كلام فارغ: من مذكرات عاشق ميال للرطانة والغنائية ولا أنصح أحدا بقراءتها
أنغام الأخوين رحباني تنبعث من جهاز كاسيت عتيق ... كوب من الشاي الساخن... هدوء تام هذه الليلة وكأن كل الصاخبين في هذه الحياة قد ماتوا كما تمنيت... رائحة عطرة تنبعث من عود بخور رفيع وتمتزج الرائحة بأنغام رحباني في مزيج شمي – سمعي مدهش قد يجعلك تصغي لرائحة البخور أو تشم الموسيقى... أنهيت العمل هذه الليلة واكتشفت، بشكل عبقري كالعادة، أن الغد في الغالب يوم مريح عن باقي أيام الأسبوع لهذا أقرر أن بعض الرومانسية قد تكون مناسبة... في عالم قرر كل ما فيه ومن فيه أن يكون وقحا أو غبيا أو صفيقا أو شريرا فإن بعض الرومانسية لن تؤذي أحدا... لا تقولوا أنني ميال للرطانة والغنائية من فضلكم... قلنا من قبل أن العشاق هم أكثر الناس ثرثرة فلماذا لا أثرثر قليلا؟... في قلب كل واحد منا قصة حب منتهية، وقصص الحب تنتهي جميعها – كما يقول الساخر العظيم محمد عفيفي – بالزواج أو الانفصال، ولكن يبقى منها شيء في نفسك... كبقايا قبلة طفل رطبة على خدك سرعان ما تجف لكنها تترك في روحك أثرا منعشا لفترة ما...
لا تتهموني بالرطانة أو الغنائية....
اسمها؟... دعك من اسمها ولكن أقول لك أن اسمينا كانا ينتهيا بذات الحرف وكنت اعتبر هذا فألا حسنا...
لكل إنسان منا مفهومه الخاص بالجمال فالبعض يرى أن شارون ستون هي أجمل مخلوقة في التاريخ، والبعض يراها عادية جدا، دعك من فكرة أن جولدا مائير ذاتها وجدت من يتزوجها ويرى فيها بعض الجمال مما يؤكد لك فكرة أن الحب أعمى فعلا... لكن حبيبتي كانت تقف على الأرض المشتركة بين الناس جميعا... هات لورد من لوردات انجلترا ليراها وسوف تسمع منه الكثير من (Good Heavens)... هات واحدا من السادة في مانهاتن ودعه يراها وسوف تسمع كثيرا من Oh و Gush ... هات صعيدي من جنوب مصر وسوف يخلع الطاقية ويرميها في الأرض وهو يهتف (يا بووووي)... هات واحدا من قبائل الزولو الأفريقية ولسوف يرمي البوميرانج في الهواء ويضرب الأرض بقدمه في عنف صارخا (شا كاه موه)... هات واحدة من فتيات هذه الأيام وسوف تضع يديها على خديها وتغمض عينيها وهي تقول لك (يا ربي... فززززززززيعة) الخلاصة أن أباها كان يعرف بحق ما الذي كان يفعله حين تقدم لخطبة أمها وإني لأتساءل عن الرشوة التي دفعها هذا الرجل لكل قوانين الوراثة وقوانين مندل لتمنح طفلته كل هذا الجمال...
"إذا كنت قد عشت عمري ضلالا... فبين يديك عرفت الهدى
ولو أن إبليس يوما رآك... لقبّل عينيك ثم اهتدى...
- من ديوان "في عينيك عنواني" – فاروق جويدة
لا تقولوا أني ميال للرطانة والغنائية....
كلية الآداب قسم اللغة الانجليزية... تجلس أنت وحيدا كالشيطان بينما تجلس هي بعيدا مع إحدى صديقاتها اللواتي تعرفن كيف يقلن صباح الخير بالفرنسية ويضعن عطر الشانيل الذي يزهق روحي ذاتها ... يبدو أن صديقتها تقول كلاما رائعا للغاية لدرجة أن ملاكي تغطي فمها بكفها وتضحك بشدة... آه يا ملاكي... ليت لي وجها أجمل من هذا كي أريكِ إياه...
"تعطر أيها العطر بلمس يديها" – المنفلوطي
لا تقولوا أنني ميال للرطانة والغنائية من فضلكم....
لكن الحقيقة أني أحبها... أحبها بعنف ... أحبها بغِّل... أحبها بوحشية... أحبها بشراسة... أحبها لدرجة قد تصل إلى حد الافتراس يوما... هل تعرف ذلك الشعور الذي ينتابك عندما تداعب طفلا جميلا وتشعر بحاجة ملحّة لأن تعضه؟... ربما لأسباب مثل هذه كان جوجان يرسم لوحاته بتوحش مستعملا اللون الأحمر من الأنبوب مباشرة دون أن يخفف اللون بقليل من الماء ولهذا كان بيكاسو يضيف العين الثالثة إلى وجه حبيبته في لوحاته... لست أدري لماذا لم يصنعوا لها تمثالا ويكتبوا تحته لفظة (أنوثة).... لكنها لا تطالب بتماثيل من أي نوع، ربما لأن الشمس لا تطالبنا أبدا بالدفء...
"يا من هي أرق من نسمة المساء.. أنتِ جمعتِ جمال ألف نجمة" – مارك توين
لا تقولوا أنني ميال للرطانة والغنائية من فضلكم...
فلو كان هذا فيلما من أفلام توجو مزراحي القديمة لرأيت الكاميرا تنتقل ببطء في حركة Travelling بطيئة بين وجهي العابس ووجهها الضاحك تلك الضحكة التي تأتي من ذات العالم الذي تأتي منه أقواس قزح وتعيش الأحلام... هنا لابد للمشاهد أن يفرح عندما يشاهد وجهها ثم يصاب بحالة من الإغماء عندما يرى وجهي الشبيه بالمصيبة، وبالتأكيد كان المونتير سيضيف موسيقى حالمة تنذر المشاهد بميلاد الحب... لكن لم يسمع الموسيقى أحد سواىّ...
رباه... هذا الجبين العالي في كبرياء ملكيّ بحق... لابد أن جبين الملكة سميراميس Semiramisلم يكن أعلى منه عندما نهضت من مجلسها لتولي العرش... لابد أن جبين سالومي Salome لم يكن بهذا الكبرياء عندما كانت ترقص في بهو هيروديا ... ترقص حافية القدمين على رأي قباني... ذلك الأنف الأقني الذي ينحدر تحته ذلك الجزء الذي يسميه أساتذة التشريح بـ "النثرة" ثم الفم الشبيه بثمار الجنة... تلك الجزر الساكنة في أعماق البحار والتي لم يصل إليها أي بشري سواى... لابد أن بحارة كولومبوس خافوا ورسموا التعاويذ ورؤوس الشياطين على خرائط هذا الجزء من العالم وبالتالي عاد الرجل إلى أسبانيا دون أن يقدم جديدا... لابد أن جنود كوزموس تراجعوا وخشوا أن يذهبوا معه للبحث عن كاسيوبيا الحسناء... لابد أن بحارة أوديسيوس خشوا أن يعبروا المضيق في بحر إيجة خوفا من الوحش شيلا... ولكني وحدي تقدمت وقررت الذهاب وها أنا جالس على بُعد مترين منها أتمنى وأخشى لو عرفت كم أحبها... رباه... لماذا أبكي الآن؟...
"شكرا لعينيك المسافرتين وحدهما إلى جزر البنفسج والحنين...
شكرا لكل ساعات الشك وكل ساعات اليقين...
شكرا لكل أيام التهور والتحدي واقتطاف المستحيل...
شكرا على كل ليالي البُكا ومواسم السهر الطويل...
شكرا على الحزن الجميل" – نزار قباني
لا تقولوا انني ميال للرطانة والغنائية من فضلكم...
الحق أنها كانت جميلة... جميلة كالشمس... طاهرة كالنار... أنيقة كتحفة... رائعة كالحزن... صافية كالدموع... أسطورية مثل أفروديت... من الأحمق القائل أن الملائكة في السماء فقط؟... أنا أعرف ملاكا على الأرض... ملاكا أعرف أنني لو نزعت عنه ملابسه وفحصت بطنه بدقة لوجدت مكان البطاريات مع عبارة (صنع في الجنة) مع عبارات تحذيرية من طراز العبارة التوراتية الشهيرة (لا تجعلها تبكي فالله يحصي قطرات دموعها)...
تلتفت إلىّ ويشرق وجهها وتهتف (صباح الخير) بلثغتها المحببة التي لا تعترف بوجود حرف الراء أصلا وبمعجزة تتحول كلمة (أحبك بجنون) على طرف لساني إلى (صباح الخير)... تتسارع أنفاسك ويبدأ قلبك يخفق بشدة وكأن الابينيفرين (الأدرينالين) يتدفق في كل خلية في جسدك فلا يترك لك مجالا للتنفس... لهذا يطلق الفرنسيون على الحب عبارة (الميتة الصغرى) وربما لهذا كان عبد الحليم حافظ يغني (إني أغرق... أغرق) وربما لهذا كانت مادونا تغني بجنون (Take me up … take me down) ....
إني لا أملك في الدنيا....
من قال أن العشاق يتميزون بالشجاعة؟... لست أدري لماذا أذكر الآن قصيدة قديمة يقول شاعرها (الحب معركة الشجعان) وفي النهاية لابد لقصة الحب أن تنتهي لأي سبب... عام التخرج 2005 اللعين ينتهي ومعه تأتي النتيجة ليذهب كل في طريق له دون حتى كلمة وداع على رأي شاعرنا السوري محمد الماغوط... فقط حين يذكر اسم من نحبهم يكفي أن تشرد عيوننا في الأفق ونتنهد وتنطلق بنا الذكريات بعيدا لأيام صارت (في أفق الذكرى طيورا) كما يقول نزار قباني... ولكن يرد عليه فاروق جويدة بأسلوبه الموسيقي العتيد (هراء ... من قال أن العمر يرجع للوراء) عندك حق والله يا عم جويدة... من قال أن العمر يرجع للوراء..
(قلت لكم أنها مذكرات مملة ولا داعي لقراءتها أصلا)