الموضوع: فقه بث الأمل
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-11-2011, 11:54 AM
الصورة الرمزية د.هبه77
د.هبه77 د.هبه77 غير متواجد حالياً

 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
المشاركات: 1,565
د.هبه77 has a reputation beyond reputeد.هبه77 has a reputation beyond reputeد.هبه77 has a reputation beyond reputeد.هبه77 has a reputation beyond reputeد.هبه77 has a reputation beyond reputeد.هبه77 has a reputation beyond reputeد.هبه77 has a reputation beyond reputeد.هبه77 has a reputation beyond reputeد.هبه77 has a reputation beyond reputeد.هبه77 has a reputation beyond reputeد.هبه77 has a reputation beyond repute
منقول فقه بث الأمل



يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:”بشروا ولا تنفروا”.
الإنسان بطبعه يحب البشرى وتطمئن إليها نفسه، وتمنحه دافعاً قوياً للعمل، بينما التنفير يعزز مشاعر الإحباط واليأس لديه ويصيبه بالعزوف عن القيام بدوره في الحياة.
هناك من الغيورين على الدين وعلى الأمة تدفعهم غيرتهم إلى المبالغة في تصوير انتشار الفساد والانحراف وأن الناس قد هلكت وأننا في زمن الفتن..
لا شك أنها روح خيرة هي التي تدفع هؤلاء إلى التألم لأحوال الناس، ولكن هذه الروح الحماسية بحاجة إلى ترشيد حتى تؤتي أكلها.. فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول:”من قال هلك الناس فهو أهلكهم”..


إن تصوير أحوال الناس بأنها ميئوس منها يساهم وإن لم يكن بقصد في المزيد من التردي، وبذلك نتحول من الدور الدعوي الإصلاحي المفترض إلى الدور التيئيسي الإفسادي.. وسيقوى سلطان الشيطان على ضعفاء النفوس إذ سيوسوس إليهم: ما دام الناس كلهم قد فسدوا فلا أمل فلنكن مثلهم، وسيتمادى الفاسد في فساده وسيبرر لنفسه بأنه واحد من الناس ولن يستطيع أن يغير العالم بمفرده. وبذلك نكون قد ساهمنا بحماستنا الانفعالية الخالية من الفقه في الهبوط بالمجتمع دركات أخرى بدل انتشاله..
أما حين نبشر الناس ونبث في نفوسهم الأمل ونعزز من ذكر الشواهد والأمثلة التي تدل على وجود الخير في المجتمع فإننا بذلك نستثير كوامن الخير في نفوسهم ونشجعهم على المنافسة والمسابقة في فعل الخيرات ونرقق قلوبهم ونعمق مشاعر المحبة وحسن الظن بينهم.
حين يتعمد الإنسان تغافل الجوانب السلبية ويركز على الجوانب الإيجابية المحيطة به أو بتعبير القرآن (يذكر نعمة الله) أو (يحدث بنعمة ربه)..فإنه سيبرمج نفسه برمجةً إيجابية وسيملأ قلبه بمشاعر الحب والثقة والأمل مما سيمنحه قوةً روحيةً لأداء رسالته في الحياة.
وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب حين بلغه أن بني قريظة قد نقضوا العهد معه وكان المسلمون قد زلزلوا زلزالاً شديداً وقد بلغت القلوب الحناجر فلم يكن من الحكمة أن يسمعوا مزيداً من الأخبار السيئة حتى لا يفت ذلك في عزمهم فبعث النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثةً من الصحابة ليتحققوا من الخبر وطلب منهم إن صح الخبر أن يلحنوا أي لا يشيعوه صراحةً على الملأ.
هذا الفقه النبوي غاب عن إعلامنا العربي اليوم فلا تجد في فضائياتنا سوى أخبار القتل والتفجيرات والاغتيالات والتهديدات والملاسنات حتى صارت كلمة خبر مرادفة لكل ما هو سلبي أما الإيجابيات من اكتشافات وإنجازات فلا تأخذ إلا مساحةً ضيقةً

في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نجد حرصاً دائماً على بث المشاعر الإيجابية في نفوس الناس، ومن أمثلة ذلك ما وصفه به أستاذ البلاغة علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قال:”كان رسول الله يحسن الحسن ويقويه، وكان يقبح القبيح ويوهيه”.


إن خطورة الإحباط هو أنه يكبل القدرات عن الانطلاق ويوحي للنفس بالعجز فيصنع الهزيمة النفسية الداخلية التي ستتلوها حتماً الهزيمة الواقعية، وفي هذا العصر توصل البشر إلى علم البرمجة اللغوية العصبية الذي يقوم على أساس إرسال الرسائل الإيجابية إلى العقل الباطن كطريق لتعديل السلوك، وتحريره من الرسائل السلبية التي تقيد انطلاقته..

ولذلك فقد فتح الاسلام باب التوبة مهما بلغت الذنوب حتى ينطلق الإنسان إلى المستقبل متحرراً من عقدة الذنب وأثقال الماضي، وقد تنبه أناس من غير المسلمين إلى عظمة هذا المبدأ في الإسلام فقال كاتب هولندي يدعى فرانز ستال: (إن التوبة في الإسلام هي وسيلة تغيير الأفراد أنفسهم وهي سلاح خلقي عظيم).

والقرآن الكريم له منهج رائع وهو أنه يبدأ بذكر الإيجابيات ويؤخر ذكر السلبيات حتى وإن كانت الإيجابيات قليلة والسلبيات هي الغالبة، فحين تحدث عن أهل الكتاب حين تحدث عن معاملاتهم بدأ بالإيجابي وهو من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك، وبعدها ذكر الفريق الثاني الذي لا يحافظ على الأمانة وهو من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً

وكذلك في التعامل مع حادثة الإفك، نجد أن معالجة القرآن تركزت في المقام الأول على تفاعل الناس مع الإشاعة وليس على مضمون الإشاعة فلم يكن الجزء الأكبر من المعالجة القرآنية هو نفي وقوع الحادثة ونحن نعلم يقيناً أنها إفك وافتراء على أمنا الطاهرة المطهرة بنت الصديق رضي الله عنها.لكن أولوية القرآن كانت هي تحذير الناس من مجرد الخوض في مثل هذه الشائعات مستقبلاً:”إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم”، “يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً”. وذلك لأن إشاعة الحديث عن الفاحشة هو أخطر من الفاحشة ذاتها على افتراض أنها وقعت، فلو ضعفت نفس إنسان وعصى الله في السر فإنه يبوء بإثمه لوحده بينما تبقى الصورة العامة للمجتمع ناصعةً مشرقةً باعثةً للأمل، أما تلقي الناس لمثل هذه الأحاديث فإن ضرره يطال المجتمع بأسره وذلك لأنه يهيئ الأجواء للمزيد من الانحرافات، فهذا الحديث يعدم ثقة الناس بعضهم ببعض، ويعزز الريبة والشك ويقتل مشاعر الحب والخير في نفوسهم، مما يؤدي بالمجتمع إلى الهلاك.

والشروط المشددة التي وضعها الإسلام لإقامة حد جريمة الزنا يجعل الأمر أقرب إلى الاستحالة حتى يكف الناس عن الخوض في الأعراض، وفي مقابل هذا التضييق نجد أن الإسلام قد وضع حد القذف لمعاقبة من ينشر الشائعات، وفي الواقع العملي فإن تطبيق حد القذف على مدار التاريخ الإسلامي أكثر من تطبيق حد الزنا، أي أنه كثيراً ما نجا الفاعل من إقامة الحد، وعوقب القاذف لمجرد أنه تكلم بلسانه، وحتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو رئيس الدولة حين قال إنه رأى رجلاً يزني دون أن يذكر اسمه قال له علي رضي الله عنه: لو ذكرت اسمه لأقمنا عليك الحد، ونحن نعلم يقيناً أن عمر لم يكن ليفتري على الرجل وأنه سيكون صادقاً، ولكن ليس هذا هو مراد الإسلام
إن الإسلام يريد ألا يكون تفكير الناس نحو أرجلهم بل تنصرف همتهم إلى معالي الأمور وأن يشغلوا أنفسهم بالعمل الإيجابي المثمر الذي يجلب لهم خير الدنيا والآخرة وسعادتهما..
__________________

بسم الله الرحمن الرحيم
وما كان ربك نسيا
صدق الله العظيم





التعديل الأخير تم بواسطة د.هبه77 ; 11-11-2011 الساعة 12:32 PM
رد مع اقتباس