مصر موتورز مجتمع السيارات - خبر سىء جدا:البرادعى ينسحب من سباق الرئاسه !!

البرادعى والقوة الأخلاقية لـ«المحتملين»
جمال فهمى

لم يكن الدكتور محمد البرادعى يجلس على كرسى الحكم، وقام فجأة من عليه واستقال، كما أنه حتى لم يكن مرشحا فعيلا ورسميا (لا هو ولا غيره) فى انتخابات رئاسية قائمة وحقيقية، كان مجرد حامل لهذا اللقب العجيب «مرشح رئاسى محتمل»، ومع ذلك عندما أعلن قبل أيام قرار انسحابه من «الاحتمال» ذاك، أحدث النبأ دويا هائلا، وبدا الأمر وكأن الرجل يقلب المائدة (مائدة تشبه طاولة لعب القمار) على الجميع.. لماذا؟!

ربما هناك من يميل إلى تفسير ردود الفعل ذات الطابع الزلزالى على إعلان الدكتور البرادعى إغلاق باب احتمال ترشحه لخوض سباق المنافسة للفوز بمنصب الرئيس الأول بعد الثورة، ويرد الضجيج الذى أثاره هذا الإعلان إلى الوزن السياسى الكبير المتمتع به الرجل أصلا، فضلا عن دوره فى التبشير بالثورة، والمشاركة الفعالة فى آخر مراحل التمهيد لها، وإلهام قطاع واسع من الناس (خصوصا الشباب) ببعض أهم شعاراتها.
وقد يضع البعض على رأس أسباب قوة الزلزال السياسى الناجم عن قرار الدكتور البرادعى أن ينأى بنفسه ويخرج مبكرا من اللعبة الممضة (والخطرة أيضا) الدائرة حاليا، قائمة الحجج والحيثيات التى سوغ بها الرجل قراره وخلاصتها أن «ضميره» يأبى عليه الاستمرار فى لعبة شائهة ومشوهة (عمدا مع سبق الإصرار والترصد) ليس فى ملامحها الكئيبة، ما ينبئ بنظام ديمقراطى حقيقى، طالما حلمنا ببنائه ودفعنا فى طلبه ثمنا باهظا من أرواح ودماء ونور عيون الآلاف من أنبل وأجمل شباب هذا الوطن.
ورغم أن العبد لله كاتب هذه السطور مقتنع بأن الأسباب السابقة مجتمعة، سواء ما يتعلق منها بوزن البرادعى ودوره فى الثورة أو حيثيات قراره، كانت كلها حاضرة وفاعلة وأسهمت بغير شك فى تضخم واتساع حجم ردود الفعل، فإن تنوعها الملحوظ وتوزع مشاعر أغلب من تلقوا خبر انسحاب الرجل من السباق الرئاسى المحتمل بين الإحساس بالخسارة الموضوعية والحزن الشخصى يشير إلى سبب آخر مستتر ومسكوت عنه، لكننى أعتبره أقوى وأشد تأثيرا من باقى العوامل والمعطيات التى صنعت كل هذه الأهمية للموضوع، وأضفت عليه تلك الحرارة اللاهبة، فأما هذا العامل فهو فضيلة الصدق والاستقامة و«القوة الأخلاقية» التى تبدو واضحة جلية فى إعلان الدكتور محمد البرادعى أن «ضميره» الإنسانى والوطنى لا يسمح له باستمرار اللعب على مسرح يظلله الزيف وتملأ أجواءه شتى صنوف الملوثات، وطبقا لنص ومسار (انتقالى) تم وضعه وتصميمه قصدا وخصيصا لكى تُمسخ الثورة، وتتبدد أهداف الذين فجروها وتجهض أحلامهم المشروعة بمجتمع جديد، ووطن ناهض يتمتع أهله بالحرية والعدل والكرامة، بعد تحويل الانفجار الثورى العظيم يوم 25 يناير الماضى إلى مجرد «حادثة تاريخية»، لم تثمر سوى إعادة إنتاج النظام الإجرامى الديكتاتورى القديم نفسه فى صورة وبملامح مختلفة قليلا، بيد أنها قد تكون أسوأ وأقبح.
والحال أن العبد لله من قوم (لا أعرف حجم ونسبة وجودهم فى دنيا السياسة) يُعظمون من شأن الاستقامة الخلقية فى الفعل السياسى، وعقيدتى وإيمانى أن «قوة الأخلاق» هى أخطر وأمضى سلاح فى المقاومة والحروب المشروعة من أجل انتزاع الحقوق.. دليلى على ذلك أنه دائما كان هناك خلل رهيب وفادح فى توازن القوة المادية (جيوش وأدوات قتل وقمع وخلافه) بين الشعوب وغاصبيها، سواء أكانوا أعداء من الخارج أم طغاة من الداخل، ورغم ذلك ظل النصر هو الحليف، والقدر المحتوم للمقاومين والثوار فى نهاية المطاف، لأن تفوقهم الأخلاقى على عدوهم كان يعوض الخلل، ويكسبهم قوة جبارة، ليس بمقدور أحد كسرها أو هزيمتها.
و.. لئلا يفهم كلامى خطأ، فإننى أسلم بأن الدكتور محمد البرادعى ليس «المحتمل» الرئاسى الوحيد المتمتع بالاستقامة والأخلاق، وأقر وأعترف بوجود «محتملين» آخرين محترمين جدا وفوق مستوى شبهة التساهل والترهل الأخلاقى.. لكنى فقط أريد أن أقول وأهتف وسط الفوضى الأخلاقية العارمة وعواصف الانتهازية الفاجرة التى تصفعنا وتضرب فينا بقسوة هذه الأيام:
ما أحوجنا إلى رئيس يملك رؤية ويتمتع بالاستقامة وعنده أخلاق!