أظفارهم، تلقوا تعليما مشوها، وذاقوا طعاما مسرطنا، وشربوا ماء ملوثا، وضربوا فى أقسام الشرطة، وعرفوا معنى الخوف من «أمن الدولة» بعبع نظام المخلوع وذراعه الباطشة، فكان من الطبيعى أن يحلم باليوم الذى تخرج فيه مصر، وتصرخ فى وجه الظالم المستبد، وتطالب بحقها فى لقمة عيش نظيفة وحياة كريمة، يقول حرارة: «قبل الثورة كنت فقط أتكلم عن السياسة مع أصدقائى، كنا نقول ونحن جالسين على المقاهى إن الوضع الحالى غير مقبول، فالفقراء يزدادون فقرا، والأغنياء يزدادون غنى، لكنى لم أشارك فى أى احتجاجات أو أفعل شيئا حيال ذلك».
حرارة تابع كغيره من شباب مصر ما حدث لشهيد الطوارئ خالد سعيد، والشاب السلفى سيد بلال، وكيف فقدا حياتهما نتيجة التعذيب، فقرر التوقف عن متابعة الأحداث عبر نشرات الأخبار، والخروج للمشاركة فى مظاهرات 25 يناير التى كانت قد انتشرت دعواتها على الـ«فيسبوك»، والمطالبة بإسقاط النظام. حرارة لم يشترك من أول يوم، وإنما من يوم الأربعاء 26 يناير، وعن ذلك يقول: «يوم 25 يناير، لم أكن أنوى الانضمام إلى الاحتجاجات، لأنهم كانوا ينادون أساسا بالإطاحة بحبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق، وإنهاء حالة الطوارئ، وكذلك رفع الحد الأدنى للأجور، وأنا لا أرى أن تغيير وزير واحد سيحدث فرقا فى النظام نفسه، لكن عندما رأيت فى الـ«فيسبوك» عبارة (الشعب يريد إسقاط النظام)، ذهبت إلى هناك، ميدان التحرير، يومى 26 و27 يناير».
يوم 28 يناير، هو يوم لن ينساه حرارة طوال عمره، فبعدما شارك فى مظاهرات اليومين السابقين، أيقن أن النظام يتداعى، وأن مبارك ورجاله على وشك السقوط، فى هذا اليوم، خرج وكله عزم وإصرار على عدم العودة إلى منزله إلا بعد الحصول على حريته وحرية مصر، وفى أثناء الاشتباكات الدامية التى وقعت، التى استخدمت فيها شرطة العادلى جميع أساليب القتل والاعتداء، فقد حرارة عينه اليمنى، بعدما أصابه جندى أمن مركزى برصاصة أصابت عنقه وعينه اليمنى، بعدما اخترقت القرنية ٤ شظايا، حيث أصيب حرارة بـ64 إصابة فى وجهه، و6 فى عنقه، و4 فى رئتيه، وهو ما تسبب فى حدوث نزيف فى الرئة أدخله فى غيبوبة لمدة ثلاثة أيام فى المستشفى، وبعد خروجه ظل فى منزله مدة شهرين لإتمام العلاج.
حرارة، بعد إصابته، غطى عينه المعطوبة بقطعة من الرصاص كتب عليها 28 يناير، تاريخ إطفاء نورها، دون أن يعلم أن عينه اليسرى أيضا ما زالت مستهدفة من قبل بقايا رجال العادلى.
ففى 19 نوفمبر الماضى، عاد حرارة إلى التحرير مجددا، للوقوف فى وجه النظام الذى اكتشف أنه لم يسقط بعد، وفى أثناء المواجهات الدامية التى وقعت فى شارع محمد محمود بين جنود الشرطة وبين المتظاهرين، عقب اعتداء الأمن المركزى على مصابى الثورة وطردهم من الميدان بالقوة، فقأت رصاصة مطاطية عين حرارة الثانية، ليفقد بذلك بصره كلية، ليثبت أن مبارك ما زال يحكم.
هل كانت تخشى «الداخلية» من أحمد حرارة؟ يبدو أن مجند الأمن المركزى الذى أصابه فى عينه اليمنى، كان يعلم أن حرارة رآه، وأنه يبحث عنه ليثأر لنفسه فى 25 يناير 2012، فسعى لأن يفقده عينه اليسرى، ليصبح بذلك حرارة فاقدا للبصر تماما، لتنام الداخلية هادئة، بينما لا تعلم، أنها منحت حرارة البصيرة التى ستفضح كل القتلة والمتواطئين، والسؤال الذى يفرض نفسه الآن: إذا حاسبنا مبارك والعادلى على ضياع عين أحمد حرارة اليمنى.. فمن نحاسب على ضياع عينه اليسرى؟
14 - إبراهيم عيسى
تعرضت الصحف التى رأس تحريرها للإغلاق والتضييق ولاحقته العشرات من القضايا التى رفعها مؤيدو وداعمو النظام السابق
تحرك فى المظاهرات المتجهة من كوبرى الجلاء إلى كوبرى قصر النيل ومنه إلى ميدان التحرير
فى مسجد الاستقامة فى الجيزة وبعد الاصطدام بالأمن كان فى مقدمة مظاهرة ضمت نصف مليون مواطن جاءوا من الهرم وشوارع الجيزة وانطلقت حتى دخلت ميدان التحرير فى السابعة مساء بعد مرورها بمعركة قصر النيل
كتب عمرو صلاح:
قبل الخامس والعشرين من يناير كان عيسى كعادته على تواصل بشباب من الحركات الاحتجاجية، يدرس معهم ما ينوون القيام به، ويسعوون إلى تنفيذه. انضم إلى مسيراتهم الحاشدة يوم الخامس والعشرين عند كوبرى الجلاء، ليشق طريقه معهم إلى ميدان التحرير، ويجد لنفسه موقعا على أحد الأرصفة ليستقر عليه وقد أنهكه التعب، مشاركا النشطاء أولى محاولات إقامة اعتصام بالميدان فى ليلة انتهت بتفريقهم بالقوة من خلال قنابل الغاز والرصاص المطاطى. وفى يومى السادس والعشرين والسابع والعشرين، كان عيسى على تواصل مع تلك المجموعة التى وضعت خارطة التحركات ليوم الثامن والعشرين من يناير، واختار وقتها أن يكون موجودا ضمن المجموعة التى سوف تخرج مع الدكتور محمد البرادعى من مسجد الاستقامة بميدان الجيزة، حيث واجههم مئات الجنود بالرصاص المطاطى وقنابل الغاز والماء الكبريتى. وخاض عيسى مع مدير الأمن وقتها اللواء أسامة المراسى -الذى يخضع للمحاكمة الآن- حديثا نقاشيا حينما سأله المراسى بعد ساعات من الضرب «ماذا تريدون؟»، فأجابه عيسى «الشعب يريد إسقاط النظام»، لتنطلق يومها الجموع الثائرة من مسجد الاستقامة، وتلتقى بجموع أخرى قادمة من شارع الهرم، ومن مناطق مختلفة بالجيزة، فى ظل استمرار الضرب وإطلاق قنابل الغاز والرصاص المطاطى، ولتلتحم المسيرة التى صارت أضخم بمسيرات أخرى فى ميدان الدقى، ومن ثم تنطلق إلى ميدان التحرير، الذى كان ساحة لمواجهات دامية وقتها، سقط فيها المئات من الشهداء والمصابين، وانتهت بالسيطرة النهائية والمحكمة على الميدان من قبل الثوار.
الدور الذى لعبه عيسى على الصعيد الصحفى لم يكن ببعيد عن دور لعبه من هم مثله منذ عقود سعيا إلى الحرية، ففى فترة الاحتلال الإنجليزى لمصر كان هناك ما يعرف وقتها بالدور الوطنى من الصحافة المصرية، وهو نوع من الصحافة سخَّر كتابه أقلامهم فى مواجهة هذا الاحتلال والمطالبة برحيله.
وقد تعرض أصحاب تلك المدرسة للتضييق المستمر من الاحتلال أوقاتا كثيرة، ومن القصر فى أوقات أخرى، إلا أن هذا التضييق والمصادرة للصحف وملاحقة الكتاب لم يثن هؤلاء يوما عن استمرار النضال ومواصلته، حتى رحل الاحتلال نهائيا.
هذا هو النهج نفسه الذى سار عليه إبراهيم عيسى.
هذا الكاتب الذى سخَّر قلمه ومدرسته الصحفية فى مواجهة التشدد تارة فى التسعينيات، وفى مواجهة مبارك ونظامه فى خلال العقود الأخيرة، وقد تعرضت الصحف التى رأس تحريرها للإغلاق، والتضييق، ولاحقته العشرات من القضايا التى رفعها مؤيدو وداعمو النظام السابق فى محاولة لإثنائه عن خط واضح اتسم بالحدة والعنف، ضاربا عرض الحائط بخطوط حمراء كثيرة، ورافضا أن يختار طريق ما عرف «بالصحافة المحايدة» وهو مصطلح ربما اتخذه كثيرون وسيلة لتبرير مواقفهم العائمة التى كانت تخشى الخوض فى معارك مباشرة مع مبارك ورجاله.
وقد مثلت تجربة الدستور الأصلى خلال السنوات الخمس الأخيرة بشبابها من الصحفيين خطا داعما باستمرار لحركات التغيير والاحتجاج، إذ كانت فاعلياتهم تحظى بما يشبه إعلانات يومية بلا مقابل، وكانت صور نشطائهم والتذكير بهم فى حالة اعتقالهم موضعا للحديث اليومى بتلك الصحيفة بما لا يسمح بنسيانهم ويوعى الناس بنضالاتهم، حتى إن البعض كان يطلق على الجريدة لقب المنشور الثورى الوحيد فى مصر، وهو ما مثل دعما وسندا لكل الجماعات الاحتجاجية والسياسية المحظورة فى عهد مبارك بما فى ذلك جماعة الإخوان المسلمين، وأتاح لنداءات التغيير ودعواته ظهيرا إعلاميا قويا على الرغم من الضربات المتلاحقة التى حاولت تحطيم هذا الظهير وكان آخرها ما عرف بقضية «صحة الرئيس» وإغلاق جريدة «الدستور» بعد محاولة السيطرة عليها من السيد البدوى رئيس حزب الوفد فى عام 2010.
والواقع أنه لولا تحطيم الخطوط الحمراء من قبل مدرسة إبراهيم عيسى والمدارس التى على شاكلتها لما استطاعت وسائل إعلام كثيرة إيجاد مساحة أكبر تنتزعها تدريجيا لتقف فى مواجهة إعلام حكومى ومستقل كاذب ومنافق زيَّف الوعى العام على مدار عقود.
إبراهيم عيسى لم يكن يكتفى بدوره الإعلامى فحسب، إذ كان نموذجا أيضا للمثقف النشيط، الذى كان بمثابة مستشار لشباب الحركات الاحتجاجية ومخزن للأفكار والمقترحات التى استرشد بها هؤلاء، مطالبا إياهم دائما بقراءة التاريخ كى يكونوا على أهبة الاستعداد لحظة وقوع التغيير الذى يحلمون به
__________________
|