رد: مخطط تصفيه الثوره ,,
ماذا تغير؟!
وائل غنيم
أثناء دراستي في الجامعة شنت أمريكا الحرب على العراق، بدأت جماعة الإخوان المسلمين وشبابها حملة مكثفة لمقاطعة كافة المنتجات الأمريكية. أمريكا كانت عدوا استراتيجيا للإخوان المسلمين، والدعوات لمقاطعتها وطرد سفيرها والتشنيع على النظام السابق آنذاك لموقفه السلبي كانت سمة الوقت. ومنذ عدة شهور، اختفت فجأة هذه العداوة التاريخية، فمنتجات الأمريكان في أسواق قيادات جماعة الإخوان المسلمين، ورؤساء الأمريكان السابقين وسفرائهم يزورون مكتب الإرشاد ويشيدون بالإخوان المسلمين ونظرتهم السياسية السمحة، ووفد من 150 رجل أعمال أمريكي يزورون الرئيس ويلتقطون معه صورة تذكارية بينما يدعوهم للاستثمار في مصر .. بل وحتى جون ماكين، أحد داعمي حرب العراق ومؤيديها والذي كان يتباهى في حملته الانتخابية أمام أوباما بأنه لن يكون له موقفا سلبيا كما لأوباما بخصوص الحرب على العراق، استقبلته قيادات الجماعة وتباحثت معه عمق العلاقات المصرية الأمريكية الاستراتيجية .. فماذا تغير؟
منذ عدة أعوام، كان الرئيس مرسي يوصي المصريون جميعا بأن يُرضعوا أبناءهم كراهية اليهود أبناء القردة والخنازير، ويتهكم من زيارة أوباما إلى مصر ويصفه بـ "الأوباما الكاذب"، ويدعو لمقاطعة شاملة مع إسرائيل وسحب سفير مصر منها. واليوم وبعد استلامه الرئاسة لم تتغير علاقتنا الدبلوماسية مع إسرائيل فسفيرهم في القاهرة وسفيرنا الجديد تم تعيينه بعد تولي الرئيس منصبه في تل أبيب، ورئيسنا سعيد جدا بتواصله مع الرئيس الأمريكي أوباما "الصديق" وهنأه بعد فوزه في الانتخابات، وليس ذلك فحسب بل اعتذر أيضا في كافة وسائل الإعلام الغربية عن تصريحاته عن اليهود أبناء القردة والخنازير، عفوا لم يعتذر فقط بل ادّعى أنها اقتطعت من سياقها أيضا! فماذا تغير؟
حينما جاء محمد البرادعي إلى مصر حاملا لواء التغيير ومناديا بتعديل الدستور، استقبله الإخوان المسلمون بالترحاب خاصة بعد دفاعه عن حقهم في ممارسة العمل السياسي في مصر عبر مختلف وسائل الإعلام العالمية والتقى به الكتاتني مع غيره لتدشين الجمعية الوطنية للتغيير، واعتبره عصام العريان قائدا للمرحلة الجديدة في فيديو مسجل له مشيدا ببطولته، بينما كان أعضاء الحزب الوطني يشوّهون البرادعي ليل نهار في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ويتهمونه بالعمالة للغرب وبأنه كان السبب في حرب العراق. اليوم وبعد أن حمل البرادعي لواء معارضة الإخوان، أصبحت نفس الاتهامات التي كانت تُلقى عليه من الحزب الوطني تنتشر على ألسنة قيادات الجماعة وشبابها، وتتهمه بأن يداه ملوثة بالدماء في حرب العراق .. فماذا تغير؟
في الأيام الأولى للثورة، كان الإخوان المسلمون سعداء بالمشهد الذي تجسد في ميدان التحرير، وابتعدوا عن كل الشعارات التي تفرق بين أبناء الميدان، فكانت كل الشعارات في حب مصر مطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. بل وحتى كل تصريحاتهم الصحفية أثناء وبعد الثورة مباشرة كانت تروّج أن الجماعة لا تسعى للسلطة وأن كل همها كان التخلص من النظام الجاثم على صدور المصريين، وأنها لن تنافس على أكثر من 30% من عضوية مجلس الشعب، بل وأنها لن يكون لها مرشحا رئاسيا. كانت الجماعة وقتها تعترف بفضل الشباب وبثورته وبالانجاز الذي حققوه في مفاجأة نظام عجوز. والآن وبعد الثورة بعامين تبخرت أغلب هذه الوعود، بل وانتشرت بعض المقالات على صفحات وسائل إعلام الإخوان المسلمين تنسب لها أفضال استمرار الثورة ونجاحها، وتدعي أن ما فعلته قيادات الجماعة من سعي للسلطة لم يكن سوى حماية للثورة .. فماذا تغير؟
قبل الثورة كان للإخوان موقف واضح مضاد للتعذيب والسجن والاعتقال القصري، السبب كان واضحا لأنهم كانوا من ضحايا هذه الأفعال التي تقوم بها وزارة داخلية حبيب العادلي. أما الآن فالتعليقات على كل خبر فيه شهادة عن اعتقال بريء أو تعذيب متهم تلاقي تبريرات لهذه الممارسات كما كان رجال وشباب الحزب الوطني يبررون لقياداتهم تعذيب واعتقال قيادات وشباب الجماعة. فماذا تغير؟
بعد الدفع بمرشح الإخوان حنثا للوعد بدلا من دعم مرشح من مرشحي الثورة، وبعد فوز المرشح في المرحلة الأولى من الانتخابات، قرر الاخوان وقتها استبدال شعارهم من "المرشح الإسلامي الوحيد" -لأن هذا الشعار عجز أن يجمع لهم أكثر من خمسة مليون صوت في المرحلة الأولى-، إلى شعار قوتنا في وحدتنا والذي ركز على أن محمد مرسي هو مرشح الثورة الذي سيحقق آمال وطموحات الثورة التي شارك فيها الإسلامي والليبرالي واليساري والشاب والفقير والغني وطالبوا وقتها بشعارات واضحة لم يكن منها فرض أيدولوجيات ولا بحث عن هويّة يزعمون أنها ليست بالموجودة .. وبعد فوز المرشح بأصوات هؤلاء انتهى شهر العسل وتحولوا بدلا من تحقيق مطالب وأهداف هؤلاء الذين أنجحوهم في سباق الانتخابات إلى مطاردتهم وتخوينهم وتشويه سمعتهم واتهامهم بمعاداة الثورة .. فماذا تغير؟
أقنع الإخوان المسلمون الشعب المصري أثناء انتخابات الرئاسة أن لديهم تصور كامل لإدارة الدولة عمل عليه أكثر من ألف عالم مصري، وهو نتاج عمل طويل لسنوات .. وأكدوا على وجود اتفاقات مع العديد من الدول والشركات العالمية للاستثمار في مصر بما يزيد على 200 مليار جنيه .. كان الدولة في الشهور الأولى في حالة من الاستقرار (قبل الإعلان الدستوري) تتيح التساؤل: لماذا لم نجد وعدا من هذه الوعود يتحقق؟ ماذا تغير؟
أسئلة كثيرة، البعض يمتلك التبريرات الجاهزة لها، خاصة تلك المعتمدة على نظريات المؤامرات الكونية التي تعقدها كافة أنظمة الغرب على الجماعة، بالرغم من أن نفس تلك الأنظمة هي التي تلتقي بالرئيس وقيادات الجماعة وتعقد مع الدولة الاتفاقات الاقتصادية ويؤكد المسؤولون في بلادنا على عمق العلاقة الاستراتيجية معهم ليل نهار .. أو تلك المعتمدة على المؤامرات الداخلية التي يقوم بها الفلول (مع تحفظي على التعبير الذي لا يستخدم إلا في سياق تحقيق مكاسب سياسية) والتي لم تكشف الرئاسة لما لديها من سلطة تنفيذية ونائب عام عينه الرئيس أي خيوط لها سوى عدة تصريحات ما نلبث أن نكتشف أنها بدون دليل.
كل هذه التبريرات لن تنفع، لأن الحقيقة هي أن محمد مرسي يفقد كل لحظة شخصا انتخبه وظن -خاطئا- أنه سيتغير ويكون وفيا لعهده هذه المرة. واعتبر أن الجماعة قد وعت الدرس للأخطاء التي وقع فيها النظام السابق من إخلاف للوعود وتغليب مصلحة الأفراد على مصلحة الوطن واحتكار السلطة وتشويه المخالفين والاستهزاء بقلة عددهم وضعف تأثيرهم.
يقول وارن بافت أحد أغنى أغنياء العالم: "بناء المصداقية يستغرق عشرات السنين، وفقدانها لا يحتاج لأكثر من خمس دقائق. تفكر جيدا قبل أن تفعل شيئا تندم عليه".
__________________
|