مصر موتورز مجتمع السيارات - ارشيف الاستراحة 2011

ميكرع هاكول:

مر يوم العاشر من رمضان علينا في صمت وسكون، دون أن يحاول أحد التذكير بهذا التاريخ، ولربما كان هذا عائد إلى حالة الترقب والسكون التاميّن عما ستسفر عنه محاكمة العادلي ومبارك، ولعل هذا من سخرية القدر، أن من رحمة القدر لو شئت الدقة، فها هو صاحب الضربة الجوية يحاكم في الفترة التي حقق فيها أهم نصر في تاريخه، ولعله أهم نصر في تاريخ مصر لو شئت الدقة.
أثناء دراستي الجامعية، كان ربنا رزقني بمجموعة من الأصدقاء الذين يجب ضمهم إلى ما يطلق عليه لفظ (الطابور الخامس) بدقة، فكلما تحدث أحد عن جانب إيجابي تجد حالة الإحباط لديهم قادرة على تسفيه أي ابتسامة قد ترتسم على ملامح هذا البلد العجوز، بعدها قرأت كتب محمد حسنين هيكل عن الحرب وكتاب التقصير الإسرائيلي الشهير الذي نشرته جريدة الأهرام على حلقات في فترة ما، ولعل الأمر لا يخلو من جد لو اعتبرنا أننا الأفضل على الإطلاق .... لا تحدثني أرجوك عن مجموعات الكاميكاز اليابانية، ولا عن المارينز الأمريكيين ولا عن قوات البانزر الألمانية ... حدثني فقط عن الجندي الذي عبر خط بارليف والذي نسيه الجميع هذا العام، وهذا يغري المرء بأن يذكّر الناس ويذكر نفسه بهذه اللحظة الفاصلة في تاريخ العالم ككل... اليوم أحدثكم عن رامي وميكرع هاكول وجولدا الشمطاء....

***

كان طفلا في الصف السادس الابتدائي يخرج كل صباح إلى المدرسة ليمارس الأنشطة المحببة لكل التلاميذ، بداية من الشجار مع أصدقائه والسخرية من رفيق (التختة) ليعود إلى البيت منهكا مغبرا كأنه عائد من معركة زاما.... لكن في ذلك اليوم كان الأمر مختلفا... لم توقظه والدته في الصباح كالمعتاد بل تركته حتى استيقظ من نفسه وعندما نهض من فراشه أخيرا في كسل كالفيل، وجد والدته وأبيه بجوار الراديو... ثمة جو مقلق ملبد يخيم على البيت فلم يحاول فتح شفتيه، ولكنه كان مسرورا لأنه لن يذهب إلى المدرسة هذا اليوم... نادته والدته لينزل يشتري لهم الخبز .... عندما نزل إلى الشارع كان هناك نفس الجو المقبض يخيم على بيته... هناك جندي يلبس ثياب الميدان كاملة واقف تحت الشرفة ينادي على جارهم (مايكل) بصوت عال... مايكل... ماااااايكل... ولكن يبدو أن مايكل مستغرق في نوم عميق كالبيات الشتوي حتى أنه عندما ظهر وجه مايكل من الشرفة كان الكثير من الناس قد خرجوا ينظروا من الشرفات وهم يتساءلون عمن ينادي بهذا الإصرار الغريب... بعد قليل نزل مايكل بثياب الميدان الكاملة، فقال له شيخ يقف في الشرفة (هات لنا تراب من سينا معاك يا دفعة)....
عندما عاد رامي إلى البيت يحمل الخبز كان هناك ذلك الجو المرعب المخيم على القرية بأكملها...
لم يكن رامي يعرف أي شيء عن إسرائيل سوى أنها قصفت مدرسة بحر البقر وقامت بإسقاط طائرة مذيعة الأطفال الشهيرة في ذلك الوقت (ماما سلوى حجازي)، لكنه تناسى كل شيء وبدء يتحين الفرصة لمصارحة والدته بأنه لا يستطيع الصيام لتسمح له بالإفطار.
كانت هناك عبارات تدور بين والدته ووالده عن أن الحرب قد نشبت وأن الجيش يعبر قناة السويس... على إذاعة إسرائيل يقول مذيع باللغة العربية الخنفاء التي يستعملها اليهود أن السادات أخطأ كثيرا عندما استفز أقوى جيوش العالم .... مساكين انتم أيها المصريون... لكن الأب يغير الإذاعة المقيتة...
الحق أنه كان يوما عاصفا... كانت الأنباء تختلف بشدة عن أنباء 1967 الكاذبة إياها...لم يصدق أحد قادة إسرائيل ما يحدث... موشي ديان بكى أمام الصحفيين العالميين... جولدا مائير طالبت بتركيب الرؤوس النووية على الصواريخ ليبدء "ميكرع هاكول" أو "قبل ضياع كل شيء" وهو البرنامج النووي الاسرائيلي الذي كانت اسرائيل تدخره لمصر...
الأنباء مذهلة بحق... الجيش الاول الميداني السوري يجتاح هضبة الجولان بينما تسحق القوات المصرية لواء مدرع وتأسر قائده "عسّاف ياجوري" القبيح...
على شاشات التلفزيون كانت اللقطة الشهيرة للطائرة الاسرائيلية التي تحاول الهرب من صاروخ سام 6 الرهيب لكن الروس يبرهنون على أنهم عباقرة عندما يلتحم الصاروخ بالطائرة مولدأ خيطا من النيران ... بوم.. وكالات الأنباء العالمية تظهر تعليمات القادة الإسرائليين الذين أصدروا أوامر بربط الطيارين في مقاعد طائراتهم كي لا يقفزوا منها بمجرد رؤيتهم لسام 6.... موردخاي هود (قائد القوات الجوية الاسرائيلية) يجري مكالمة ولكن سلاح التنصت في سيناء يلتقط المكالمة لتنطلق قاذفة مصرية كالبرق إلى مصدر المكالمة لتحيله إلى غبار... جرى إيه يا جدعان؟... دي مصر ولا بريطانيا العظمى؟ ... محمد حسنين هيكل يصرح بأن حرب أكتوبر هي الحرب الوحيدة التي قال فيها القائد للجنود "اتبعوني" بدلا من أن يقول "تقدموا"... هناك من يكتب مقالا في جريدة الأهرام عن عبد العاطي صائد الدبابات الذي نسف 36 دبابة بسلاح آر بي جي الروسي العتيق ساجر... كلب اسرائيلي ابن كلب اسمه شارون يقوم باختراق مفصلي بين الجيشين الثاني والثالث في عملية اسمها الغزالة ومشهورة لدى العامة باسم "ثغرة الدفرسوار" في ذات الوقت الذي يصرح فيه الخبير الاستراتيجي العالمي "أندريه بوفر" أن عملية الغزالة عملية بلا قيمة من أي نوع... مصر دي يا جدعان؟ جولدا مائير تجري اتصالاتها بالولايات المتحدة للإمدادات البرية تقوم الولايات المتحدة بعمل جسر جوي رهيب لتهبط منه 360 دبابة امريكية في أرض المعركة، ولكن هناك بطل مخابراتي اسمه محد نسيم يقوم بإجهاض العملية في مهدها وحده بعد أن تم قتل كل فريقه في عملية مخابراتية اسمها عملية النسر المنفرد ينشرها كاتب الشباب (نبيل فاروق) في كتيب منفصل بعنوان عملية فاي... مصر دي؟ مش ممكن... جولدا مائير في مؤتمر صحفي تقول (نحن لا نستطيع أن نحارب أمة تؤمن بأن من قتل يهودي دخل الجنة أو أن من قتله يهودي دخل الجنة).... موشي ديان يصرّح في ذات المؤتمر قائلا "لولا ثقتي في أنني أحارب مصر لقلت بأني أحارب الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وانجلترا معا".... في كتاب التقصير الذي صدر في اسرائيل بعد الحرب بأعوام يقول فيه قائد القوات البرية أن الدبابات كانت تدهس جنود المشاة المصريين لتتخطاهم فيبرز من الرمال آلاف الجنود... الشعراوي يصرح أن الملائكة كانت تساند المصريين في حرب أكتوبر.... لواء طيار محمد حسني مبارك يقوم بإخماد كل النقاط الحيوية في خط بارليف (أقوى مانع بري في التاريخ) ثم يقوم بتسليح طائرات التدريب معها.... طيار عاطف السادات يستشهد في عملية جوية.... رباه... مصر دي؟...
بالتأكيد هذه هي مصر رغم كل شيء.... ولكن الفارق الكبير هو أن محمد ومايكل عندما كانا على الجبهة وعبد العاطي عندما كان يصطاد الدبابات وحسني مبارك عندما قصف نقاط القوى في خط بارليف ... كلهم بالتأكيد لم يخطر ببالهم ما ستؤول أليه الأيام... فقط قاموا بواجبهم وعرفوا عدوهم.