http://www.elaph.com/Web/news/2011/2/630894.html
رفعه المحتجون منذ 25 يناير فارتبط به الشعب وراجت تجارته
الثورة تعيد الإعتبار للعلم المصري بعدما كان رمزاً لكرة القدم
صبري حسنين
GMT 5:27:00 2011 الخميس 10 فبراير
أعادت الثورة المكانة الوطنية للعلم المصري بعدما ارتبط بأذهان الكثيرين بكرة القدم.

قبل الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني الماضي، كانت صورة العلم المصري ترتبط في أذهان الشعب بمباريات كرة القدم التي يشارك فيها المنتخب الوطني. ولم يكن أحد يفكر في إقتنائه إلا عندما يحين موعد إحدى تلك المباريات، وكان الباعة المتجولون ينشطون في الشوارع حاملين إياه.
أما الآن فقد صار العلم مطلوباً، بعدما التف المصريون حول هدف وطني واحد، ألا وهو رحيل النظام. ويرى المحللون أن الثورة أعادت الإعتبار للعلم، بعدما كان رمزاً لمباريات كرة القدم.
وانتشر الباعة في شتى الشوارع، وبات واحدًا من البضائع المنتعشة في السوق حالياً. وصار المصريون يعلقونه في شرفات منازلهم، وفي سياراتهم، ويلتفون به، ويعصبون به رؤوسهم، ويمشون، وهم يرفعونه في فخر واعتزاز.
يذكر التاريخ للمصريين أنهم من أقدم الشعوب التي عرفت العلم، حيث تشير النقوش الفرعونية إلى أن الفرعون أو الحاكم كان يرفع راية أثناء الحروب وفي المناسبات العامة. ولم تعرف مصر العلم في العصر الحديث، إلا مع تولي محمد علي الحكم في العام 1805، حيث اتخذ للدولة علماً هو نفسه علم الدولة العثمانية الأحمر، لكنه استبدل النجمة السباعية بنجمة خماسية.
وفي العام 1867، غيّر الخديو اسماعيل حفيد محمد علي العلم، ووضع على الأرضية الحمراء ثلاثة أهلة بيضاء، أمامها ثلاثة نجوم خماسية بيضاء.
وكانت الأرضية الحمراء ترمز إلى توهج الدولة المصرية، فيما ترمز الأهلة إلى أقاليم الدولة، وهي مصر والنوبة والسودان. أما النجوم فتشير إلى انتصارات الجيش المصري في القارات الثلاث أفريقيا وآسيا وأوروبا.
وفي العام 1919 رفع المصريون في الثورة ضد الإحتلال البريطاني علماً جديداً، ذي أرضية خضراء، عليها هلال وثلاث نجوم، وتحول هذا العلم في العام 1923 إلى علم الدولة الرسمي بعد إعلان إستقلالها عن بريطانيا، وإصدار دستور خاص بها. وترمز الأرضية الخضراء إلى الوادي والدلتا، بينما يرمز الهلال إلى الإسلام الديانة الرسمية للبلاد. أما النجوم فتدل على أقاليم الدولة الثلاثة.
استمر العلم الأخضر رمزاً لمصر بعد ثورة 23 يوليو/تموز 1952، لمدة ست سنوات، حيث تم تغييره إلى علم ذي ثلاثة ألوان هي الأحمر والأبيض والأسود، يتوسطه طائر العقاب، في شكل عريض، وله درع أخضر يضم هلالاً أبيض اللون وثلاث نجوم، وتم نقش العقاب في قاعة مجلس الأمة، الذي أصبح الآن مجلس الشعب، وضربت العملات المعدنية، وعليها نقش هذا العقاب العريض.
في أعقاب إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، عندما صار الاسم هو الجمهورية العربية المتحدة، تم استبدال العقاب في العلم بنجمتين خماسيتين خضراويين، إشارة إلى مصر وسوريا. وظل العلم المصري كذلك حتى بعد الانفصال في العام 1961.
واستمر على تلك الحال، حتى تولي الرئيس أنور السادات الحكم، وأعلن عن قيام إتحاد الجمهوريات العربية، فاستبدلت النجمتان في العلم بالصقر، وظل كذلك إلى أن قرر الرئيس الحالي حسني مبارك إجراء تعديل عليه في العام 1984، ليحل العقاب مرة أخرى محل الصقر. والذي يعرفه المصريون بالنسر.
بدأ المصريون يعرفون العلم في غير المناسبات الكروية، في يناير من العام 2008، عندما ظهرت حركة كفاية المناهضة للنظام الحاكم، وبدأت في رفع شعار "لا للتوريث، لا للتمديد"، وبدأ المتظاهرون يرفعونه في وقفاتهم الإحتجاجية. وفي السادس من أبريل/نيسان في العام نفسه، شهدت مصر مظاهرات وإضرابات ومصادمات عنيفة بين قوات الأمن والمحتجين في مدن عدة، كان أخطرها تلك التي وقعت في مدينة المحلة الكبرى، أسفرت عن سقوط أربعة قتلى برصاص الشرطة.
في أعقاب تلك الأحداث، تحول رفع العلم في شرفات المنازل إلى تهمة خطرة، يتم اقتياد صاحبها إلى مقر جهاز أمن الدولة التابع المحافظة المقيم بها، حيث دعت العديد من الحركات الإحتجاجية إلى الإضراب لمدة ساعة أو ساعتين ورفع العلم في الشرفة. ولكن ها هو يعود مرة أخرى إلى أذهان المصريين، ويرتبط بالثورة الشعبية التي تنادي برحيل الرئيس مبارك، وحدثت انتعاشة كبيرة في مبيعاته منذ إندلاعها قبل ثلاثة أسابيع.
يقول محمود جابر بائع أعلام في ميدان التحرير لـ"إيلاف" إنه قدم من محافظة الشرقية للمشاركة في مظاهرات 25 يناير، وتعرض للإصابة وخضع للعلاج في المستشفى الميداني، وقرر عدم العودة لمنزله إلا بعد سقوط النظام الحاكم، مشيراً إلى أنه إضطر إلى البحث عن عمل يكفل له توفير قيمة نفقاته الشخصية، ووجد أن هناك إقبالاً على العلم، فاشترى مجموعة من الأعلام، وبدأ في بيعها، وفي الوقت نفسه يستمر في إعتصامه. ويتابع جابر "أبيع يومياً ما يتراوح بين 50 و70 علماً، بأحجام مختلفة، ويتراوح السعر ما بين ثلاثة جنيهات و25 جنيهاً.
ورغم أنها تجلس في مدخل الميدان من ناحية كوبري (جسر) قصر النيل، وتبيع الأعلام للمحتجين ضد الرئيس مبارك، والمطالبين برحيله، إلا أن فادية لا تخفي تأييدها له، مشيرة إلى أنه الضمانة الوحيدة لإستقرار البلاد وأمنها، وتتهم المتظاهرين بالتسبب في إغلاق المحال والمصانع وتعطيل الحركة في مصر كلها. وتشرح لـ"إيلاف" أبيع الأعلام للمحتجين، لكني لا أؤمن بما يطالبون به، الرئيس مبارك هو الأفضل، يكفي أنه لم يورّط مصر في أية حروب طوال ثلاثين عاماً، كما إن المثل الشعبي يقول "اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش"، فلندعه يكمل مدته ويرحل.
أما عن تجارة العلم فتوضح "أبيع يومياً نحو 150 علماً، وهناك مقاسات، فالصغير الذي يمسك به الأطفال بخمسة جنيهات. أما المتوسط فيتراوح ما بين 10 و30 جنيهاً، والإقبال عليه كبير جداً بشكل يفوق الإقبال عليه أثناء مباريات كرة القدم، حيث كان من يشتريه مشجعو الكرة. أما الآن فالغالبية ترفعه في فرح وفخر.
ويتهم وليد عبد العزيز بائع أعلام في وسط ميدان التحرير، وحاصل على ليسانس الحقوق، النظام الحاكم بأنه السبب في نسيان المصريين للعلم، ويقول "الله ينتقم من جميع أعضائه، إنه نظام فاسد، جعلنا نكره بلادنا، ولا نفكر في العلم إلا في أوقات مباريات المنتخب الوطني لكرة القدم، حيث كان يسلط عليها الأضواء بشكل كبير، لكي يلهينا عن الفساد ونهب المال العام، وكان يتجاهل المناسبات والرموز الوطنية تماماً. أما الآن فنحن صنعنا لأنفسنا مناسبة عظيمة سيظل المصريون يحتفلون بها لمئات السنين من الآن، إنها ثورة 25 يناير، وسوف ينظرون إليها كما ينظر الفرنسيون إلى ثورتهم في نهاية القرن الثامن عشر".
ويضيف عبد العزيز "ارتبط المصريون الآن بعلم بلادهم، وصار مطلوباً، فغالبية من يدخلون إلى ميدان التحرير يشترونه قبل الإنصهار وسط جموع المحتجين، وأنا هنا أبيعه لهم بثلاثة جنيهات للمقاس الصغير، والكبير بخمسة عشر جنيهاً، ويقبل عليه الأطفال والفتيات، وبعض الشباب"