رد: حذاء الإسكافى
الجزء الأخير من القصة
أخذ الإسكافي الإبرة الطويلة ولضمها بخيوط سوداءمتينة ليحيك النعل في القالب .." .. آه لو كنت تزوجت ...! "
وضع الاسكافي الحذاء وثبته جيدا على السندان وأحضر الكعب والمسامير ومد يده في الجراب لأخذ المطرقة .... وبدأ في الطرق..
" ربما لو كنت أتبسط مع الناس قليلا وأخالطهم أحيانا لكان الحال غير الحال ؟! .... فما بال الخلان يخالطون بعضهم بعضا ويتوددون إلى بعضهم البعض .. أما أنا فما أكد أفرغ من عملي في النوبة الصباحية حتى أنطلق نحو القهوة لإحتساء بعض الشاي ثم أعود إلى حانوتي مستأنفا عملي ... فلا أتحدث لأحد ولا يحادثني أحد .."
آخذا في الطرق .." هل سأخرج من الدنيا بلا صديق حميم ولا خل وفي يبث إلي وابث إليه ...يشاركني همومي وأشجاني وأشاركه آماله وأحلامه..."
يطرق بشدة ويزيد في الطرق ..." لا .. بل ومن يحتاج إلى صديق .. كفاني مشاكلا وهموما .. أأزيد عليها مشاكل صديق يتعكر لها خاطري وأصرف لها فكري؟"
وضع المطرقة جانبا قليلا وأخذ يقبض ويبسط ذراعه وأصابعه ليريحها من الطرق ..".. أجل الكف عن الناس نعمة وترك الخالطة في هذه الأيام غنيمة لايشعر بها إلا مثلي .. أجل .. مثلي أنا ! ... أنا أحل مشاكلي .. فما الضير إذن .. فإن كنت أعاني هما فكفى بعملي سلوة .. فمن بعد الطرق والخياطة والحياكة يعاني ألما أو يتشكي هما "
أخذ يلملم بقايا الخيوط من الحياكة ويلقي بها في كيس صغيرقد علقه في ذراع الكرسي ، ثم أخذ بقية الأدوات التي لا يحتاجها.. مسحها .. ونظفها .. ثم أدرجها في الجراب ..
"... أنسيت فلانا الذي وقع بضائقة مادية ثم أخذ يتردد على أصدقائه الأغنياء طلبا المساعدة .. فلبى البعض وتولى آخرون ...ثم ازدادت مشاكله فلم يتمكن من سداد المال .. فأخذ من كانوا قد أجابوا طلبه قبلا يطالبونه بالمال وهو يقسم أنه لا يستطيع السداد .. فما لبثوا إلا أن رفعوا أمره للقضاء وضاعت الصداقة وسط الخصومات ... أحمد الله أني لا أقرض ولا أقترض ..فأنا إسكافي
انتهى الإسكافي من عمله وكان قد تجاوز الفجر بقليل .... خرج الإسكافي متأبطا الحذاء الصغير وأغلق الحانوت خلفه وتوجه نحو بيته ... كان المطر قد توقف منذ ساعة تقريبا ولا تزال الأرض مبتلة والشوارع تغط في سبات عميق إلا من أصحاب الحرف الصغيرة يخرجون مع الطيور من أعشاشهم علهم يصيبون الكفاف مثلهم
وصل البيت وكانت بائعة الخضار قد وصلت لتوها وأرقدت طفلها النائم على الأرض بجانبها وغطته بملاءة تصلح غطاءا لطفل وخضار...ألقى الإسكافي السلام عليها ودخل البيت ... وعند صعوده بعض درجات السلم تذكر الحذاء ...".. حسنا .. أنا متعب الآن .. عندما أنزل إلى الحانوت سأمر عليها .."
وصل غرفته ..واستند إلى الحائط يلتقط أنفاسه وأخرج المفتاح ... دخل الغرفة وأسرع نحو المنضدة لإحتساء الماء ...ووضع الحذاء على المنضدة ... نظر إليه برهة .." لو كان عندي ولد!"
أخذ الحذاء وانطلق نحو السرير ... ونام الإسكافي
__________________
م . نبيل عبد الرحمن مصر موتورز الإسكندرية
|