انه سباق للسرعة!

[فادى]

ماهو السبب الحقيقى الذى جعل الناس تتحول من استخدام العربات التى تجر بالأحصنة الى العربات الميكانيكية؟

لا ليست لأنها اكثر راحة, و لا هى أقل تكلفة, فالسيارة لم تكن فى بدايتها أبدا مريحة, و لا قليلة التكلفة,

انه سبب واحد يسرى فى دم كل منا, و نخجل من التعبير عنه, انها السرعة!!

لقد أدرك الصانعون مبكرا هذه الحقيقة, و حتى الأن, فانهم يتبارون فيما بينهم على اثبات من الأسرع, و الأقوى, و لذا كان تنظيم السباقات ضروريا لتمييز الصانع الذى يستطيع تصميم العربة الأسرع.

لكن من هو الأسرع؟

كانت البداية فرنسية خالصة, نظرا لأن الفرنسيين الشعب الذى اشتهر بحبه للسرعة, هو أول من نظم هذه السباقات, و بالطبع تفوق فيها لبعض الوقت.

سباق الجائزة الكبرى:

نظم الفرنسيون كما قلنا أول سباق فى تاريخ السيارات عام 1894, و كان يقع بين مدينتى باريس و رواين, و هى مسافة تبلغ 128 كم, و نظمت جريدة "لو بوتيه جورنال" الحدث.

و فاز جورج لومتر على متن سيارة بخارية من بيجو.

و كانت أول "جائزة كبرى" فرنسية أيضا, فى عام 1901, و استمر التفوق الفرنسى, و قسم السباق الى ثلاثة فئات ثقيلة و خفيفة و صغيرة, و فازت شركة بانهارد (شركة فرنسية تتخصص الأن فى صناعة المعدات العسكرية فقط) بالبطولة الثقيلة, و داراق (فرنسية أيضا لم تعد موجودة الأن) بالخفيفة, فيما فازت رينو بين السيارات الصغيرة.و استمر التفوق الفرنسى الى عام 1906.

لكن اول سباق جائزة كبرى حقيقى كان فى عام 1906, و استمر التفوق الفرنسى, و فاز فرينك سيزيز على متن رينو ايه كى.

ايطاليا تتحدى الفرنسيين!

شعر الايطاليون بالضجر من السيطرة الفرنسية التى لا تنتهى على سباقات السرعة.

لقد كانت تصريحات مسئولى فيات الايطالية عنيفة و متحدية للغاية, لقد اعلنوا بصراحة و وضوح أنهم سوف يقضوا على السيطرة الفرنسية من الأن و للأبد.

و كان الأمر يحتاج للسرعة, و السرعة تحتاج الى القوة!

و من أجل هذه القوة, صممت فيات سيارة تعتبر حتى وقتنا هذا اسطورية,

انها فيات 130 حصان(هكذا كان اسمها).

كان محرك الفيات جبارا, 4 اسطوانات و لكن بحجم 16.25 لتر (16 لتر و ربع), و نجح هذا المحرك فى توليد قوة قدرها 130 حصانا عند 1600 لفة/دقيقة.

كانت السيارة تحفة هندسية, و استخدمت غرف الحريق الدائرية, و وضعت شمعات الاحتراق وسط غرفة الاحتراق و ليس على جانبها.

و كان المحرك ضخما للغاية, لدرجة أن وزن المكبس وصل الى 5 كغ, و رغم أن السيارة كانت مزعجة, و كانت تطلق النار دوريا من الخلف (ظاهرة ما يعرف بالباك فاير), الا ان السيارة التى كان وزنها 1025 كغ وصلت الى 160 كلم/ساعة, و كانت سرعة عظيمة وقتها.

و لم تخيب الفيات 130 حصان أمال الايطاليين,

فقد قادها أعظم السائقين فى هذا الوقت, فيليس نازارو و لويس واجنر,

و كان طبيعيا فوزها بسباق عام 1907 بسرعة متوسطة بلغت 113.6 كم/ساعة. و فازت الفيات 130 حصان فى عدة سباقات أخرى, فى ايطاليا و الولايات المتحدة, و كان يقودها فيليس نازارو و فينسنزو لانسيا, و لويس واجنر.

و كانت هذه هى بداية السيطرة الايطالية على السباقات و المستمرة لحد الأن, و التى اعطت للسيارات الايطالية سمعة رياضية ممتازة, و جعلت سياراتها الرياضية تباع بأسعار فلكية.
فيات 130 حصان:

السهم الفضى, الالمان!

كانت بدايات الألمان مبكرة فى عالم السباقات, و كانت أشهر انتاجهم على الاطلاق سيارة تسمى مرسيدس سمبلكس فى عام 1902, كانت المرسيدس سمبلكس مزودة بمحرك 6786 سى سى تولد 35 حصانا عند 1300 لفة/دقيقة, و نجحت فى السيطرة على عدة سباقات فى المانيا و الولايات المتحدة, و نجحت السيمبلكس فى السيطرة على عالم السباقات لسنوات.

و فى عام 1908, فازت مرسيدس بأول جائزة كبرى فرنسية (كانت الجائزة الكبرى الفرنسية هى الأهم فى هذه الأوقات, و الباقى سباقات فرعية).

و فى عام 1911 نجح كارل بنز فى كسر رقم جديد للسرعة, و حقق 228.1 كلم/ساعة.

و فى عام 1930, قام الالمان بازالة الطلاء الأبيض لتخفيف وزن السيارة, و ظهر اللون الفضى للسيارة, و من هنا أطلق على سيارات السباق الألمانية السهم الفضى.

و قد سيطرت مرسيدس و مواطنتها اوتو يونيون(أودى حاليا) على سباقات السرعة لسنوات طويلة.

ألفاروميو تكسر هيبة مرسيدس!

فى عام 1923, عكفت الفاروميو على تطوير سيارة تستطيع الفوز بالسباقات, و بدأ فيتوريو جانو رئيس التصميم فى الفاروميو العمل, و خرج باحدى اشهر و افضل سيارات السباقات, الفاروميو بى 2.

كانت الالفاروميو بى 2 رشيقة للغاية, ففى هذه الأعوام, كانت سيارات السباق من مرسيدس و بوجاتى و اوتو يونيون ضخمة و ثقيلة, أما الفاروميو فكانت سهلة الانقياد,

و كانت تجتاز المنعطف تلو الأخر بخفة و ثبات, و تترك ورائها سيارات مرسيدس و اوتو يونيون و هم يتأرجحون يمينا و شمالا.

و اهتم الفاشيست بسباق السيارات, و الذى كان يمثل التفوق التكنولوجى الذى وصلت اليه بلد معينة, لذا فانه تحول على يد موسولينى و هتلر الى حرب لاثبات التفوق, و دعم موسولينى الفاروميو بالمال, فيما اتجه هتلر لدعم مرسيدس و اوتو يونيون.

و اشتهرت الفاروميو فى هذا الوقت بانتاج السيارات العادية مثل سيارات السباق بالضبط, بل ان سياراتها العادية كانت عبارة عن سيارات سباق معدلة للطرقات, مما أعطاها شهرة واسعة كسيارة رياضية الطابع.

السرعة أم الثبات!

بعدما سيطرت لسنوات طويلة على السباقات, بدأت الالفاروميو بى 2 تشيخ, و لذا اضطر فيتوريو جانو الى تصميم سيارة أخرى تعيد المجد المفقود,

و كانت الألفاروميو بى 3 فى عام 1932.

ارتبط اسم هذه السيارة باحدى أكثر السباقات درامية, كأنه سباقا من عالم الأفلام, و شهد عودة الفاروميو و بداية شهرتها الساحقة.

كان السائق البارع نوفولارى يعد نفسه للسباق العظيم فى نوربورينج فى المانيا 1935, لم يكن يتوقع الكثير, نظرا لأن سيارات مرسيدس و اوتو يونيون الفضية كانت تقف بأبهة فى مقدمة السباق, و كانت أقوى و اسرع من البى 3, كما أن السباق فى المانيا و امام النازيين.

لكن نوفولارى كان لديه خطة اخرى!

انطلقت الماكينات الألمانية فى المقدمة تاركة ورائها الالفاروميو الصغيرة, و لكن نوفولارى بدأ فى استغلال رشاقة سيارته, كان قد ابتكر لتوه طريقة جديدة فى اجتياز المنحنيات, و كان ينزلق بخفة ليضع السيارة فى موقعها الصحيح فى منعطفات ال180 درجة, ثم يعيد ضبط المسار, و اجتاز نوفولارى المنحنيات بمزيح من الانزلاقات المحكومة و الانعطاف السريع, كانت البى 3 مدهشة حقا فى المنحنيات, خفيفة و رشيقة, كانت مزودة بمحرك من 8 سلندرات سعة 2654 سى سى, و يولد 215 حصانا عند 5600 لفة/دقيقة, و تزن 700 كغ فقط!!

تابع نوفولارى قيادته الرائعة منحنى وراء الأخر, حتى وصل الى مقدمة السباق, وسط دهشة الألمان, لكنه اضطر أن يتوقف, كى يتزود بالوقود, و عندها حدثت الكارثة, مضخة الوقود لا تعمل!!

اضطر الفريق الى ملىء سيارة نوفولارى عن طريق عبوات الوقود, و عندما عاد نفولارى الى السباق مرة أخرى, كان قد فقد دقيقتين, و تقهقر الى مؤخرة السباق, و كان الألمانى فون بروشيدتش يحتل المقدمة بفارق كبير على متن سيارته المرسيدس.

و لم يصاب نوفولارى باليأس, فما فعله فى بداية السباق, عليه أن يفعله مرة أخرى, و قاد سيارته بجنون فى المنحنيات حتى كان يقلص ثانية و اثنتين فى كل منحنى بينه و بين المقدمة, و كان ينتزع أهات الجماهير منعطفا وراء الأخر, فقد كانت أفئدة المتفرجين تنخلع مع انزلاقاته المحكومة, فى زمن كانت فيه الحوادث تعنى الموت المحقق, و خاصة فى السباقات, و التى لم تكن أمنة كما هى الأن.

و فى نهاية السباق,أى بالنسبة الى نوفولارى المنحنى الأخير, وصل نوفولارى الى فون بروشيدتش و تجاوزه فيما كان سيارته المرسيدس تتأرجح فى المنعطف, و لم يكن فون يحب المخاطرة, و كان عارفا بأن سيارته لن تتحمل أى مخاطرات, لذا فقد ترك نوفولارى يتجاوزه بسهولة!

و هكذا فاز نوفولارى على متن الألفاروميو بى 3 وسط دهشة و تصفيق الألمان.
الألفاروميو بى 3:

نوفولارى :

فيرارى...عندما يتجسد حلم السرعة!

لا عجب أن فيرارى تمثل السرعة المتفوقة فى عصرنا الحاضر, السيارة الرياضية الأغلى و الأفضل, التى يبلغ ثمنها أضعاف أثمان السيارات الأخرى,

يحلم كل منا بالسرعة منذ طفولته, السرعة الفائقة التى لا يوفقها عائق, و عندما تبتاع الفيرارى, فانك تحقق هذا الحلم بدون تنازلات!

خرجت فيرارى من رحم ألفاروميو, و كانت فرعها المخصص للسباقات, بقيادة سائقها الأسطورى انزو فيرارى.

و بعد ذلك, استقل انزو فيرارى,

و حققت فيرارى اول فوز لها سنة 1949 فى سباق لومان 24 ساعة بسيارتها 166 ام.

انخرطت فيرارى بعد ذلك فى بطولات الفورمولا واحد, لتصبح أكثر الفرق فوزا بهذه البطولة, صنعت هذه البطولات المتتالية اسم فيرارى, و اصبحت السيارة الرياضية الأكثر شهرة, كونها تسيطر على أرقى البطولات الميكانيكية.

لم يكن هذا السبب الوحيد, فهناك العديد من الشركات التى كانت تشارك أيضا و بفاعلية فى بطولات الفورمولا واحد, الا ان هذه الشركات صنعت حاجزا بين سيارات السباق و السيارات التجارية, بعكس فيرارى, التى كانت الشركة الرائدة فى نقل تقنيات السباقات المتقدمة الى الشوارع العادية, لذا فانك عندما تشترى فيرارى, فأنت تشترى أحدث و أقوى ما وصلت اليه تقنيات السرعة.

فيرارى هى الشركة الوحيدة التى شاركت فى كل بطولات الفورمولا واحد منذ نشأتها, كما أنها الشركة الوحيدة التى فازت باكثر عدد من بطولات الصانعين 16 بطولة, و 15 بطولة سائقين.

مشاكسات الألمان

التفوق الايطالى أزعج الألمان كثيرا, صحيح أن السيارات الالمانية لها سمعة رائعة على صعيد الاعتمادية و الجودة, الا ان التفوق الايطالى فى مجال السرعة أحرجهم كثيرا,

مبيعات السيارات الألمانية تتفوق على زميلاتها الايطالية, هذه حقيقة, الا ان الألمان لم يحققوا بعد حلم السائقين الأعظم,

حلم السرعة!

من الناحية التجارية, حاولت بورش كثيرا كسر شوكة فيرارى, الا انها اشتهرت بكونها السيارة الرياضية التى تميل الى الكلاسيكية, فيما تعتبر فيرارى و لمبرجينى السيارات الرياضية الصرفة.

فى السباقات نجح الألمان لبعض الوقت فى منافسة الايطاليين,

فى عام 1954 صنعت مرسيدس سيارة رائعة, لتشارك بها فى منافسات الفورمولا واحد, هى مرسيدس دبليو 196,

وضعت بها مرسيدس كل خبرتها التكنولوجية المتفوقة, خاصة لناحية المحرك الذى زود بنظام حقن متطور, و نظام جديد للصمامات.

و فازت المرسيدس دبليو 196 فى موسمين متتاليين.

و لكن للأسف, لم تترك الدبليو 196 ذكرى طيبة.

طورت المرسيدس 300 اس ال ار على قاعدة الدبليو 196, لتشارك فى سباق لومان 24 ساعة, و انحرفت سيارة بيير ليفيج عن المسار بعدما اصطدم بسيارة أخرى, لتقتل 80 مشاهدا بالاضافة الى مقتل بيير نفسه, و لتنسحب بعدها بقية سيارات مرسيدس من السباق وفاء لأرواح الضحايا, رغم انها كانت تحتل مراكز متقدمة.
مرسيدس دبليو 196.

الخلاصة :

لقد كان سباق السرعة بين الصانعين مثيرا و مرهقا, و تفنن كل صانع فى كيفية اثبات قدرته على ان يكون الأسرع,

كان للتفوق الايطالى الواضح أثره فى دعم سمعة السيارات الايطالية ككل, فهى التى اشتهرت طوال تاريخها بالطابع الرياضى, و رغم ان لها شهرة مماثلة أيضا على صعيد الأعطال(تجاوزت معظم السيارات الايطالية هذا الأن), الا ان الكثير من السائقين مستعدين لتحمل بعض الأعطال السخيفة فى مقابل الاستمتاع بقيادة الفاروميو أو لانسيا أو فيات.

فيما كان تاريخ مرسيدس الناجح أثره فى دعم سمعتها ككل, صحيح انها اشتهرت بالاعتمادية أكثر مما اشتهرت بالسرعة و الطابع الرياضى, الا ان اسم المرسيدس و شهرتها لم تكن لتتبلور لولا مشاركاتها الناجحة فى السباقات قديما و حديثا,

فالاعتمادية وحدها لا تكفى!



تنويه :
قمت أنا فادى بصياغة هذا الموضوع بنفسى, و قمت بتجميع المادة العلمية من عدة مصادر من الشبكة العنكبوتية و الكتب و مجلات السيارات, و أحتفظ لنفسى بجميع الحقوق الأدبية.

[Romeeoo]

رهيب والله رهيب

[Nour_peugeot]

الله الله الله عليك يا فادي باشا بجد بجد موضوع رائع و فيه نبذه تاريخيه كويسه جدا جدا

[DK.Cupo]

رائـــــــــــــــــــــع جــــــــــــــــــــــــ ـــدا
ايه الكلام الجامد ده يا فادي باشا والله ممتاز جدا جدا جدا

[Dr. Bolbolan]

مجهود ممتا ز يا فادى و الله أنا استمتعت بقراءة هذا المقال ! و خصوصآ لما عرفت انك تدخلت فى صياغته !

و عمومآ كل مواضيعك تدل على انك فاهم قوى و عندك عشق للسيارات و أرائك كمان لآسئلة الآعضاء عن

السيارات آراء محترمه !

فكرتنى بواحد صاحبى مولود فى سيارة و معجون بمية الرادياتير و بيستحمى بزيت ديزل و بيتعطر ببنزين 95

و لابس كوتشى بيرللى و هدومه من عند بنين فاريا و بنته اسمه مرسيدس و ابنه اسمه زغلول !


Dr. Bolbolan ptmnlo123per1127