![]() |
|
رد: مخطط تصفيه الثوره ,,
|
رد: مخطط تصفيه الثوره ,,
|
رد: مخطط تصفيه الثوره ,,
هُنا «محمد محمود»..
حين فقأت الشرطة أعين مصر (ملف خاص) http://www.almasryalyoum.com//sites/.../shr_lshhd.jpg المصرى اليوم http://www.youtube.com/watch?v=jIu5m...layer_embedded 1- شهداء محمد محمود.. «رياحٌ تهز الشَّعير» تَقول الأسطورة، أن سنابل الشَّعير لا تهتز بالهواء، فهي تحتاج إلى ريحٍ أخفّ، ولذلك.. فحينَ نراها تتحرَّك فذلك لأن أرواحاً تَمر الآن من بينها شهداءنا في محمد محمود كانوا ريحاً، أو أخفّ من الرّيح، عابرون سريعاً، وجَميلون، مرّوا في هدوء، دون أن يشعر بهم أحد، دون أن يذكرهم أو يخلد ذكراهم أحد، هم فقط عرفوا الحق وآمنوا به درجة الذهاب من أجله، دون أن ينتظروا منا شيئاً.وما من شيءٍ يمكن أن تقدمه لروحِ شَهيد، ولكن خير التذكر نقدمه لأنفسنا، بمعرفة أفضل من كانوا فينا، تعظيمهم وحفظ أساميهم وملامحهم، ومؤانسة أهلهم في كل لحظة بأن «اسعدوا لأن أبناءكم أبطالاً وشهداء»، واحكوا عنهم مُبتسمين. لذلك فإن كل ما هو آتٍ ليس تأبيناً، ليس حكايات حَزينة، هو مُحاولة لخلقِ صور وتفاصيل تستدعيها الذاكرة عند ذكر «محمد محمود»، وأرواح شهداءه وهي تغادر مع الملائكة وتهزّ الشعير. كَم مرَّة اهتز الشعير في نوفمبر «محمد محمود» هذا؟ كم روحاً طاهِرَة عَرِفتها السّنابل؟ http://www.almasryalyoum.com/sites/d...hhyd_dl_mm.jpg في كُل صَباح، تستيقظ والدة الشهيد «عادل إمام»، تَدخل إلى بَلكونة البيت الصَّغير، وتنظر إلى صورة ابنها المُعلَّقَة في الشارع، تَرْمِي عليه السلام، وتخبره كم أنها راضية عَليه، وتَدعو الله أن يكون في مكانٍ أفضل.يوميّة «عادل» الأخيرة وحِكاية الغريب الذي لم يعد وفي كُل مَساء، يَجلس والده مع أصدقاء أو أقرباء جدد، ويَحكي حِكايته المُفضلة عن إيصال الصيدلية الذي وجده في جَيبِ «عادل» حين ذهب ليتسلم جثته في المشرحة، وتَلمع عيناه بالدّمع حين يقول أن تِلكَ «كانت آخر يومية له، اشترى بها قطناً وشاشاً للمستشفى، ثم ذهب». سيقول أن ابنه كان خير الناس، وأنه يعلم أن كل الأهالي يَرون أبناءهم أخيار الناس، ولكنه يَقول هذا عن عادِل لأنه كان أخيرهم بالفِعل، وأن جنيهات يوميته الأخيرة في الورشة يمكن أن تشهد عليه، وعن أي قلب كان يَملكه، قبل أن يُوصِي السامِع بأن يُعيد سَرد القصة على مسامعٍ جديد، كي يَعرفوا «عادل». «عادل»، الشاب الصغير الذي أنهى وَردية عَمله في ورشة بالحُسين، مر بصيدلية قريبة ليشتري لوازم طبيّة بكل ما يملكه، ولم يحتفظ في جيبه سوى بجنيهين فقط، ذهب بأحدهم إلى التحرير، مُخططاً أن يعود بالآخر، دون أن يَعلم أن ساعات قليلة تفصل بينه وبين رصاصة ستخترق رأسه، ليَصعد إلى السماء غريباً وهادئاً. و«عادل» لم يَكُن وحده الذي احتفظ في جيبِه بما يعيده إلى منزله في آخر اليوم دون أن يَعود أبداً، فهُناكَ ذلك الشَّهيد، شهيد الفيوم، الذي عاشَ غريباً وماتَ غريباً، الشهيد «عماد»، اقتطع قَصَاصة النتيجة في اليومِ الذي ذهب فيه إلى اشتباكات «محمد محمود»، كَتبَ عليها فقط اسمه ورقم تليفون أهله، وذهب إلى «محمد محمود»، ولم يحتفظ معه سوى بالورقة، وتذكرة مترو يعود بها إن عاش، ولكنه لَم يَعِش. أصيبَ في الشارع، أعطى الورقة وبداخلها التذكرة للمُسعف على «الموتوسيكل»، وأغمى عليه قبل أن يَصل إلى المستشفى الميداني، وتَصعد روحه، وحيداً لا يعرفه أحد، ويُنقل إلى المَشرحة، ويأتي الأهل بعد أن يتصل بهم أحد الثوَّار على رقم قصاصة النتيجة، ولأيامٍ يَبحثون على جثته الطاهِرة ولا يجدوها، وكأنه قد كُتِبَ عليه أن يعيش غريباً، ويموت غريباً، بعيداً عن الأهلِ والبَيتِ. ورُبما يُبعث «أحمد» في أمّةٍ من الغرباء، سيكون منها –حتماً- الشهيد «مصطفى عمر بيومي»، الذي عاشَ أغلب حياته بعيداً عن الوطن، يبحث عن سُبلٍ لحياةٍ كريمة بالعمل في السعودية، قبل أن ينتهي تعاقده مع شركته ويعود بعد الثورة إلى مصر دون أن يجد شيئاً كبيراً قد تغيَّر، فيقرر السفر ثانيةً ويذهب صدفة أثناء الأحداث، إلى إحدى شركات العِمالة بالخليج، والتي تقع بالقربِ من محمد محمود، ليتلقى رصاصتين أثناء مروره يُسقطاه شهيداً. «مصطفى» كان من القليوبية، لم يَكُن ثائِراً أو مُشاركاً في المعركة، فقط كان يَحلم بحياةٍ كريمة في بلدٍ يُحرّم الحُلم، ولم يَعلم في لحظاته الأخيرة قبل أن تُلفظ روحه.. هل كان الوَطَن يَستبقيه هنا كي لا يذهب ثانيةً؟ أم أن تِلك قسوة مستمرة تميته غريباً كما عاش؟ http://www.almasryalyoum.com/sites/d...bh_lsnwsy2.jpg «محمد محمود» الحاضر في كُل مكان: «مصطفى» لم يكن يعلم حينها أن تِلك مَوجة جديدة وكبرى من الثورة، لم يكن يعلم أن أيام «يناير» التي أبقته في مصر حالماً تُعيد نَفسها الآن، هَل هُناك دليلاً أكبر من أن كل الشوارع والميادين في المُحافظات كانت صورة مصغرة لـ«محمد محمود»؟في الإسكندرية كانت أحداثاً مُوازية تَندلع في ليلةِ «محمد محمود» الأولى، حيث اتجه المُحتجين إلى مديرية أمن المُحافظة، للتضامن مع أحداث «التحرير» بالقاهرة، والتأكيد على أن «الثورة في كل شوارع مصر» كما هَتفوا. الحَصاد كان شهيدين، «بهاء السنوسي» و«شريف سامي عبدالحميد»، وكعادته.. لم يفرّق رُصاص الأمن في تلك اللحظات بين ثائِر أتى ليقول كلمة حَق في وجه سلطان جائِر، وبين مواطن عادي لا يرغب في أكثر من العودةِ إلى بيته سالماً؟ «بهاء السنوسي» هو ناشِط سياسي ضد النظام منذ سنوات، عضو في حزبِ التيار المصري، وائتلاف شباب الثورة بالإسكندرية، كان هادئ الطباع، وعلى الرغم من ذلك فإنه في كل تظاهره أو وقفة احتجاجية يُصبح «ابن موت» كما وصفه أحد أصدقاءه. والدته كانت تقول أن الفرح الأخير للعائلة الذي حضره «بهاء» كان الجميع ينظرون إليه ويخبرونها أنه «العريس القادم حَتماً»، ولكن الأم لن تراه عريساً، ستَصعد روحه إلى السماء قبل ذلك، تحديداً في تلك اللحظة التي قرر فيها ترك عمله والتوجه إلى مديرية الأمن للمشاركة في الاحتجاج، ومع سماعه صوت الخراطيش والرصاص مازح رفاقه من حوله بأنهم يجب أن يأخذوا صورة جماعية، «عشان لما نستشهد يسموها صفحة كلنا مع بعض». و«بهاء» استشهد وحده، بعدها بدقائق، رصاصة اخترقت رأسه من داخل مبنى المديرية، ويسجل الحاضرون تلك اللحظة، ودماءه التي أغرقت أسفلت الشارع، أما الأصدقاء.. فحملوه وهم يدركون أنه قد صار جثة طاهرة، نَدموا على أنهم لم يأخذوا الصورة الأخيرة التي طلبها، ولكنهم نفذوا الجزء الثاني من الوصية، وحملت صفحته اسم «كلنا مع بعض- كلنا بهاء السنوسي». الشهيد «شريف سامي» في المقابل لم يَكن يقف أمام مديرية الأمن، لم يكن يعلم حتى ما يحدث، هو فقط مواطن عادي، مهندس لديه أسرة صغيرة من زوجة وطفلين، كان في زيارة لأحد أصدقاءه بالقرب من المديرية، ومع الدوي العالي للرصاص ورائحة الغاز المسيل للدموع حاول الاحتماء بأحد المباني حتى تهدأ الاشتباكات، ومع خروجه ومحاولته ركوب سيارته ليذهَب آمناً.. أُصيب بطلقٍ ناري، ليصبح شهيداً. في وقتٍ مُقارب من تلك اللحظة، وعلى بعد 300 كيلو، كان مُسالماً آخر يَسقط غَدراً في الإسماعيلية دون سَبب، «ماجد مدحت يوسف»، أحد أصغر شهداء الأحداث النوفمبرية، كان في الصف الأول الثانوي، ولم يتجاوز الخمسة عَشر عاماً، نزل من بيته ليذهب إلى بيت جدته القريب دون أن يعرف أن ميدان «الممر» بالإسماعيلية قد أمسى ساحة اشتباكات واسعة بين الثوار والأمن، وفي طريقه قابل صديقه «مصطفى» ورَأوا دخاناً كثيفاً فذهبوا فضولاً لمعرفة ما يحدث، وبعد عدة دقائق.. قبل الوصول حتى إلى «الممر»، فوجئوا بصوتِ الرصاص قريب منهم للغاية، حاولوا الجري بعيداً، ولكن رصاصة اخترقت صدر «ماجد» كانت أسرع من محاولته النجاة. بينهم 12 مصاباً برصاص حَي في مناطق الصدر والقدم والكتف في الإسماعيلية مساء ذلك اليوم الكئيب، و«ماجد» كان شهيدهم الوحيد، الطفلُ الوسيم الباسم الذي يُحب الغناء، ويَكتب الشعر بين حصص الدراسة، وينحصر عالمه في المنطقة الواقعة بين بيته وبيت جدته، ويحلم –ككل أقرانه- أن يصبح طَبيباً بعد عدة سنوات، لم يُمْهَل الفرصة لأي شيء، رَحَل صغيراً دون أي سبب. وبالمثلِ، فإن مئات المصابين الذين نَجوا للطْفِ القدر قد سقطوا في هذا اليوم بكافة محافظات الجمهورية التي كانت تَنتفض، كصورة مُثلى للثورة.. تلك الحاضرة في كل مكان. http://www.almasryalyoum.com/sites/d...hyry_-_sdq.jpg ثأر «سيّد» وأصدقاء «عمرو وشهاب»: أصدقاء «عمرو محمود البحيري» وزملاء «شهاب أحمد» في «ألتراس وايت نايتس» دليلاً واضحاً على ذلك.في ماذا كان يفكر قتلة الشهداء؟ ألا يعرفون أن موت شهيداً واحداً يخلق أمَّة ثائِرة من بعده؟ «عمرو البحيري»، طالب التجارة ذو العشرين عاماً، لم يترك شارع «محمد محمود» لليلتين كاملتين، وفي اليومِ الثالث تلقى رصاصة من الأمن بجانِبِ عَينيه، وكان من الممكن أن يحيى.. ولكن الضرب المُبرح الذي تلقاه من عساكر الأمن المركزي على رأسه وجسده جعله يفقد الوعي تماماً، وحين لَحقه رفاق المعركة ونقلوه إلى مستشفى القصر العيني.. كان قد فقد حياته. أغلب أصدقاء «عمرو»، في الكلية وقدامى المدرسة، لم يكونوا في الأحداث، ولكن بعد وفاته قَسَّموا قلبه على قلوبهم، وصار جزءً أساسياً من حياتهم هو جَلب حقه، صلُّوا عليه «صلاة عيد لا صلاةَ جنازة» كما وصفها صديقه، ثم تفاوضوا مع الكلية ونجحوا في تَسمية أحد المُدرجات باسمه، يحزنون لأنه ليس بينهم، ويفرحون لأنه باقياً فيهم. والأمر ليسَ ببعيد عما حدث مع «شهاب»، «أخونا شهاب البطل» كما يذكره زملاءه في «ألتراس وايت نايتس»، هؤلاء الذين اعتادوا المشاركة في أغلب أحداث الثورة من 28 يناير، باعتبارهم «جزءً من هذا الوطن»، ولكن الأمر أصبح مُختلفاً حين صَعَدت روح «شهاب» برصاصةٍ في صدره أثناء إسعافه أحد المُصابين في «محمد محمود». فانلة «الألتراس» التي تحمل دماءه صارت بالنسبة لرفاقه خَطاً لا يمكن الرجوع عنه، لم يعد الأمر حُلماً بمستقبلٍ أفضل، أمسى ثأراً حقيقياً مع قتلة يجب أن يَروا فيهم القصاص. «والثأر لا يسقط مهما مر من الوقت»، كما تقول والدة الشهيد «سيد جابر» بلهجتها الصعيدية القوية، «لن تبرد ناري حتى أرى إعدام من قتلوا سيد»، وتُكمل بثقة وتماسك رغم دموعها «ولو متعدموش أنا وأبوه هنروح ناخد تارنا إحنا صعايدة، ولو بعد عشرين سنة تارنا ناخده». السيدة التي تجاوزت الستين عاماً، تؤمن يقيناً بأن القصاص سيأتي بيديها ولو بعد عشرين عاماً، هل يعرف قتلة الشهداء ذلك الإيمان؟، التهدُّج في صوتها وهي تَحْكِي عن «سيد» يختصر كل شيء.. «لما فَهَّمنا كنا الأول خايفين عليه، يا سيد ليخدوك.. يقولي يا أمَّه متخافيش عليَّ»، «أخوه ده مَسكه نام على صِدره هنا، نام عليه وقاله متروحِش، أمك كِبرت وأبوك كِبرت وانتَ ناقصك إيه لو عايز فلوس هَدّيك، قاله لأ هي فلوس؟! هي مسألة فلوس؟ هي مسألة أكل؟ هي مسألة كرامة مسألة حرية»، وذَهب. «سيد» الذي يعمل مشرفاً للسياحة الدينية بوكالة الأهرام لم يكن ينقصه شيئاً، ولكنه نَزَل بحثاً عن أشياءٍ لا يعرفها قاتليه، واستشهد برصاصةٍ في صدره وضربة قوية على رأسه أثناء إسعاف للمُصابين، وأخوه «محمد جابر» الذي حاول مَنعه من الذهاب.. استكمل بقية الأيام في شارع «محمد محمود»، ووالدته العظيمة كانت تَبكي وهي تقول أنها «لَن تبكي حتى ترى قصاص سيّد»، وكلهم سيكونون فداء ذلك «أنا وعيالي وجوزي وكله، وهكمل المسيرة بتاعة سيد». http://www.almasryalyoum.com/sites/d..._lwyt_nyts.jpg الغاز والدهس أيضاً يقتلون كانت «رانيا» تمارس عملها المعتاد في المستشفى الميداني الذي أقيمَ في مسجد «عباد الرحمن» بداخل الشارع، والذي يعتبر أقرب نقطة طبية من الاشتباكاتِ، وظلت طوال ثلاثة أيام تسعف المصابين ليلاً ونهاراً، وفي اليومِ الرابع..الذي أعنف أيام المعركة، قامت قوات الأمن المركزي بإطلاق قنابل غاز بكثافة أكثر من العادي، ليتراجع المتظاهرين للوراء، ويتقدم الأمن حتى يصبحوا أمام المستشفى، وللجبروتِ يطلقون قنابل متتالية عليها، ويمنعون خروج من فيها، ومع توالي الغاز دون توقف.. أصيبت الدكتورة «رانيا» بحالة إغماء، ليحاول زملاءها الخروج بها بعيداً كي تتنفس، ولكن خراطيش الأمن كانت تمنعهم، لتستشهد «رانيا» بالاختناقِ، وتَصعد روحها إلى السماء.كل شهيد هو نقطة تَمنع الرجوع أو اليأس، القتلة لا يعرفون ذلك، وفي «محمد محمود»، كانت أخلاقهم أسوأ من مجرمي الحرب، لم يكن هناك هَيبة لشيءٍ أمامهم، لا مانع من ضرب المُصلّين في المسجد بالخرطوش، لا مانِع من ضربِ المستشفيات الميدانية بالغاز وتعريض المصابين لخطرٍ أكبر، ولا عائِق عندهم أيضاً من منع إسعاف الدكتورة «رانيا»، التي أصبحت الشهيدة الوحيدة في معركة «محمد محمود». بعدها بثلاثة أيام، ورغم أن «معركة محمد محمود» ذاتها كانت قد هدأت، وأُغلق الشارع بالجدران الفاصلة ، إلا أن ذلك لم يمنع من استشهاد «أحمد سيد سرور»، الشاب الصغير الذي رأى عربة الأمن المركزي وهي تتحرك باتجاه اعتصام «مجلس الوزراء» الذي انفصل عن التحرير بهدف الاعتراض على الحكومة الجديدة، صاح أحمد في رفاقَه أن عدد المعتصمين في المجلس قليل وأغلبهم لن يستطيعوا الدفاع عن أنفسهم، جرى بطول شارع القصر العيني، سريعاً كمن يجري نَحو الجنة، وحينَ وَصَل، ومع محاولة المُدرعة الهروب من أمام الثوار.. قامت بدهسِ جسده، لينضم إلى الشهداء. الكذبة الأخيرة لـ«بشر» وعودة «صالح» إلى البيت: كالعادة، لم يَكن «محمد بشر أنور»، الذي أكمل عامه التاسع عشر قبل وقت قليل، يخاف من الغاز أو الرصاص أو الرعب الذي يُحكى عنه في شارع «محمد محمود»، بقدر ما يخاف من والدته وعلى دموعها وقلقها عليه، لذلك فقد كان الأمر بحاجة إلى كذبة واحدة كي يستطيع الذهاب إلى هُناك. أخبر «بشر» والدته أنه سيذهب إلى فرح أحد أصدقاءه، وسيعود ليلاً في وقتٍ متأخر،كم شهيدٍ أو غير شهيد أخبر والدته بذلك كي يستطيع الذهاب إلى التحرير؟، كانت الأجيال الأسبق تَكذب كي تذهب إلى السينما أو تخرج مع أصدقاءها، ولكن هذا الجيل يكذب كي يُسابق بعضه إلى الشهادة. وأم «بشر» سامحته على كذبته، على الرغم من تلك الليلة التي لن تنساها، والتي قضتها تُلاحق الأمل الذي يتضاءل بوجوده حياً، هرولت إلى التحرير حين تأخر وأخبرها أحد أصدقاءه أنه هناك، دعت أن تجده في الشارع وبين الناس ولم تجده، فدعت أن تجده بين المصابين في المستفياتِ ولم تجده، فذهبت إلى المشرحة وهي تدعو ألا تجده، ووجدته. في المُقابل، فإن أم الشَّهيد «أحمد صالح» حمدت الله كثيراً حين علمت يوم 20 نوفمبر أن ابنها، الطالب في جامعة المستقبل ولم يكمل عامه الواحد والعشرين بعد، قد تلقى رصاصة في رقبته ولكنه، والحمد لله، لازال حياً في العناية المركزة بالقصر العيني. 21 يوماً قضتها الأم، تبتهل لله في كل دقيقة، تُمَلّي عينها من الحُسن في وَجه ابنها، وتلامِس يَده برقة كي يشعر في غيبوبته أنها بالجوار، وتلاحق الأمل في كُل ثانية، حتى حين تَنام.. لا تحلم سوى بمستقبلٍ يكون فيه بالبيت. ولكنه قدر الله المَكتوب، ذلك الذي شاءَ أن يهتز الشعير بروحِ أحمد في اليوم الحادي والعشرين من غيبوبته، ليصبح آخر شهداء «محمد محمود»، وظلت أمه لا تحلم حين تنام إلا بأحمدٍ قد عادَ إلى البيتِ. http://www.almasryalyoum.com/sites/d...yd_syd_jbr.jpg ما يتبقى لنا عشرات الأرواح هزّت الشعير في ستةِ أيام، عشرات الأسماء والصور والحكايات، عشرات الحيوات الطويلة انتهت برصاصة أو قنبلة غاز، عشرات الأمهات صِرْنَ ثَكِلات بقلوبٍ لن تَنْدَمِل، عشرات وعشرات يجب أن نحفظ أسماءهم ونرتّل ما نعرفه عن حياتهم، نفرح ونُسر ونحن نتحدث عنهم، لأن ذلك هو ما يبقى لنا منهم، وهم سيظلوا دوماً خير من فينا.«عَظّم شهيدك/كل دم يسيل على أرض مصرية عظيم الجاه/قول كل حرف في اسمه واتهجاه/شوف البَطَل». فؤاد حداد |
رد: مخطط تصفيه الثوره ,,
2-«عيون الحرية».. النور الذي يُحيي التماثيل
محمد المصري http://www.almasryalyoum.com//sites/.../03/228/17.jpg في ذلك الوقت، وطوال ستة أيام دارت فيهم المعركة بشارع «محمد محمود»، كان واضحاً أن المقصود ليس التفريق أو الترهيب، ولكن الانتقام والقتل، ولذلك كان كل ضابط وعسكري يمارس هواية يومية في الاختيار بين عيون الناس وصدورهم. http://www.almasryalyoum.com/sites/d...njyb_mhfwz.jpgوما حدث أن ذلك لَم ينل من إرادة أحد، فبدلاً من أن تؤدي تلك الممارسات الإجرامية للخوف والرهبة، أو نَدم المُبتلى في عينيه بأنه لن يرى بها ثانية، صار هناك أبطالاً نفخر بهم، رموزاً للقوة والإيمان، ومُلهمين للثورة. وفي جمعة «رد الاعتبار للشهداء» يوم 2 ديسمبر الذي تلى الأحداث، كانت واحدة من أعظم تفاصيل الثورة المصرية: قيام الثوار بوضع الشاش على أعين التماثيل المتفرقة في الشوارع، ليبدو أن تاريخ مصر كاملاً يُشارك في تلك اللحظة، يقف وراء المتظاهرين في «محمد محمد»، ويؤانس الأبطال الذين فقدوا عيونهم: مِسك الشَّيخ في يدِ الضَّرير وَقتها، «عُمر مَكرم» كان شاهداً على ما يَحدث منذ الصباح، يَقِفُ هادئاً كما يَليقُ بشيخٍ عَجوز، ورغم الحُزن الشديد الذي شَعره حين اقتحمت قوات الأمن ساحَة الميدان، وضَربت المُصابين والمُعتصمين، إلا أنه حافظ على ثباته، مُسَبَحاً وداعياً لله في سِرّه. ما دَفع الشَّيخ حَقاً للغضب هو مرور "أحمد حرارة" بجواره، مَحمولاً على الأكتاف، والناس حَوله يُحَوْقِلون ويتهامَسُون، عن ذلك الطبيب الذي فَقد عَينه في الثورة الأولى، يَوم 28 يناير، وظل مُصمماً على التوجُدِ في كُل الأحداث من ذَلِك الوقت، حتى أصيبَ منذ قليل في العينِ الأخرى، وأصبح، لا حَول الله، في خَطر ألا يَرى ثانيةً. عين «حرارة» كانت الدليل الأول في نُوفمبر البعيد هذا على أن «ثورة ثانية» آتية، وأن المَعركة القادِمة لن تنتهي قريباً، وأنّ النُّور الذي صَار يَخجل من عيونِه، سيَجِدُ طَريقاً آخر إلى قلوبِ الناس، تماماً كقلبِ «عمر مَكرم» الواقف بالجوار، وقرر في تِلك اللحظة أن يترك مَكانه ويذهب بين الثوار. تَرَجَّل لدقائق من أمامِ مَسجده ليذهب إلى شارع «محمد محمود» في النّاحيةِ الأخرى، دَخَلَ ثائِراً، يَشُمُّ الغاز ويَحْدِفُ الطُّوب ويَصيح مُحَفزاً بين الحين والآخر «الله أكبر»، فيزداد الناس أملاً وإيماناً، قبل أن يَؤمّ الشهداء في كُل موعد للصلاة، ويُذكرهم بأن الله الذي حَفِظَ إبراهيم من النَّار.. سيحفظ الثوار أيضاً. لأيامٍ ظلَّ يَفعل ذَلك، يَدعو لحرارة في كُل وقت، ويُتابع أخباره من بعيد، ويحزن حَتى بياضِ العين حين يَعرف بأنه لَن يرى ثانيةً. ولَم يَترك «عُمَر مَكرم» الشارع إلا حينَ علم أن حرارة نَزِل إلى الميدان، ليزيد من حماسِ ثواره ويقينهم، هَرْوَلَ الشَّيخ إلى الكَعْكَة، اقترب من الجَسَدِ ذو الوَجه المُبتسم، و«حرارة» لَم يَرَ.. ولكنه شَعر بمن يُقبّله فَوق رأسه، وحين حاوَل أن يُمسِك بيد المُقبّل، لَم يَشعر إلا بمسكٍ طَيّب الرَّائحة. نَجِيب الذي تَرَكَ الكَنَبَة ونَزِل إلى الميدان http://www.almasryalyoum.com/sites/d...6/m_klthwm.jpgلم يَكُن «نجيب» مع الثورة حينَ قامِت، أو –في أفضلِ الأحوال- كان موقفه حيادياً ومتأملاً لما يحدث، كان مُكتفياً بما جاءَ في خِطابِ 1 فبراير، ويراه مثالياً، صَحيح أنه شَعِرَ بالفرح في لحظة التنحّي، ولكن ذلك كان لأنه يرى تِلك اللحظة، التاريخية دونَ شَك، وليسَ يقيناً بشأنِ الثورة ومسارها. ظَلّ مُتابعاً لشهورٍ، يَشعر بالقلق أغلب الوَقت، يتذكر آفة النسيان في حارتنا، ويخافُ من الثورات يُنفذها الشُّجعان، ولكن الفائز في النهاية هم الدهاة والجبناء، يؤمن بالطَّرِف الثالث وبالأيادي الخفيّة، لذلك فهو لم يذهب إلى الميدان في أيّ مرة، وفضَّل أن يُتابع صامتاً، دون اتخاذ أي موقف. وحده «رضا عبدالعزيز» هو الذي دَفَعَه للنزول، كان يَسمع لأيامٍ عن الاشتباكات الدائرة، عن العيونِ التي تّذهب، والشُّهداء الذين يَصعدون، عن الميدان.. وشارعه.. والحياة التي ارتدَّت فيهم، ويتابع الناس وهم يحتفلون –رغم خسائرهم- بما بدا أنها حرباً لحريّتهم، حتى عَرِفَ –عن طريق مقال «إبراهيم عبد المجيد» الذي داوَم على قراءته- بحكاية «رضا». «رضا عبدالعزيز محمد زُهير» كما حَفِظَ اسمه، الشاب الصغير.. ضئيل الحَجم، الذي لا يزيد عمره عن 19 عاماً، الفقير، الذي يعيش في «عزبة الخصوص»، والذي أنهى وَردية عَمله يوم 20 نوفمبر واتجه نَحو الميدان، ليساهِم في نقلِ الجرحى، وأثناء إسعافه لمصابٍ.. اقتربت منه عربة أمن مَركزي.. وقامَ عَسكري بإطلاق الخرطوش على عَينيه، ليفقد «رضا» النّور كُله. فَكَّر «نجيب»، بأن هؤلاء الفقراء هم مَن ظل يَكتب عَنهم، وأرادَ أن يُعرّف العالم بأجملَ ما فيهم، وأن شاباً صَغيراً عَرِفَ الإيمان لآخر ما يكون كان هو –ببساطة- «أجمل ما فيهم»، ما يَصلح –كما فَكَّر- لفصلٍ حادي عَشر في «الحرافيش» لو كان قادراً على الكتابة. تَحرّك «نجيب» بهدوء من مَكانِه في ميدان «سفنكس»، مُستنداً على عَصاه، طَلِع إلى كُوبري «مايو»، ومَشى على كورنيش النّيل، حتى وَصَلَ إلى التحرير، وعلى الرغم من أنه لم يَدخل إلى شارع «محمد محمود» إلا أنه جَلَس في مُنتصف الميدان، بنظرٍ مُعلقٍ عَليه، وحينَ علِمَ أن «رضا» سافَرَ إلى ألمانيا لإجراء عَملية، قام بالدُّعاء كَثيراً، وقرر أن يَستقبله في المَطار حين يعود. قلبُ «أم كلثوم» الذي لم يَحْتَمِل حَيّها الهادئ في الزمالك لم يكن ينقل بدقة ما يحدث، فقط سَمعت بعض الكلمات المتناثرة على مدار أيام حول ما يحدث هناك في «محمد محمود»، وحول كونها اشتباكات ظنت أنها عادية. لم تُدرك «أم كلثوم» ما يحدث إلا في يومِ تلك المسيرة التي مرّت أمامها في شارع أبو الفدا بعد أسبوع من بدء المعركة، كان المتظاهرون يضعون شاشاً على عينٍ من أعينهم، ويحملون صوراً كثيرة لرفاقٍ لهم أصيبوا في العينِ. ابتسامة «مالك مصطفى» كانت أكبر مما يحتمل قلب أم كلثوم، صورته الشهيرة التي حملها رفاقه كانت قاسية، يسير قوياً بعد أن أصيب، مُبتسماً رغم كل تلك الدماء على كوفيّته، ويشعر النَّاظرين بالخَجَل والرغبة في أن نكون أقوى، فقط لأجلِ عينيه. و«أم كلثوم»، التي لم تترك حَيها منذ سنين، نزلت بَين الناس، وَضعت هي الأخرى شاشاً على عينيها وثارت في المسيرة، وحين وصلت إلى الميدان.. ألقت السلام على نجيب الجالس في هدوء وهنأته على «نوبل» للمرة الأولى، ثم وقفت بجانب الدكتورة «رانيا فؤاد»، الشهيدة الوحيدة في الأحداث، لتصلي وراء «عمر مكرم» وبقية الشهداء. وفي المساء، ورغم كل شيء يحدث، حافظ المصريون على عادتهم الوحيدة التي أبقوا عليها طوال عقود، وملأ صوتها سماء القاهرة من كل الراديوهات، وسَمعته مع السامعين. الراديو كان يذيع «رق الحبيب»، والناس بدوا طَيّبين وبخير، نَسوا كل شيء إلا صوتها، وحين وصلت إلى الجزء الذي تقول فيه «حرمت عيني الليل من النوم لاجل النهار ما يطمني»، ظنّت أم كلثوم أنها سَمعتها «حرمت عيني من النور»، فابتسمت وأدمَعَت، وقررت أن تبيت بالميدان في تلك الليلة. |
رد: مخطط تصفيه الثوره ,,
3- «حامل العلم»: أتعجب من ثباتي بالصفوف الأمامية.. وأشعر بحسرة على الشهداء
صفاء سرور http://www.almasryalyoum.com//sites/...3/228/0676.jpg صورته الشهيرة في الصفوف الأمامية أثناء اشتباكات شارع «محمد محمود»، مازالت حاضرة في الأذهان بكل ما تحمله من حماس وما تثيره من دهشة، تعتريه هو نفسه، كلما طالع تسجيلات وصوراً يظهر فيها واقفا بيدين عاريتين إلا من علماً لمصر أسفله آخر يحمل صورة «الشهيد مينا دانيال»، بينما تتطاير حوله طلقات الخرطوش ويحيط به دخان قنابل الغاز، التي تخفي ملامح الشارع. يحاصره خطر موت محتمل على يد جنود أمن مسلحين، يقفون على بُعد خطوات منه. «ليتها ما كانت، وحسبي الله ونعم الوكيل. فقد مات أناس لا يستحقون الموت من أجل أناس لا يستحقون الحياة».. بتلك العبارات، يؤكد الناشط السياسي «طارق معوض» والذي اشتهر إبان أحداث «محمد محمود» بلقب «حامل العلم» أنه، ولو عاد به الوقت، ما كان ليشارك في الأحداث، ويحمل العلم الشهير لمصر وصورة مينا دانيال، أو يقف في الصفوف الأمامية للمواجهة، وذلك بعد ما آل إليه الوضع السياسي في مصر، بحسب قوله. في الذكرى الأولى لأحداث «محمد محمود»، يقول «طارق» لـ«بوابة المصري اليوم»، أن الأحداث كانت، في اعتقاده، بمثابة «تصفية للثوار واستنزاف لقواهم»، معتبراً أن كل ما وقع كان «مدروساً» وما فعله الشباب سواء من استشهدوا أو أصيبوا وفقدوا أعينهم «ذهب جُفاءً، ولم يعطل إتمام الصفقات التي أرادت أطراف بعينها اتمامها». ويتابع تقييمه لما صار قائلاً «مواجهاتنا في محمد محمود، كانت أملاً منا في التغيير، لكنهم بدأوا المواجهة وأنهوها وقتما شاؤوا» مضيفاً «ولو كنت أعلم النتائج، ما كنت لأشارك. فأنا أشعر الآن ليس بالندم، ولكن بالحسرة، لأن الشهداء لم تتحقق أهدافهم التي ماتوا في سبيلها، وما يزيد الحسرة أنه وبعد عام على الأحداث، لم يسكن كل ساكن مسكنه، وحصد الطرف الذي أحجم عن المشاركة واتهمنا بالبلطجة (الإخوان) ما زرعناه نحن وارتوى بدمائنا، وبات يحقق أهدافه وأحلامه». يسرد طارق، مشاهد مازالت حية بذاكرته، ويقول «شاركت منذ اللحظة الأولى لتواجدي قبلها مع المصابين وأسر الشهداء في الميدان، ولم أخطط للدخول بالعلم.. لكن بعد ما فعلتها في اليوم الأول، استشعرت قيمته الكبيرة والتي زادت بمرور الوقت. فقد شعرت بأنه يزيد من حماس المشاركين، وأستطيع الجزم بأن دوره، أحياناً، كان كدور الإسعاف، فهذا ينقذ شخصاً والعلم ينقذ الروح الثورية داخل الموجودين كلما خمدت أو شعروا بهزيمة وفقدان أمل أثناء المواجهات، فوجودي وصديقي مايكل بالعلم على الخط الأمامي، وما به من احتمالات قتلنا، شجع كثيرين على التقدم». عن الخوف من المواجهات، يقول «لم أخش الاعتقال، أما الموت، فقد كان خوفي فقط من إتيانه قبل التغيير، والذي بسبب الأمل في قدومه أصبح شارع محمد محمود مسكناً لي لمدة 6 أيام، فلم أكن أخرج منه إلا للعلاج من إصابات أذكر أن بعضها كان في رأسي وظهري، وذراعي» ويضيف «كلما حاول النوم مغالبتي، غلبته بالقفز بالعلم في مكاني، وهو ما دفع أصدقائي، في آخر أيام الاشتباكات، لدس المنوم لي في العصير، خوفاً على من المشاركة المتواصلة دون راحة». بعضاً من التفاؤل، آتاه بعد نهاية الأيام الستة، وعنه يحكي، قائلاً «بانتهاء الاشتباكات، وما نتج عنها سياسياً، شعرت بالانتصار. لكن بمرور الوقت ومن زاوية أكبر رأيت أن المحصلة صفر، والسبب ليس فقط استمرار الظلم، لكن لما آلت إليه الحالة الثورية، فالذي خذل الثوار، حصد، والذي كان يكفرهم، ينزل الآن ميدان التحرير ويفرض مطالبه باسم (الشعب يريد)». وعن «محمود محمود» الآن، يقول «أتعجب من ثباتي وقت المواجهات، رغم حزني الذي يصل حد البكاء، الآن، كلما شاهدت تسجيلاتها» مستدركاً «لكنني، وللأسف مازلت أحب شارع محمد محمود، رغم كراهيتي لدموية أحداثه التي سرقت مني ثلاثة أصدقاء، وربما يكون ذلك الحب لأن أحداثه كان بداية إنكشاف نوايا كل طرف، ووضوحه على حقيقته». من حيث بدأ، يعوض «طارق» لينهي حديثه، مؤكداً أن إحباطه بسبب أن «الثورة كان لابد وأن تأتِ بمرشحها، بدلاً مما كان، حيث جائت نهايتها عبر انتخابات، تساوى فيها صوت رافض الثورة، بمن تعرضوا للقتل في سبيلها». |
رد: مخطط تصفيه الثوره ,,
4- «ألتراس محمد محمود» يتذكر «لحظات الثبات وفقدان الرفاق»
صفاء سرور http://www.almasryalyoum.com//sites/.../23/228/10.jpg من المدرج المزدان بالأعلام إلى الشارع الذي يُمطره الرصاص وتخفي معالمه أدخنة قنابل الغاز، بعيدة هي المسافة، وبالنسبة له، كثيرة أيضاً الفروق.. لكنه، وربما بصورة لا إرادية، تغلب على كل ذلك، فقط، بأغنيات وهتافات، كانت بجانب «أخوته»، ونيساً له أثناء معركة «محمد محمود»، والتي يؤكد أن انتمائه لرابطة قدمت شهداء لم تجعله مجرد مشاركاً بها، بل حولته إلى جزء منها والقضية. لم يكن يوم 19 نوفمبر، المرة الأولى التي يشارك فيها «أ»، أحد أفراد رابطة «ألتراس وايت نايتس»، في اشتباكات داخل شارع «محمد محمود»، حيث يشير إلى أن البداية كانت خلال الـ«18 يوم» حينما وقعت بعض المناوشات في الشارع، وأنه اشترك فيها وعدد من أصدقائه بالرابطة، قائلاً: «ومن هنا بدأت خبرتي بالشارع تتشكل، مع حفظ مداخله ومخارجه». يحكي «أ» لـ«بوابة المصري اليوم» عن قصته مع مواجهات«محمد محمود» منذ بدايتها، قائلاً: «أدت مشاركتنا خلال الـ(18 يوم) لزيادة حدة الهجوم الأمني على الألتراس سواء (أهلاوي) أو (وايت نايتس) عن أي وقت مضى، كما كان بالاعتداء على جمهور الأهلي في مباراة فريقه وكيما أسوان، وكذلك الهجوم على جمهور الزمالك في مباراة فريقه مع وادي دجلة، والقبض على بعض أفراد الـ(وايت نايتس) بمباراة الزمالك واتحاد الشرطة». ويضيف: «كل ذلك عنى، بالنسبة لنا، أن الأمن لم يتعلم درس 25 يناير، وأن نفس الضباط الذين يقومون بالتعدي علينا أثناء المبارايات، مازالوا يتعاملون بنفس العقلية القمعية، مما أكد لي كأحد أفراد الألتراس أن الثأر الذي حسبناه انتهى بعد (28 يناير) مازال مستمراً». عن مشاركته بالأحداث، يقول: «حينما علمت ببداية الاشتباكات، كنت على مسافة بعيدة جداً من الميدان، وقد أكد لي أصدقائي المتواجدون بالشارع وقوع إصابات واستهداف للعيون، لذلك قرار المشاركة لم يحتاج لتفكير، خاصة وأنني علمت بضرب قوات الأمن لأسر الشهداء، وهو ما لم أتخيله أو أقبله». ويتذكر: «في أول أيام المواجهات، دخلت الشارع بمفردي، وسرعان ما التقيت بزملاء لي كانوا قد سبقوني. وانشغلنا هناك بالمعركة، كنا لا نفكر إلا في صد الهجوم وعدم التراجع، انشغلنا لدرجة أننا إضطررنا للمبيت في أول ليلة في قلب ميدان التحرير». وينفي «أ» فكرة التخطيط للاشتباك، قائلاً: «لا نضع خططاً للمواجهات، كما قد يظن البعض. فالفعل يكون تلقائياً، وبوقت الاشتباكات لا ينشغل فرد الألتراس بشئ سواها، فدرونا ينصب على المواجهة، حتى لو رأينا مصاباً، ننقله سريعا لموقع الإسعاف ونعاود القيام بدورنا، وهو ما كان على مدار أيام الاشتباكات، من يوم 19 وحتى لحظة بناء الجدار». خوضه للمعارك ليست اختياراً، هكذا يؤكد «أ» قائلاً: «لسنا مثيري شغب، كما يعتقد البعض، ولا نهوى مشاهدة دم يسيل، لكنهم الشهداء، فشهدائنا جعلوني جزءً من تكوين المعارك، وذلك بعيداً عن أن مصريتنا وثوريتنا تفرض ذلك» ويستدرك «لكننا، رغم ذلك، لا نخشى الاشتباكات. فرد الألتراس الحقيقي لا يخاف، بل إن منا من يفرح بإصابته، لأنها تتحول لذكرى بالنسبة له ولأخواته». رغم مرور عام كامل على الأحداث، يقول «أ»: «في كل مرة أدخل الشارع، أشعر وكأنها أول مرة تطأه قدميّ». مشيراً إلى أن «أحداث محمد محمود، هي روح الثورة، حتى بمقارنته بالأيام الأولى للثورة، فاشتباكاته كانت متواصلة، وعلى عكس الـ18 يوماً التي كانت أحداثها في كل مصر، انحصرت أحداثه في شارع، لا مفر منه للطرفين. كما أن صعوبة محمد محمود، التي زادت من إصرارنا هو رفض البعض مساندتنا، باعتباره تعطيل لمسيرة الانتخابات». حل شهر «محمد محمود» على «أ»، فرد الألتراس، مثيراً في نفسه شعوراً بانتصار مرارة فقدان الرفاق على سعادة ذكرى الثبات والمواجهة، وذلك «لأن النتيجة إن الناس شاركت رغم كل من وقف ضد الأحداث وشوههم، وكان بيننا وبين الموت خطوات تقل وتزداد على مدى 6 أيام، ليجني بعدها من كرهوا الشارع المكاسب، كما أنه لم يتغير شئ من استمرار تشويه الإعلام لنا، إلى استمرار سياسات القمع، وكذلك ضياع حق الشهداء». |
رد: مخطط تصفيه الثوره ,,
5- محمد محمود.. سبعة أيام في جزيرة دخان
http://www.almasryalyoum.com//sites/...3/228/1276.jpg رانيا إبراهيم أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما، هل ترى؟.. هي أشياء لا تشترى»، بالمثل.. كانت «عيون محمد محمود» وأرواح شهداءه قد ذهبت ضريبة الدفاع عن الثورة والحرية والكرامة، حيث بدأ كل شيء بوضع «خط أحمر» عند مصابي الثورة وأهالي الشهداء ورفضاً لأي إهانة لهم، وتحول على مدار سبعة أيام إلى ملحمة كبيرة في الثورة، وأصبح الشارع الطويل، الذي اقترن اسمه بعد ذلك بالحرية قبل أي شيء، هو «فرقان ثورتنا» كما وصفه أحد شاهديه، «هو عقيدة ولاءنا وبراءنا، نوالي من رمى فيه بحجر أو بهتاف، ونبرأ ممن ظاهر علينا أعداءنا ولو بكلمة». مع محاولات الشرطة المتتالية في التفريق العنيف، وكأن معركة الحصول على الميدان كتب لها أن تكون البداية لكل لحظات الثورة الكبرى منذ 25 يناير، «كان على المتظاهرين الصمود أمام العنف والقبض العشوائي على بعضهم مع العدد القليل، والصمود كذلك أمام نظرة أصحاب المحلات وقاطني الشارع المحملة باللوم، إذا لم تمتد لما هو أكبر كشتائم أو مساعدة في القبض عليهم» كما يستعيد أحد مصابي الثورة أحداث ذلك اليوم.في هذا الموضوع، يسرد علينا شهود «محمد محمود» ما جرى في سبعة أيام داخل الشارع: «ضربوا أهالى الشهداء» جملة من ثلاث كلمات بدأت معركة استمرت لأكثر من ستة أيام، حيث قررت قوات الأمن المركزي أن تخلي ميدان التحرير من أهالي الشهداء والمصابين الذين بقوا فيه بعد «جمعة المطلب الواحد»، ولم يزد عددهم عن 100 شخص، لاسترجاع «ميدانهم الحضاري» حتى لو على أجساد المصابين والأهالي، ليظهر جندي شرطة مبتسم في أحد الفيديوهات وهو يقول «ياعم محصلوش حاجة»، وخلفه أحد مصابي الثورة ملقى على الأرض، شبه فاقد للوعي، قبل أن يطل أحد لواءات الشرطة،المشاركين فى «الفض»، ليؤكد أن «أهالى الشهداء والمصابين تركوا الميدان أمس والباقي هم باعة جائلين وبلطجية، وتم التعامل معهم». وفي صباح ذلك اليوم، السبت 19 نوفمبر، جاء رد الفعل سريعا، فمجرد انتشار خبر فض الاعتصام وضرب أهالي الشهداء على المواقع الاجتماعية، سارع المئات بالنزول إلى الميدان لمساندة الأهالي والمصابين، ورد كرامتهم التي هي كرامة الثورة، لتبدأ معركة بين الثوار والأمن أساسها هو الكر والفر. «متجمعين فى الشوارع الجانبية بنحاول نلم نفسنا علشان نرجع الميدان تاني» لتستمر المعركة لساعات.. زاد عدد الثوار الوافدين، واستطاعوا استرداد الميدان والتمركز فيه، وحصر قوات الداخلية فقط بداخل شارع «محمد محمود»، وما كان يبدو أنه نهاية للاشتباكات كان في الحقيقة بداية لكل شيء، تحديداً حين فقأت أول عين لـ«ثائر». «جت في عين الواد، جدع يا باشا» قصة «أحمد حرارة» الذي فقد عينه الأولى في 28 يناير والثانية في ذلك اليوم، وابتسامة «مالك مصطفى» القوية «التي تجعلك عاجزاً أمام صموده وتفكر «يا ريتك ما ابتسمت» قبل أن يجبرك على الاستمرار»، ثم الفيديو الموثق لـ«أحمد عبدالفتاح»، صحفي الفيديو ببوابة المصري اليوم، الذي جاءت الرصاصة في عينه أثناء عمله وتوثيقه للأحداث بداخل الشارع، «ثلاثة عيون أشعلت الثورة من جديد»، لتوافد المزيد على الميدان. حتى محاولة الفض التي قامت بها الداخلية في قرابة السادسة مساءً، سرعان ما جمع الثوار أنفسهم من جديد مع قدوم الألتراس وبدأوا في محاولة العودة من ناحية طلعت حرب وقصر النيل في وقت واحد، ليستردوا الميدان، وتشتعل المعركة من جديد في شارع واحد. ومع سقوط أول شهيد في العاشرة والنصف مساءً، والذي كان –قدراً- يحمل اسماً مقارباً للشارع «أحمد محمود محمد»، بدا أن تلك نقطة لا يمكن الرجوع عنها، ترد الحياة للميدان والثورة. «الميدان بدأ يتملي، الثورة رجعت الشارع تاني» ظلت المعركة مستمرة لساعات ليل وصباح 20 نوفمبر، «كانت جملة «الداخلية بتضرب» أشبة بالآذان، يلبي الجميع النداء دون اتفاق، ويتوافدون على ميدانهم، دون حتى معرفة سبب بداية الاشتباكات أو التفكير في المرجو من تلك المعركة» بحسب ما يروي أحد المتظاهرين طريقة تجمع الناس في الميدان حينها، «فالمؤكد لنا أن الداخلية تقوم بالضرب وبشكل لا يحترم أي معايير أو قواعد إنسانية، وهو سبب كافي لمواجهتها»، «فمقولة الداخلية بلطجية ثابتة إلى أن يثبت العكس في يوم ما». والميدان تحول لاعتصام مفتوح للمرة الأولى منذ أربعة أشهر، أغلقت مداخله وازداد الناس فيه، ومحمد محمود كان أشبة بفوهة البركان التي يخرج دخانها في كل لحظة، حيث يقابل الناس بطش الداخلية وأي محاولة منها لدخول الميدان من جديد، وحين حدث ذلك، في الرابعة والنصف.. جاء بمساعدة قوات الجيش.. في واحد من أكثر مشاهد الثورة عنفاً ودموية. «سحلوا المتظاهرين ورموهم في الزبالة» «حدثت «الكماشة» على المتواجدين في الميدان، الداخلية هجمت بعنف من شارع «محمد محمود»، والجيش ساندها بالهجوم من «القصر العيني»، وانحصر الثوار في المنتصف». أمام «قوات تتحرك بغل اتجاه كل المتظاهرين المتواجدين بالميدان»، «هؤلاء» الذين سببوا لها كل هذا الإزعاج والإرهاق طوال ساعات، هكذا وصف المشهد واحدا ممن عاصروه و«بغل العدو» كما يصفه أحد الثوار، قامت القوتين باقتحام الميدان، وضرب المتظاهرين بقسوة، وسحلهم للجثث المتكومة في جانب الطريق في مشهد أقرب لمدافن الحرب الجماعية، ليسقط في هذا اليوم أكبر عدد من الشهداء، سواء بالرصاص أو بالاختناق أو بكسور في الجمجمة، ويتم تسجيل الجريمة المخزية في العديد من الوثائق المصورة، لتصبح «نهاية أسطورة الجيش الذي حمى الصورة، فالجيش يقتل أهل بلده في وضح النهار» حسب تعبير أحد الثوار الذين حضروا هذا اليوم. وجاء «فض الاعتصام» بتلك الوحشية بنتيجة عكسية، حيث تجمع الثوار مرة ثانية ليستردوا ميدانهم، وتزايدت الأعداد بقوة، زيادة شعر الكثيرين معها بأن «بنسيون حريتنا رجع تاني، والثورة رجعت الميدان»، ميدان ملىء بأطياف وطبقات من المصريين، عائلات وشباب وأناس من كل الأعمار، يهتفون بصوت واضح «الشعب يريد إسقاط المشير» و«يسقط يسقط حكم العسكر». «الميدان مليان، بس الثورة المرة دي في الشارع ده» لتظل «الثورة مستمرة» كما تقول اللافتات وقتها، مع تحول مشهد الميدان إلى سحابة سوداء كبيرة يتخللها مشاهد أصغر لبشر متواجدين بالمكان، فالاشتباكات مستمرة لليوم الرابع على التوالي، «الداخلية» تلقي غاز مسيل للدموع، بكثافة، فيرد المتظاهرون بأجسادهم والحجارة، واستمر عداد الموت والدم فى الحساب، وشباب مصر على استكمال المعركة حتى النهاية، فالمعركة أصبحت «معركة شخصية» بين طرفين.يحكي أحد المتظاهرين «بدا أن الداخلية قد تعلمت الدرس، وأدركت أن الميدان هو المكان المقدس للمتظاهرين، وأن الاقتراب منه وفضه اعتصامه لا يكون إلا بالعنف والدم الشديد الذي تسجله الكاميرات، ويشوه صورتها أمام العالم وأمام جموع الشعب المصري الذي لايزال البعض منه يرى الأمل في أن تعود الداخلية بصفحة جديدة بيضاء وينفي مسئوليتها عن كل ما يحدث». ويصف ما حدث بـ«تعديل بسيط في بوصلة المعركة يمكن أن يساهم في تغيير كل شيء: فبدلا من أن تكون الداخلية هي التي تهاجم المتظاهرين والميدان، أصبحت الضحية التى تدافع عن نفسها من بعض «المشاغبين» الذين يحاولون اقتحام الداخلية، وأنها «تقوم بالدفاع عن هيبة الدولة وحماية منشآتها» كما تم تصدير ذلك في وسائل الإعلام المختلفة». لتنحصر المعركة، كما يرويها لنا الراوي، في الشارع المظلم البعيد عن كاميرات التلفزيون، ويتحول إلى «جزيرة دخان» معزولة ومنفصلة عن كل ما حولها، عشرات الآلاف في الميدان، ومئات فقط يدافعون عنهم في «محمد محمود»، وتمارس الداخلية ضدهم كل أنواع الانتهاكات والانتقام، من الرصاص الحي حتى القنابل التي لا تتوقف، مروراً بفقئ العيون والخراطيش التي تستهدف الصدر والوجه، في جرائم حرب استمرت لأيامٍ. «بقت المعركة مع الوقت إننا نقولهم مش خايفين ومش هنمشي ولا هننكسر، وإن الإيمان والحجر اللي في إيدنا أقوى من كل الأسلحة اللي معاكم» وما حدث أن «الثوار» ازدادوا تصميماً مع كل شهيد يسقط أو عين تذهب، فهذا هو «لوكي»..أحد شباب بولاق الدكرور، الذي بمجرد سماعه «الداخلية رجعت تضرب تاني»، أنطلق لوجهته ميدان التحرير، وانضم للمتظاهرين، مصمما على الدخول للصفوف الأولى ليكون في مواجهة مباشرة معهم، فبينه وبينهم «تار بايت» حسب الوصف، وجاءت الفرصة لأخذه، رؤيته لمنظر الدم في مصاب بجانبه وسط صراخ رفيق أخر يهتف «ما توطيش ما توطيش أدى ضهرك له وهو بيضرب المطاطي..ما توطيش»،وفى أحيانٍ أخرى يسقط بجانبه شهيد فيجد نفسه مضطر أن يحمله بعيدا عن الاشتباكات، في مكان أمن داخل الميدان حيث الاسعافات والاستعدادات، ليعود مرة أخرى وعلى مدار أيام المعركة كامل، ليكمل «ثأره» مع الداخلية الذي يكبر كلما سالت دماء على أرض هذا الشارع. الشارع، الذي بمجرد الاقتراب منه تبدأ موسيقى تصويرية أساسها «الشعب يريد إسقاط المشير» و«اثبت اثبت مفيش حاجة»، مع الإضاءة التي تخفت وتزداد قتامة كلما توغل فيه أحداث الثائرين، إلى أن تنتهي بظلام يتضمن خيال أشباح، تضيئه الشماريخ التى عادة تكون علامة ثبات واطمئنان مقابل ضوء سيارات الداخلية التى تستخدمه للتصويب على المتظاهرين، مع هبوب رياح القنابل المسيلة في كل لحظة، «وكأنك غطست فجأة في عاصفة دخانية، تسارع بالهرب منها لتتنفس هواء نقى من جديد وبمجرد خروجك من المشهد لتجد نفسك انتقلت فجأة لدفىء الميدان الملىء ببهجة العزيمة والاصرار». ووسط هتافات الميدان، هُناك «سارينة الإسعاف» التى تستمر طوال الوقت فى مجىء وذهاب لنقل المصابين من شارع محمد محمود، وبمجرد سماعها تصطف الجموع بتلقائية وكأنها مدربة فى بروفات سابقة على وقفة محددة، ما إن تسمع الصوت يتخذ كل فرد مكانه، ليتسع الطريق، وللخوف من أن طول الوقت قد يرهق البعض ويثينه عن أداء دوره المطلوب منه قام المعتصمين بعمل سلسلة بشرية داخل الميدان ممسوكة بحبال، ترسم طريق داخل الميدان، يكون مسار مرسوم للاسعاف وأبطال الموتوسيكلات، الذين لم يجدوا ما يقدموه سوى «فسبا» يدخلوا بها داخل الاشتباكات ليخرجوا كل مرة بمصاب جديد في حاجة لمساعدة. «مفيش فرصة لإن تودع أو تعيط أو حتى تحزن على اللي بيروحوا» ووسط كل هذا تنسج التفاصيل والحكايات الصغيرة على عجالة، لاهثة دون التقاط للأنفاس، فأنور الذي وقف ليستريح قليلاً بالقرب من مسجد عمر مكرم، يفيق على صوت أحد سائقى الموتوسيكلات «مين هنا صحفي مين هنا صحفي» لتشاء الأقدار بأن يقوم البعض بالإشارة إليه من بين جموع الواقفين، فيفاجىء بشخص يلقي إليه بورقة منزورعة من نتيجة العام، مكتوبا عليها اسم شاب ورقم تليفون يطلب ممن يجد الورقة أن يتصل بمكانه. ويقف أنور مذهولا بين سائق موتوسيكل ذاب وسط الجماهير، وعليه عبء أن يتصل بأقارب صاحب الورقة ويخبرهم برحيل الغائب، ويجد نفسه «دون رفاهية الاختيار»، حسب تعبيره، يتصل بأخ الشاب مضطرا للكذب عليه، بأن أخوه شارك في الأحداث وبأنه أصيب فقط، لتبدأ رحلة من البحث مع العائلة على شاب، يعلم في قرارة نفسه بأنه الاحتمال الاكبر في الجنة ولكنه قرر التمسك بالأمل الضعيف بأنه حي، لتنتهي محاولات البحث بالاشىء، سوى ورقة النتيجة موضوعة على مكبته، غير قادر حتى على الاتصال بالأهل من جديد. «وبعد كل ده المشير طالع يقول نأسف، نأسف على إيه؟ نأسف على اللي ماتوا واتعوروا واضربوا بالنار؟ الضرب ده كله ببلاش» هكذا علق ماجد وهو يرقد بالمستشفي بعد إصابته بطلق مطاطي في بطنه على خطاب الحاكم العسكري في اليوم الرابع من المعركة، مستنكراً ما يحدث، وأن يكون الرد على استشهاد العشرات وهو يقولون «يسقط يسقط حكم العسكر» هو إقالة حكومة «عصام شرف»، «والعبث الذي وصل إلى قمته بأن يعلن الجيش عن إقامة مستشفى ميداني في ميدان التحرير ليعالج المصابين الذين يسقطون بتعاون قواته مع الداخلية في الشارع القريب، وكذلك عدم الاحترام الكافي للدماء التي سالت برفع شعار «لا تأجيل في موعد الانتخابات». وراجت تجارة الأقنعة، فمع كثافة الدخان وانتشاره على مسافات بعيدة وصولا لأخر الميدان، أصبح بعض الشباب يتنافس في من استطاع شراء أقنعة بإمكانيات عالية وبسعر أرخص، «جبته ب100 جنيه» بابتسامة رضا، فيرد صديقه «ضحك عليك أنا جبته ب80 بس»، فيتفرقوا داخل دخان الاشتباكات، ويلتقوا بالخارج من جديد، «تصور بتاعك أغلى بس شكله مفيد مع الدخان اكتر، أنا بتاعي بيسرب دخان»، بحزن المضحوك عليه. «كنت تروح لقدام كإنك نازل غُطس في الدخان، وتطلع تاخد نفسك عشان ترجع تاني» «وكلما يزداد التقدم كلما يزداد «ظلام الضباب» الذي لا يقلل منه سوى الهتافات الجماعية، «ونيسة الطريق»، وتواجد الجميع معاً «كتف في كتف»، حتى تصل إلى الصف الأمامي فتجد علم «مينا دانيال» مرفوعاً لا ينحني أبداً، يُلهم الثوار في معركتهم، «إن تقدم فنحن منتصرون.. وإن تراجع فنحن محاصرون»، ويحمله اثنين، «مايكل» الذي ينتظر اليوم الذي يوضع فيه العلم في متحف الثورة حين تنتصر، و«طارق» رفيق الشهيد «مينا دانيال»، «قبل ما مينا يموت كنا جسدين بظل واحد بعد ما مات بقيت جسد بروحين،فبحس إن مينا معانا بروحه»، لتهب عاصفة دخانية، من قنابل الغاز، تحول المشهد لكومة من التراب، يعافر كل شخص، للخروج منها، ولا ينجو أحد من البطش، حتى المستشفيات الميدانية التي تضربها الداخلية بالغاز ويصرخ أحد المتظاهرين «ده غلط ده ممنوع»، ليسأله رفيقه عما إذا كان «كل ما يحدث مباح؟!»«في الرحلة للصفوف الأمامية ستمر بلقطات خاطفة، لا تجد وقتا لاستيعابها، ولكنها تُحفظ في ذهنك تلقائيا» يصف أحد الثوار ما كان عليه الشارع: «مابين بعض الواقفين ببخاخات طبية يستقبلون العائدين من الداخل برشها على أعينهم لتجاوز أثر الغاز المسيل، والموتسيكلات التي لا تتوقف عن نقل المصابين، تجد من يخلع قناعه أو كوفيته ووصعه لمن بجانبه، وفتيات كثيرات واقفات في الصفوف الأولى، صامدات وسط الدخان ويدفعن الشباب لمزيد من الصمود، ويهمس أحد الثوار أن «تلك هي فتاة أحلامه»، التي لا يعرف عنها أي شيء سوى أن الثورة وحدتهم، حتى أفراد الأمن المتواجدين وسط المتظاهرين والذين يحاولون كسر إرادة البنات بالتحرش لإجبارهن على ترك المكان، أو بعض المتحرشين الأصليين الذين تواجدوا في أوقاتٍ مضطربة كتلك، لم يغيروا من الأمر شيئاً، وظلت الفتيات هناك يزيدن الإرادة والقوة والتصميم». «مصر لسه بتخسر أحسن ما فيها» ليردد أحد الأطباء في المستشفى الميداني «أول مرة أعيط وأنا بعالج حد، مفروض أكون الشخص الأكثر ثباتاً»، ويكمل «أصل ست عندها سبعين سنة على كرسي بعجل داخلة محمد محمود لوحدها» وعند محاولة منعها يكون ردها «جايز لما يشوفوني يتسكفوا على دمهم». هو من «شلة الدكاترة »، القادمين من عدة محافظات، للمساعدة دون اتفاق أو ترتيب، ليجتمعوا بالصدفة فى المستشفى الميداني، كأن كل شخص «خاف يكلم التاني يقوله انزل»، دون أن يعرفوا أن كل منهم قرر النزول «يمكن معندوش حلول ولا جه في باله هطالب بإيه لما انزل»، لكن، «مكنش ينفع أسيب الناس تتضرب وأقعد في البيت». وبين كل «هؤلاء»، يشرق صباح 28 نوفمبر، على ميدان خالي إلا من قلة، يتخلله بعض السيارات والمارة، يحيط به جدران خرسانية، وأسلاك شائكة، تحميها قوات «صاعقة»، خوفا من تهور بعض «المشاغبين»،فربما يعودون مرة ثانية، لتشهد مصر «عرسا ديمقراطيا»، في الوقت الذي انشغل فيه الثوار إما بالبحث عن المفقودين، أو الاطمئنان على المصابين، وتشييع أجساد الراحلين، يربتوا على كتف بعضهم، يؤكدون على أنهم لن يخذلوا من ذهبوا، وستظل «الثورة مستمرة» لأجلهم، يتذكرون معركة وأيام مجيدة في تاريخ كل منهم، ويرددون على مسامع بعضهم «لا تثق في من لم يشهد محمد محمود».أما مصطفي، طبيب بالقصر العيني فيقول «ربنا ما يوريك»، جملة وصف بها أجواء العمل داخل مستشفى، أغلب العاملين فيه مجرد عاملين،غير راضيين وربما غير مبالين، ووصف بها أيضاً تلاحق الحالات الصعبة التي تأتي في كل دقيقة، ليقوم تلقائياً بجعل مشاعره «على الرف» ليكمل عمله، فليس هناك مجال لأى شعور إنساني، أنت مجرد منقذ للأرواح إذا استطعت. ففى اللحظة التي يموت بين يديك شهيد، يرمي لك القدر فرصة لانقاذ آخر، دون تفكير، «أصل اللى راح راح، فأنت قدامك يا تنقذ شخص، يا تحزن على اللى مات، فأكيد حتنقذ اللى قدامك». «مصر بتخسر أحسن ما فيها»، وصف طبيب ثالث ما يراه أمامه من شباب وأطفال يموتون، أو يرغبون في العودة بحماس إن اكتمل علاجهم، «علشان نكمل ضربهم»، ويصبح الأطباء العمل وسط أجواء أمنية يحاصر فيها الجيش المصابين ليأخذ أسماءهم وعناوينهم أثناء دخول المستشفى، مما يضطر البعض لاختراعِ القصص، مثل زوجين اضطرا لإنكار معرفتهما ببعضهما بعد إصابة الزوج، خوفا على حياة زوجته، فتدعي بأنها وجدت كمصاب ملقى في الشارع. فيقول طبيب رابع أثناء رؤيته حماس الناس للعودة إلى الشارع رغم إصابتهم «دى ناس مش عايزة غير حرية وكرامة، وكرامتنا فوق هيبة أى دولة» راجيا كل من في يده القرار «لازم يكون فيه حل!!». «وفي يوم الانتخابات، ميداننا بقى فاضي» يصف أحد ثوار «محمد محمود» ما جرى بحسرة: «انتظر الجيش حتى اللحظات الأخيرة، بعد ستة أيام من سفك الدماء، وقبل يومين من الانتخابات التي يريد أن تخرج بهدوء، ليقوم بدور «المنقذ» ويقيم جداراً عازلاً بين الثوار والقوات في «محمد محمود»، فيكون بداية النهاية لما يمكن وصفه بـ«المعركة المجهولة»، تشبها بـ«الجندى المجهول» في زمن الحروب، ذلك الجندي الذى يدفع ثمنا غاليا لا يشعر به أحد، لتطول ثماره الجميع، هذا هو حال معركة محمد محمود»، ويضيف أن تلك الأحداث المجيدة «خذلها الجميع في النهاية، سواء القوى السياسية التي فشلت في تنفيذ طلبات الميدان بحكومة إنقاذ وطني أو مجلس رئاسي مدني، أو جماعة الإخوان التي رفضت التواجد طوال أيام المعركة للتركيز في الانتخابات واعتبرت ما يحدث «شغب لتعطيل مسيرة الديمقراطية»، قبل أن تدعو لمليونية «دعم القدس» في الوقت الذي تزهق فيه الأرواح على بعد أمتار، ووصل الخذلان إلى «المواطنين الشرفاء» كما تم تسميتهم، الذين نظموا رغم كل ذلك مليونية لا يحضرها سوى المئات في «العباسية»، ليهتفوا «الجيش والشعب إيد واحدة»، ويساوي الإعلام –كعنصر خذلان آخر- بينهم وبين من استشهدوا وضحوا بعيونهم في «محمد محمود» ليصدر الأمر وكأنه «خلافاً شعبياً». |
الساعة الآن 04:52 AM. |
|
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
www.MasrMotors.com ™ Copyright ©2008 - 2025
Egyptian Automotive Community
جميع الحقوق محفوظة - مصرموتورز 2008 - 2017