الموضوع
:
خطر الحكم بغير الشرع والرضا بالقوانين الوضعية
عرض مشاركة واحدة
#
7
12-06-2012, 10:17 PM
مجدي المهدي
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 8
رد: خطر الحكم بغير الشرع والرضا بالقوانين الوضعية
9 ــ الشـيخ محمـد بن إبراهيـم آل الشـيخ رحمه اللـه (1389هـ)
المفتي المشهور، وهو حفيد الشيخ عبداللطيف المذكور آنفا. في رسالته (تحكيم القوانين) قال الشيخ محمد
(إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة مانزل به الروح الأمين علي قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين، في الحُكْم به بين العالمين، والرَدِّ إليه عند تنازع المتنازعين، مناقضةً ومعاندةً لقول الله عزوجل
فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلا) وقد نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عن مَّن لم يُحَكِّموا النبي صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم، نفياً مؤكداً بتكرار أداة النفي وبالقسم،
(فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويُسلموا تسليما) ولم يكتف تعالى وتقدس منهم بمجرد التحكيم للرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يُضيفوا إلى ذلك عَدَمَ وجود شيء من الحرج في نفوسهم بقوله جل شأنه (ثم لايجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت). والحَرَجُ: الضيقُ. بل لابدَّ من اتساع صدورهم لذلك وسلامتها من القلق والاضطراب. ولم يكتف تعالى أيضا هنا بهذين الأمرين، حتى يضمُّوا إليهما التسليم وهو كمالُ الانقياد لحكمه صلى الله عليه وسلم، بحيـث يتخلـون هاهنا مـن أي تعلـق للنفـس بهذا الشيء ويسلموا ذلك إلى الحكم الحق أتم تسليم، ولهذا أكد ذلك بالمصدر المؤكد، وهو قوله جل شأنه (تسليما) المبيِّن أنه لايُكتفى هاهنا بالتسليم.. بـل لابـد من التسليـم المطـلق.) أهـ ثم ذكر الشيخ محمد أن الحكـم بغـيـر ماأنـزل اللـه يكـون كفـراً أكـبر في أحـوال، الخامـس منها يصور واقع البلاد المحكومة بالقوانين الوضعية، وفيه قال:
(الخامـس: وهـو أعظمــها وأشمــلـها وأظهــرها معانـدة للشـرع ومكـابـرة لأحكامـه ومشـاقـة للـه ولرسـولـه، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعدادا وإمدادا وإرصادا وتأصيلا وتفريعا وتشكيلا وتنويعاً وحكما وإلزاما، ومراجع ومستـندات، فكما أن للمحاكـم الشرعية مراجع مستمدات مرجعها كلها إلي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلهذه المحاكم مراجع هي: القانون الملفق من شرائع شتي، وقوانين كثيرة، كالقانون الفرنسي، والقانون الأمريكي والقانون البريطاني، وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلي الشريعة وغير ذلك.
فهـذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة مفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم
السنة
والكتاب، من أحكام ذلك القانون وتُلزمهم به وتقرهم عليه، وتحتمه عليهم. فأي كْفُر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة بأن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة.
وذكـر أدلـة جمـيع ماقدمـنا على وجـه البسـط معلومـة معروفة، لايحتمل ذكرها هذا الموضع، فيا معشر العقلاء! ويا جماعات الأذكياء وأولي النها! كيف ترضون أن تجري عليكم أحكام أمثالكم، وأفكار أشباهكم، أو من هو دونكم، ممن يجوز عليهم الخطأ، بل خطأهم أكثر من صوابهم بكثير، بل لاصواب في حكمهم إلا ما هو مستمد من حكم الله ورسوله، نصا أو استنباطا، تدعونهـم يحكمـون في أنفسكـم ودمائكم وأبشاركم، وأعراضكم وفي أهاليكم من أزواجكم وذراريكم، وفي أموالكم وسائر حقوقكم،ويتركون ويرفضون أن يحكموا فيكم بحكم الله ورسوله، الذي لايتطرق إليه الخطأ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم حميد. وخضوع الناس ورضوخهم لحكم ربهم خضوع ورضوخ لحكم مَنْ خلقهم تعالى ليعبدوه، فكما لايسجد الخلق إلا لله، ولايعبدون إلا إياه، ولا يعبدون المخلوق، فكذلك يجب أن لايرضخوا ولايخضعوا أو ينقادوا إلا لحكم الحكيم العليم الحميد، الرءوف الرحيم، دون حكم المخلوق، الظلوم الجهول، الذي أهلكته الشكوكُ والشهواتُ والشبهات، واستولت على قلوبهم الغفلةُ والقسوةُ والظلماتُ، فيجب على العقلاء أن يربأوا بنفوسهم عنه، لما فيه من الاستعباد لهم، والتحكم فيهم بالأهواء والأغراض، والأغلاط والأخطاء،فضلا عن كونه كفراً بنص قوله تعالى
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون))
أهـ من رسالته (تحكيم القوانين)، وقد انتقدت من قبل قوله إن الحكم بغير ماأنزل الله يكون كفراً أصغر في بعض الأحوال .
10 ــ الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:
(أ) في تفسـير قولـه تعالـى (إن هـذا القـرآن يهـدي للتي هـى أقوم) الإسراء 9، قال الشنقيطي
(ومن هدي القرآن للتي هي أقوم ــ بيانه أن كل من اتبع تشريعا غير التشريع الذي جاء به سيد ولد آدم محمد ابن عبد اللـه صلـوات اللـه وسلامـه عليـه، فاتباعـه لـذلك التشـريع المخـالـف كـفرٌ بـواحٌ مخـرجٌ من الملة الإسلامية. ولما قال الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم: الشاة تصبح ميتة من قتلها؟ فقال لهم: «الله قتلها» فقالوا له: ماذبحتم بأيديكم حلال، وماذبحه الله بيده الكريمة تقولون إنه حرام! فأنتم إذن أحسن من الله!؟ ــ أنزل الله فيهم قوله تعالى (ولاتأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) وحذف الفاء من قوله (إنكم لمشركون) يدل على قسم محذوف على حد قوله في الخلاصة:
واحذف لدي اجتماع شرط وقسم جـــواب ما أخــرت فهو ملتزم.
إذ لو كانت الجملة جوابا للشرط لاقترنت بالفاء على حد قوله في الخلاصة أيضا:
واقرن بِفَاحتماً جــــــوابا لو جعل شرطا لإن أو غـيرها لم ينجعل.
فهـو قسـم مـن اللـه جـل وعـلا أقسـم بـه على أن مـن اتبـع الشيطـان في تحلـيل الميتـة أنـه مشرك، وهذا الشرك مخرج عن الملة بإجماع المسلمين، وسيوبخ الله مرتكبه يوم القيامة بقوله: (ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لاتعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين)لأن لأن طاعته في تشريعه المخالف للوحي هى عبادته، و
(إنْ يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) أي مايعبدون إلا شيطانا، وذلك باتباعهم تشريعه. وقال: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم..) الآية، فسماهم شركاء لأنهم أطاعوهم في معصية الله تعالى. وقال عن خليله (ياأبت لاتعبد الشيطان) الآية، أي بطاعته في الكفر والمعاصي. ولما سأل عدي ابن حاتم النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا) الآية، بين له أن معنى ذلك أنهم أطاعوهم في تحريم ماأحل الله وتحليل ماحرم. والآيات بمثل هذا كثيرة.
والعجب ممن يُحكِّم غير تشريع الله ثم يدعي الإسلام، كما
: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وماأنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطـان أن يضلهـم ضـلالا بعيـدا)، وقال
ومـن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون). وقال: (أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين))
(أضواء البيان) 3/ 439 ــ 441.
(ب) وفي تفسـير قـولـه تعالى (ولايُشرك في حكمه أحداً) الكهف 26، قال الشنقيطي رحمه الله
(قرأ هذا الحرف عامة السبعة ماعدا ابن عامر «ولايشرك» بالياء المثناة التحتية، وضم الكاف على الخبر، ولا نافية، والمعنى: ولايشرك الله جل وعلا أحداً في حكمه، بل الحكم له وحده جل وعلا لاحكم لغيره البتة، فالحلال ماأحله تعالى، والحرام ماحرمه، والدين ماشرعه، والقضاء ماقضاه، وقرأه ابن عامر من السبعة، «ولاتشرك» بضم التاء المثناة الفوقية وسكون الكاف بصيغة النهي، أي لاتشرك يانبي الله. أو لاتشرك أيها المخاطب أحداً في حكم الله جل وعلا، بل أخلص الحكم لله من شوائب شرك غيره في الحكم. وحكمه جل وعلا المذكور في قوله (ولايُشرك في حكمه أحداً) شامل لكل مايقضيه جل وعلا. ويدخل في ذلك التشريع دخولا أوليا.
وماتضمنته هذه الآية الكريمة من كون الحكم لله وحده لاشريك له فيه على كلتا القراءتين جاء مبينا في آيات آخر، كقوله تعالى: (إن الحكم إلا لله أمر أن لاتعبدوا إلا إياه) وقوله تعالى: (إن الحكم إلا لله عليه توكلت...) الآية، وقوله تعالى: (ومااختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله...) الآية، وقوله تعالى
ذلكم بأنه إذا دُعِيَ الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير)، وقوله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون)، وقوله تعالى: (وله الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون)، وقوله (أفحكــم الجاهليــة يبغـون ومن أحســن مــن اللـه حكما لقوم يوقنون)، وقوله تعالى: (أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا).إلى غير ذلك من الآيات.
ويفهـم مـن هـذه الآيـات كقوله (ولايُشرك في حكمه أحداً) أن متبعي أحكام المشرعين غير ماشرعه الله أنهم مشركون بالله. وهذا المفهوم جاء مبيناً في آيات أخر، كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله (ولاتأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم. وهذا الإشراك في الطاعة، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى ــ هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى(ألم أعهد إليكم يابني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين. وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) وقوله تعالى عن نبيه إبراهيم: (ياأبت لاتعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا)، وقوله تعالى (إن يدعون من دونه إلا إناثاً. وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً) أي مايعبدون إلا شيطانا، أي وذلك باتباع تشريعه، ولذا سمي الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء في قوله تعالى (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم....) الآية. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا لعدي بن حاتم رضي الله عنه لما سأله عن قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله...) الآية ــ فبين له أنهم أحلوا لهم ماحرم الله، وحرموا عليهم ماأحل الله فاتبعوهم في ذلك، وأن ذلك هو اتخاذهم إياهم أرباباً. ومن أصرح الأدلة في هذا: أن الله جل وعلا في سورة النساء بيَّن أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ماشرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وماذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب مايحصل منه العجب، وذلك في قوله تعالى (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وماأنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمِروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيداً).
وبهـذه النصـوص السماويـة التي ذكـرنا يظهـر غاية الظهور: أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لايشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم.
11 ــ محمد بن جعفر الكتاني رحمه الله من علماء المغرب
في كتابه (نصيحـة أهــل الإســلام) قال
(المبحـث السـادس: اتبـاع عـوائـد الكفــار والتمذهب بمذاهبهم والعمل بقوانينهم ــ إلى قوله ــ ومن جملتها، أعني تلك القوانين، الحكم في القضايا النازلة بين الخلق بغير ما حكم به فيها الملك الحق، بل بضوابط عقلية، وسياسات كفرية، وآراء فكرية، لم يأت بها شرع ولا دين، ولانزل بها مَلَكٌ من ملائكة الآه العالمين، وإنما هى أحكام مختلفة وافقهم فيها ضعفة الإيمان، ممن استزله وأغواه الشيطان حاولوا بها تبديل الشرع المطاع، وتحويل ماله من الأوضاع وإظهار عزتهم، وترويج كفرهم وشركهم وكلمتهم، والكتاب والسنة مملوآن بالتحذير من هذا، والتنفير عنه والوعيد عليه، والتقريع والتوبيخ لمن يفعله أو يميل بقلبه إليه، وكيف أيتها الأمة نتمذهب بمذاهبهم، ونأخذ في الدين بقوانينهم وأحكامهم، أو نميل أدنى ميل إليها، ونساعد في زمن من الأزمان عليها، والحق تعالى يقول في كتابه: «فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ــ إلى قوله ــ فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما»، ويقول: «وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ماأنزل الله إليك ــ إلى قوله ــ أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون»، ويقول: «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون» ثم قال: «فأولئك هم الظالمون» ثم قال: «فأولئك هم الفاسقون».
قال الطرطوشي في سـراجـه: فكـل مـن لـم يحكم بما جاء من عند الله ورسوله كملت فيه هذه الأوصاف الثلاثة: الكفر والظلم والفسق. أهـ)
(نصيحة أهل الإسلام) صـ 191 ــ 194، ط مكتبة بدر بالرباط بالمغرب، 1409هـ. والطرطوشي هو أبو بكر الطرطوشي صاحب كتاب البدع، وله كتاب في السياسة الشرعية اسمه (سراج الملوك).
12 ــ الشيخ أحمد شاكر رحمه الله:
(أ) في تعليقـه على تفسـير قوله تعالى (فـلا وربـك لايؤمنـون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) النساء 65، قال الشيخ أحمد شاكر
(فانظرو أيها المسلمون، في جميع البلاد الإسلامية أو البلاد التي تنتسب للإسلام، في أقطار الأرض ــ إلى ماصنع بكم أعداؤكم المبشرون والمستعمرون: إذ ضربوا على المسلمين قوانين ضالة مدمرة للأخلاق والآداب والأديان، قوانين إفرنجية وثنية، لم تبن على شريعة ولا دين، بل بنيت على قواعد وضعها رجل كافر وثني، أبي أن يؤمن برسول عصره ــ عيسى عليه السلام ــ وأصر على وثنيته، إلى ماكان من فسقه وفجوره وتهتكه! هذا هو جوستنيان، أبو القوانين وواضع أسسها فيما يزعمون، والذي لم يستح رجل من كبار رجالات مصر المنتسبين ــ ظلماً وزوراً ــ إلى الإسلام، أن يترجم قواعد ذاك الرجل الفاسق الوثني، ويسميها «مدونة جوستنيان»! سخرية وهزءاً بـ «مدونة مالك»، إحدى موسوعات الفقه الإسلامي المبني على الكتاب والسنة، والمنسوبة إلى إمام دار الهجرة. فانظروا إلى مبلغ ذلك الرجل من السخف، بل من الوقاحة والاستهتار!
هذه القوانين التي فرضها على المسلمين أعداء الإسلام السافرو العداوة، هى في حقيقتها دين آخر جعلوه ديناً للمسلمين بدلا من دينهم النقي السامي. لأنهم أوجبوا عليهم طاعتها، وغرسوا في قلوبهم حبها وتقديسها والعصبية لها. حتى لقد تجري على الألسنة والأقلام كثيراً كلمات «تقديس القانون» «قدسية القضاء» «حَرَم المحكمة»، وأمثال ذلك من الكلمات التي يأبون أن توصف بها الشريعة الإسلامية وآراء الفقهاء الإسلاميين. بل هم حينئذ يصفونها بكلمات «الرجعية» «الجمود» «الكهنوت» «شريعة الغاب» إلى أمثال ماترى من المنكرات في الصحف والمجلات والكتب العصرية، التي يكتبها أتباع أولئك الوثنيين!
ثم صاروا يطلقون على هذه القوانين ودراساتها كلمة «الفقه» و «الفقيه» و «التشريع» و «المشرع»، وما إلى ذلك من الكلمات التي يطلقها علماء الإسلام على الشريعة وعلمائها. وينحدرون فيتجرؤن على الموازنة بين دين الإسلام وشريعته وبين دينهم المفتري الجديد!!. ــ إلى أن قال ــ
وصــار هــذا الــديــن الجــديــد هــو الــقواعـد الأساسية التي يتحاكم إليها المسلمون في أكثر بلاد الإسلام ويحكمون بها. سواء منها ماوافق في بعض أحكامه شيئاً من أحكام الشريعة وما خالفها. وكله باطل وخروج، لأن ماوافق الشريعة إنما وافقها مصادفة، لا اتباعاً لها، ولا طاعة لأمر الله وأمر رسوله. فالموافق والمخالف كلاهما مرتكس في حمأة الضلالة، يقود صاحبه إلى النار لايجوز لمسلم أن يخضع له أو يرضى به.
وقـد نـزيد هـذا المعنـى بـياناً، عنـد كلام الحافظ ابن كثير في تفسير الآية: 50 من سورة المائدة، إن شاء الله.
) (عمدة التفسير مختصر تفسير ابن كثير) لأحمد شاكر، 3/ 214 ــ 215.
(ب) وفي تعليقـه علـى كـلام ابن كثـير في تفسـير قـولـه تعالى (أفحكم الجاهلية يبغون) المائدة 50، قال أحمد شاكر رحمه الله
(أقول: «أفيجوز مع هذا في شرع الله أن يحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس عن تشريعات أوربا الوثنية الملحدة؟، بل تشريع تدخله الأهواء والآراء الباطلة، يغيرونه ويبدلونه كما يشاءون، لا يبالي واضعه أوافق شرعة الإسلام أم خالفها؟
إن المسلمــين لم يُبْلَوْا بهذا قط فيما نعلم من تاريخهــم إلاّ في ذلك العهد عهـد التتـار، وكان من أسوأ عهــود الظلم والظلام ومع هذا فإنهم لم يخضعوا له، بل غلب الإسلام التتار، ثم مزجهم فأدخلهم في شرعته، وزال أثر ما صنعوا بثبات المسلمين علي دينهم وشريعتهم، وبأن هذا الحكم السييء الجائر، كان مصدره الفريق الحاكم إذ ذاك، لم يندمج فيه أحد من أفراد الأمم الإسلامية المحكومة، ولم يتعلموه، ولم يعلموه أبناءهم، فما أسرع ما زال أثره.
أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير ــ في القرن الثامن ــ لذاك القانون الوضعي، الذي صنعه عدو الإسلام «جنكيز خان»؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر، في القرن الرابع عشر إلا في فرق واحد أشرنا إليه آنفا: أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام، أتي عليها الزمن سريعا، فاندمجت في الأمة الإسلامية وزال أثر ماصنعت.
ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالا وأشد ظلما وظلاما منهم، لأن أكثر الأمم الإسلامية الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة والتي هي أشبه شيء بذاك الياسق، الذي اصطنعه رجل كافر ظاهر الكفر. هذه القوانين التي يصنعها ناس ينتسـبون للإسـلام، ثم يتعلمها أبناء المسلمـين ويفخرون بذلك آباء وأبناء، ثم يجعلون مرد أمرهم إلي معتنقي هذا «الياسق العصري»، ويحقرون من يخالفهم في ذلك، ويسمون من يدعوهم إلى الاستمساك بدينهم وشريعتهم «رجعياً» و «جامداً»! إلى مثل ذلك من الألفاظ البذيئة.
بــل إنهــم أدخـلــوا أيــديهــم فيــما بقــي فــي الحكم من التشريع الإسلامي، يريدون تحويله إلى «ياسقهم الجديد»، بالهوينا واللين تارة، وبالمكر والخديعة تارة، وبما ملكت أيديهم من السلطان تارات. ويصرحون ــ ولايستحيون ــ بأنهم يعملون على فصل الدولة عن الدين!!
أفيجــوز إذن ــ مــع هـذا ــ لأحـد مـن المسلمين أن يعتنق هذا الدين الجديد، أعني التشريع الجديد! أوَ يجوز لأب أن يرسل أبناءه لتعلم هذا واعتناقه واعتقاده والعمل به، عالماً كان الأب أو جاهلاً؟!
أو يجوز لرجل مسلم أن يلي القضاء في ظل هذا الياسق العصري، وأن يعمل به، ويعرض عن شريعة الله البينة؟ ما أظن أن رجلاً مسلماً يعرف دينه، ويؤمن به جملة وتفصيلا، ويؤمن بأن هذا القرآن أنزله الله على رسوله كتابا محكماً، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبأن طاعته وطاعة الرسول الذي جاء به واجبة قطعية الوجوب في كل حال، ما أظنه يستطيع إلا أن يجزم غير متردد ولا متأول بأن ولاية القضاء في هذه الحال باطلة بطلاناً أصلياً. لا يلحقه التصحيح ولا الإجازة.
إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس. هي كفر بواح، لا خفاء فيه ولا مداورة. ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام ــ كائنا من كان ــ في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امروء لنفسه، وكل امريء حسيب نفسه».
ألا فليصـدع العلمـاء بالحـق غـير هيـابـين، وليبلغـوا مـاأمـروا بتبليغــه، غـير موانين ولامقصرين.
) أهـ (عمدة التفسير) 4/ 173 ــ 174.
(جـ) وفـي تعلـيقـه على تفسـير قوله تعالى (يـاأيهـا الـذيـن آمنـوا إن تطيـعــوا الذيـن كفـروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين) آل عمران 149، قال أحمد شاكر رحمه الله
(وقد وقع المسلمون في هذه العصور الأخيرة فيما نهاهم الله عنه من طاعة الذين كفروا فأسلموا إلى الكفار عقولهم وألبابهم، وأسلموا إليهم ــ في بعض الأحيان ــ بلادهم، وصاروا في كثير من الأقطار رعية للكافرين من الحاكمين، وأتباعاً لدول هى ألد الأعداء للإسلام والمسلمين، ووضعوا في أعناقهم ربقة الطاعة لهم، بما هو من حق الدولة من طاعة المحكوم للحاكم. بل قاتل ناس ينتسبون للإسلام من رعايا الدول العدوة للإسلام ــ إخوانهم المسلمين في دول كانت إسلامية إذ ذاك. ثم عم البلاء، فظهر حكام في كثير من البلاد الإسلامية يدينون بالطاعة للكفار ــ عقلا وروحاً وعقيدة ــ واستذلوا الرعية من المسلمين وبثوا فيهم عداوة الإسلام بالتدريج، حتى كادوا يردوهم على أعقابهم خاسرين، وماأولئك بالمسلمين. فإنا لله وإنا إليه راجعون.)
(عمدة التفسير) 3/51
(د) وفـي تعليقـه على تفسـير قوله تعالى(ياأيـها الذيـن آمنـوا اتقوا الله وذروا مابقي من الربا إن كنتم مؤمنـين، فـإن لـم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) البقرة 278 ــ 279، قال أحمد شاكر رحمه الله
(فانظروا ــ أيها المسلمون إن كنتم مسلمين ـ إلى بلاد الإسلام في كافة أقطار الأرض إلا قليلا، وقد ضربت عليها القوانين الكافرة الملعونة، المقتبسة من قوانين أوربة الوثنية الملحدة، التي استباحت الربا استباحة صريحة بألفاظها وروحها، والتي يتلاعب فيها واضعوها بالألفاظ، بتسمية «الربا»: «فائدة» حتى لقد رأينا ممن ينتسب إلى الإسلام، من رجال هذه القوانين ومن غيرهم ممن لايفقهون ــ من يجادل عن هذه الفائدة، ويرمي علماء الإسلام بالجهل والجمود، إن لم يقبلوا منهم هذه المحاولات لإباحة الربا.
أيهـا المسلمـون! إن اللـه لم يتوعد في القرآن بالحرب على معصية من المعاصي غير الربا. فانظروا إلى أنفسكم وأممكم ودينكم. ولن يغلب الله غالب.)
(عمدة التفسير) 2/ 197.
وتـأمـل قـولـه
(قـوانـين أوربة....التي استباحت الربا استباحة صريحة بألفاظها)
، وذلك لأن التشريع المخالف لشرع الله هو استحلال واستباحه .
وللشيخ أحمد شاكر كلام آخر في القوانين الوضعية والحكم بها راجعه في المواضع التالية:
* في (عمدة التفسير) جـ 1 صـ 175 و 204 و 227 ــ 228، جـ 2 صـ 192، جـ 3 صـ 38 و 102 ــ 109 و 125 و 135، جـ 4 صـ 146 ــ 147.
* وفي تعليقه على (المسند لأحمد بن حنبل) جـ 6 صـ 303 و 305.
* وفي تعليقه على (الرسالة للشافعي) صـ 505.
13 ــ الشيخ محمود شاكر رحمه الله:
نقــل عنــه أخــوه الشـيخ أحـمـد شـاكـر قوله
(وإذن، فلـم يكـن سـؤالهم عما احتج به مبتدعة زماننا، من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام، ولافي إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام بالاحتكام إلى حكم غير الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. فهذا الفعل إعراض عن حكم الله ورغبة عن دينه وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى، وهذا كفر لايشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه.)
(عمدة التفسير) 4/ 157.
يتبع بأذن الله
مجدي المهدي
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى مجدي المهدي
البحث عن المشاركات التي كتبها مجدي المهدي