مصر موتورز مجتمع السيارات - السيارات الصينية بين السعر التنافسي والجودة المتواضعة

كتب: عبد الله محمد طه

مسؤول المبيعات في شركة دايهاتسو السعودية

لم يكن يعلم الرئيس الصيني ماو تسي تونغ، حين وضع حجر الاساس لأول شركة صينية لصناعة السيارات عام 1953 ان صناعة السيارات في بلده ستنافس على المراكز الأولى عالميا في المبيعات والانتاج.
فمنذ تاريخ 1956 تاريخ الانتاج الفعلي لأول سيارة صينية الى وقتنا الحالي، 60 عاما، دخلت الصين مراحلة متقدمة من التطور في شكل الاقتصاد وصولا، الى اقتصاد السوق الحالي ما دفع وبقوة الى ثورة في صناعة السيارات وصلت الى الشكل الذي نراه اليوم حيث ساعدها في ذلك انضمامها لمنظمة التجارة العالمية.

فالصين اليوم تتحدث عن حقبة جديدة من الثورة في صناعة السيارات تسعى من خلالها لمنافسة وتحدي عمالقة صناعة السيارات في العالم ، مستفيدة من ثبات واستقرار نمو الاقتصاد الصيني، 7 %، حيث أن إنتاج ومبيعات السيارات محلية الصّنع قد تطّور من 150 الف وحدة عام 1978 الى 11 مليون وحدة، النصف الاول من عام 2012.

وتطّمح الصين ان يكون 30 مليون وحدة في عام 2015 ، ما يجعلها منافسا قويا لليابان على المركز الاول في صناعة السيارات عالميا، حيث انخفض انتاج وبيع اليابان من السيارات عام 2011 لتداعيات الزلزال وأمواج تسونامي والسيول ايضا الفيضانات التي ضربت أجزاء من تايلاند حيث توجد بعض مصانع السيارات اليابانية.

في البداية سعت شركات السيارات الكبرى في اوروبا وامريكا الى منع وصول التقنية الحديثة في تصنيع السيارات لأيدي الصينين ليقّينهم أنها قد تشكل تهديدا مستقبليا لهم، غير ان الشركات الصينية فيما بعد اتبعت استرتيجية اخرى تركزت على خبراتهم وتقنياتهم المحدودة ثم العمل على اكتساح أسواق الدول النامية وغزو السوق الاسيوي، بما فيها الاسواق النامية تصاعديا، ثم التركيز على المنافسة على الاسواق الكبرى في اوروبا وامريكا.

وعند تنامي انتشار المنتج الصيني في السوق الأسيوي قامت شركات السيارات في الدول الصناعية بالدخول مباشرة الى الصين عن طريق توقيع اتفاقيات وعقود شراكة مع كبريات الشركات الصينية في صناعة السيارات مستفيدة من رخص الايدي العاملة الصينية وتوفرها بكثرة وايضا توفر مواد وادوات الصناعة ومستلزماتها، كما انها استفادت من سلسلة من الاصلاحات الاقتصادية التي طبقتها حكومة بكين ابتداء من العام 2009 لجذب الخبرات والتقنية الغربية والاستثمار في شركات صناعة قطع غيار السيارات ، كان من هذه الاصلاحات الحّد من ارتفاع الضرائب ثم العمل على خفضّها لاحقا" وتخفيض الاسعار والمواد الاولية والعديد من الحوافز الاقتصادية.

وكان لزاما على الشركات الصينية ان تقبل بمثل هذه الشراكات، سيّما وان للصين سمعة عالمية كصانع مقلّد بشكل سيئ للياباني والكوري، كذلك توجهّهم الى الكّم وليس النوع والجودة، والافتقار الى الابتكار والابداع في صناعة السيارات، فكان وليد هذه الشراكات منتّج بسعر منافس وتقنية غربية بعلامة تجارية معروفة عالميا وأمثلة على ذلك شراكة Nissan Motor مع Motor Dongfeng - General Motors مع Shanghai Motors - Daimlerchrysler مع Motors Beijing، كما كان لافتا" في الآونة الاخيرة دخول شركات صناعة السيارات اليابانية وانتاجها مجموعة من طرازاتها.

غير ان وجود هذه الشّراكات لم يمنع الشركات الصينية من تطوير علامتها التجارية الصينية الخاصة بها والرائدة محليا" وأهمها شركة saic ، Dongfeng ، faw ، changan ، Beijing ، Guangzhou ،huachen ، changcheng ، Chery ،Jiangling ، التي حققت الصّدارة في زيادة مبيعات حسب الترتيب المذكور، داخل السوق الصينية المحلية والتي تعتبر أكبر سوق سيارات على مستوى العالم،

وذلك رغم وجود المنتج الهجين الذي يحمل العلامة العالمية، فقد اعتمدت هذه الشركات على شراء التكنولوجيا من شركات عالمية كمحركات ميتسوبيشي ونواقل الحركة وتقنيات الكهرباء من اوروبا، لترسيخ الثقة بالمنتج ، اضافة الى القيام بدراسة السوق الاقليمي والخارجي وتصنيع السيارات وفقا لطبيعة هذه الاسواق.

وداخليا، قاموا بسلسلة من الاصلاحات الداخلية في نظام شركاتهم لإيجاد صناعة أكثر ابداع و تحدي للوصول الى رفع اسم وقيمة العلامة التجارية الصينية المحلية في السوق المحلي والدولي والاستفادة من سلسلة حوافز حكومية مشجعة، كما ان بعض هذه الشركات قام بإنشاء مصانع في أوروباشركةgreat wall الصينية، وهذا ما كان ليتم لو لم يكن المنتج يحظى بمطابقة المعايير الاوروبية فيما يخص الأمان والجودة .

وتعتبر دول مثل روسيا والبرازيل وايران من اكبر الدول التي تستورد السيارات الصينية بكل فئاتها، لكن أسماء علامات السيارات التجارية المصَّدرة للخارج والمعروفة عالميا ظلت قليلة جدا ولعل أهمهاChery ،Jelly ، BYD السبب الذي جعل هدف هذه الشركات في المرحلة القادمة الى إيصال رسالة للعالم مفادها بأن منتجها قد اضيفت له الى جانب السعر الأقل، الجودة والتقنية العالية أيضا.

واهتمت هذه الشركات بموزّعيها في دول العالم وسعت الى الارتقاء بالعلاقة بينها وبين موزّعيها وذلك في سبيل تحقيق هدفها هو جعل علامتها التجارية المحلية ، علامة عالمية، حيث ان هذه الشركات بدأت تدرك، ولو متأخرة ان مفهوم العلامة التجارية العالمية الناجحة هي وليد صناعة منتج جيد تقنيا، ووجود خدمة لهذا المنتج لاحقا.

ومن هذا المفهوم انتقلت العلاقة بين الشركات الصينية وموزّعيها حول العالم من صفة زبون أو مشتري لصفقة او صفقتين الى صفة شريك لعلاقة تهدف الى الديمومة ودفّعهم الموزعين، الى القيام بمجموعة من الالتزامات يفرضها العقد مع موزعيهم، وذلك من خلال فرض خدمات ما بعد البيع لدى الموزع وتأمين ورش حديثة وقطع غيار ووجود الفرق الاستشارية المتنقلة، ما يلقي بالطمأنينة لدى المستهلك، الذي هو الهدف الاخير للشركة الام ويرسّخ قيمة علامتها التجارية المحلية في دول العالم لتستحق لقب علامة عالمية .

لقد أبهر الصينيون العالم بصناعتهم في معرض بكين الدولي للسيارات أبريل 2012Beijing International Auto Show، حيث قام المعرض على مساحة هي الأضخم ربع مليون متر، وشاركت فيه 2000 شركة من أكثر من 14 دولة.

وحاول منافسوا الصين القول بأن زمن تحول الصين من دولة كبيرة للسيارات الى دولة قوية للسيارات لم يآن آوانه بعد، كما ان التخّمة في الانتاج وتكدس جزء من هذه الصناعة بالمخازن الصينية أصبحت ظاهرة وان الصعوبات والمعوقات في صناعة السيارات تم طمسها ولم تظهر خلال الفترة الماضية مؤقتا، نتيجة تسارع عملية الانتاج والانتشار حيث يعتقدون ان التطور السريع في صناعة السيارات الصينية كان مخادع وسطحي .

ويرّد عليهم الصينيون بانهم يدركون ان منتجّهم فيما يتعلق بالجودة والامان ليس الاول عالميا، وليس خاليا من العيوب الصناعية، لكنهم يدّركون أيضا بأن عجلة صناعات السيارات لديهم قد انطلقت، وهي في تتطور لتضاهي المنتجات العالمية من ناحية الجودة والتقنية، وان مسألة غزوهم وانتشارهم في كل أسواق السيارات في العالم لم يعد الا مسألة وقت فقط ، وانهم فرضوا أنفسهم كواقع على خارطة صناعة السيارات العالمية.