رد: سلسلة مقالات هامة لصلاح منتصر (يوم تخلي الرئيس)
المقال الرابع
في التاسعة صباح الخميس10 فبراير دخل حسام بدراوي شقة( س.ف) بالزمالك حيث كان موعده للقاء مجموعة من شباب الثورة الذين كان( س.ف) صاحب الشقة وسيط ترتيب لقائهم مع بدراوي,
كان هناك وائل غنيم الذي تولي بدراوي عملية الإفراج عنه من جهاز أمن الدولة يوم الاثنين7 فبراير وظل معه الي أن ذهب به الي بيته, وفي نفس الليلة ظهر وائل مع مني الشاذلي التي استضافته في برنامجها العاشرة مساء, وهو اللقاء الذي هز مشاعر المصريين, وكان مما قاله في هذا اللقاء إنه علي المستوي الشخصي يحترم الدكتور حسام بدراوي والدور الذي قام به للافراج عنه, ولكن ذلك لم يمنعه من أنه قال له إنه يكره حزبه الوطني ويتمني ألا يري لوجو( شعار) هذا الحزب في كل مصر.
كان هناك أيضا المخرج الشاب عمرو سلامة(29 سنة) الذي تخرج في كلية التجارة ولم يدرس السينما, لكن هوايته لها تغلبت وجعلته يقتحم مجال الإخراج ويخرج عدة أفلام قصيرة, وفي عام2008 تمكن من إخراج أول فيلم طويل زي النهارده بطولة بسمة وأحمد الفيشاوي وآسر ياسين, وقد اشترك به في مهرجان الشرق الأوسط وكان من بين الأفلام المرشحة لنيل جائزة المهرجان, وهو حاليا يعد لكتاب عن ذكريات الثورة وفيلم تسجيلي يحكي علي ألسنة الشهود الوقائع ومنها تسجيل أجراه مع حسام بدراوي.
<<<<
لم تكن الرسالة التي سمعها بدراوي من الشباب غريبة عليه, بل كانت كما قال لي تقترب كثيرا في مضمونها من السيناريو الذي كان نفسه يتمناه ووعده الرئيس بتنفيذه من خلال الخطاب الذي كان المفروض أن يوجهه أمس( الأربعاء), ولكن وضح أن جمال وأنس الفقي وزكريا عزمي نجحوا في التأثير عليه فمضي يوم الأربعاء بدون أي خطاب, كانت الرسالة أو الرأي الذي حمله الشباب أنه لو أعلن الرئيس مساء ذلك اليوم( الخميس) تفويضه سلطاته للنائب, وقدم اعتذارا لأسر الشهداء, وأعرب عن ثقته في شباب مصر, فإن ذلك سيخفف حالة الاحتقان التي يشهدها ميدان التحرير بما ينعكس علي كل مصر, وقد شجع ذلك بدراوي علي توجيه سؤال مباشر لهم عما اذا كانوا سيؤيدون الرئيس اذا فعل ذلك, فأعلنوا أنهم علي استعداد للقاء الرئيس والوقوف خلفه وهو يعلن خطاب التنحي.
وفي نقاشي لعدد من الشباب الذين حضروا اللقاء وفيهم من طلب عدم ذكر اسمه, وهو ما أحترمه, وجدت أن ما قالوه لا يختلف كثيرا عما ذكره بدراوي باستثناء قول أحدهم إن بدراوي هو الذي شجعهم وبادرهم بأن الرئيس أصبح مقتنعا بتفويض سلطاته للنائب وتأكيد ذلك بتركه رئاسة الجمهورية وسفره الي شرم الشيخ, وقد أيد الشباب هذا الاقتراح الذي بدا متفقا مع تفكيرهم وأضافوا عليه ضرورة اعتذاره للشهداء وللشباب الذين اتهمهم في خطاب أول فبراير بأنهم يعملون لحساب أجندات خارجية.
<<<
كان مبارك في رأي الشباب بالصورة التي ظهر عليها في خطابيه يوم29 يناير وأول فبراير مستفزا بسبب حالة الاستعلاء التي ظهر بها والي درجة بدا معها أنه عمد الي التهوين من تأثير حركة الشباب وعدم اهتمامه بها, في الوقت الذي كان الوطن يعيش معها حالة غليان وقلق وتربص, بينما الشهداء يتساقطون والأمن مختل, وعندما أعلن في خطاب أول فبراير أنه لن يعيد ترشيح نفسه رئيسا وكانت هذه أول مرة يدلي فيها بهذا التصريح الذي كان مناقضا لما يقوله وما أعلنه نفسه من قبل( سيخدم الي آخر نفس), فإنه استعلي علي منح حركة الشباب أي فضل في هذا التغيير وأملي علي الذين يكتبون الخطاب اختيار الكلمات التي تعكس استخفافه بالحركة الشبابية وهو ما ظهر في قوله وبصرف النظر عن الظرف الراهن فإنني لم أكن أنتوي الترشح لفترة رئلسية جديدة, وكأنه أراد إبراز أن قراره بعدم الترشح لا علاقة له بالظروف الراهنة, وأنه كان مقررا من قبل, وهو ما لم يقله قبل25 يناير.
بين عبدالناصر ومبارك
لم يفوت المخرج الشاب عمرو سلامة الفرصة, فقد راح يتصور مشهد مبارك وهو يلقي خطاب التنحي, وهو وزملاؤه يقفون الي جانبه مما جعله يسرح بخياله ويقول في لحظة خيال فني: يادكتور حسام المشهد درامي جدا وعاوز شغل جامد في طريقة الإلقاء والإخراج.
إلا أن عمرو اعترف لي بعد ذلك أنه صدم عندما شاهد مبارك في مساء نفس الليلة( الخميس) يلقي خطابه الذي أعلن فيه تفويض النائب سلطاته وقد كان هذا الخطاب تاريخيا هو آخر خطاب وجهه مبارك الي الشعب.
فقد ذهل عمرو بعين الفنان للغة خطاب وآداء مبارك وهو يعلن تفويض نائبه سلطاته, مما يعني عمليا تنازله عن الحكم وجعله هذا الأداء الهزيل يستدعي جمال عبدالناصر الذي لم يحضره عمرو, لكن صورته محفورة في ذهنه ليلة إعلانه تنحيه يوم9 يونيو1967, وقد وجد عمرو سلامة أن عبدالناصر كان بارعا في استخدام وسائل التأثير الدرامية علي المشاهدين علي عكس مبارك الذي فشل في كسب تعاطف المشاهدين, فعبدالناصر ألقي خطابه وهو جالس وكأنه غير قادر علي الوقوف, وقرأه بصوت منكسر يصدر من أعماقه, وارتسم وجهه بالضعف, مما جعل الخطاب يدخل قلوب الملايين ومشاهديه يقفزون تأثرا عندما وصل الي لحظة إعلانه كلمة التنحي.
وفي فن الدراما, فإن المشاهد يتعاطف جدا مع الرجل الذي تعوده قويا عندما يراه وهو يعاني حالة الضعف والانكسار, وبالنسبة لمبارك فإنه ألقي خطابه وهو واقف كأنه قائد منتصر, ولم يراع الذين كتبوا خطابه تصاعد الخط الدرامي للغة الخطاب, في الوقت الذي علي عكس قواعد الدراما التي تتطلب انحناء الصوت كان صوت مبارك عاليا كأنه يعظ الآخرين, وعندما جاء إعلانه قرار تفويضه النائب لسلطاته وهو الحدث الذي يمثل ذروة الدراما لحاكم أمضي30 سنة في كرسيه, فإن كلمات القرار لم تترك تأثيرها الإنساني علي المشاهدين, لأنه لغة وصوتا وآداء بدا وكأن مبارك يعلن قرارا بيروقراطيا يعطي النائب مشاركته مبارك سلطاته لفترة مؤقتة, وليس تنازله له عن هذه السلطات.
<<<
محاولة مع مبارك للقاء الشباب
انتهي اجتماع بدراوي مع الشباب في الزمالك في نحو الحادية عشرة( صباح الخميس10 فبراير) علي أساس أنه سيجري اتصالاته للقاء مبارك بالشباب في نفس اليوم وابلاغهم الموعد.
ومرة أخري, أعود الي أوراق بدراوي وما سجله في هذه الساعات: خرجت من اجتماع الشباب معجبا بهم واتصلت بالنائب عمر سليمان وحكيت له عن اقتراحهم لقاء الرئيس, مؤكدا تأييدي لهم وأنهم مجموعة محترمة ولن يغلطوا فيه وأن لقاءه بهم سيطمئنه أكثر ويعجل بالسيناريو المتفق عليه, فاجأني النائب بقوله إن الرئيس لم يصل مكتبه في القصر الجمهوري ومازال في البيت, انتظرت أكثر من نصف ساعة ولما يئست من وصول الرئيس مكتبه اتصلت به في البيت وحولوني عليه, حسام: سيادة الريس مش احنا اتفقنا امبارح تعلن خطابك.. الوقت بيتأخر ياريس, ظل ساكتا, حسام: أنا قابلت مجموعة من الشباب المؤثرين وهم فلان وفلان وفلان ولهم طلبات أولها يريدون مقابلة سيادتك ومستعدين يقفوا وراك أثناء القائك الخطاب, الريس: خلاص أنا حاطلع أتكلم النهارده.. خد جمال قاعد جنبي كلمه, جمال: إيه يا حسام عامل إيه؟ حسام: ياريت ياجمال الريس يقابل الأولاد دول ويستفيد بيهم؟ جمال: طب حاشوف وأكلمك, اتصلت بنائب الرئيس وأبلغته ما جري, كان رأيي أنه لو التقي الرئيس بهم سيغير رأيه الذي يصله من التقارير التي تصورهم شوية عيال موجهين من جهات أجنبية وسيكتشف عندما يتكلم معهم مباشرة أنهم وطنيون, وأنا أحلم بهذا التصور جاءني تليفون من وائل غنيم يصرخ: إيه يادكتور.. أنت بتضحك علينا ولا إيه؟. حضرتك بتخدعنا؟ حسام: إيه فيه إيه؟ وائل: أمن الدولة كلموني وعاوزينا نروح لهم علشان نقابل وزير الداخلية وبعدين ياخدونا نقابل رئيس الوزارة, انتوا بتلعبوا بينا.. إيه بالضبط الحكاية؟ حسام: يا وائل أقسم لك إنه ليس لدي أي فكرة عن هذا الكلام, وعلي العموم اعملوا ما ترونه تروحوا أو ماتروحوش ده قراركم, وائل: إحنا مش حنروح أي حتة إلا معاك وحنستناك في فندق سونستا في مدينة نصر, حسام: طيب أنا جايلكم سونستا, فور انتهاء مكالمة وائل التي وضح منها أن الأمن سجل مكالمتي مع الرئيس وعرف منها أسماء الأولاد, جاءني اتصال من اللواء حسن عبدالرحمن مدير أمن الدولة يبلغني أن رئيس الوزراء يريد لقاء الأولاد وأنهم مصرون علي عدم التحرك بدون موافقتي, حسام: إحنا كده بنقلل من قدرهم ياسيادة اللواء لأن الموضوع أكبر من رئيس الوزراء, النهارده الخميس وبكره أنا متوقع مأساة, حسن عبدالرحمن: طب اعمل إيه اذا كان رئيس الوزراء عاوز يقابلهم, اتصلت بوائل غنيم وقلت له إن رئيس الوزراء يرغب في مقابلتهم وربما أراد أن يصحبهم هو للقاء الرئيس, وبناء علي ذلك وافقوا علي الذهاب للقاء الفريق أحمد شفيق الذي كان قد نقل مكتبه الي وزارة الطيران قرب المطار بسبب استحالة وصوله الي مبني مجلس الوزراء في شارع قصر العيني الذي تحاصره حشود المعتصمين, ولكن ما هي إلا دقائق حتي تلقيت اتصالا جديدا من وائل غنيم لأنه فوجيء بحشد ينتظره في مكتب رئيس الوزراء من المصورين والإعلاميين وأيضا بعض الفنانات!.
<<<
كان من الواضح أن الأمن أراد تصوير الشباب أنهم جاءوا يستجدون السلطة ويطلبون عطفها وهو ما يرفضونه تماما, وكان رد بدراوي علي وائل أن طلب إليه أن يأخذ مجموعته وينصرفوا!
منقول
التعديل الأخير تم بواسطة walidelwahsh ; 08-04-2011 الساعة 03:28 AM
|