عرض مشاركة واحدة
  #1005  
قديم 13-04-2016, 09:19 AM
الصورة الرمزية kj1
kj1 kj1 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 109,157
kj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond reputekj1 has a reputation beyond repute
افتراضي رد: التاريخ الأسود لجماعة الأرهاب الأسود

حلم الإخوان الضائع.. وهم "الخلافة"
د.رفعت السعيد
وما كان ذلك إلا لأن بعض فقهاء السلطان قد وصفوا هذا النوع من الحكام بأنهم خلفاء الله في الأرض، أو حتى خلفاء رسول الله. ثم كان الأمر كذلك الأمر في العصر الحديث فأبو الأعلى المودودي يقول: "إن المطلوب للمسلمين الآن هو "حاكم يقوم بوظيفة خليفة الله، فليس لأحد أن يأمر وينهي من غير أن تكون له سلطة من الله" (6)، وقبله قال أبو الحسن المواردي في كتابه الأحكام السلطانية "إن أهل الرأي متى عقدوا البيعة للإمام لا يجوز لمخلوق نقضها، لأن الرعية عليها بموجب هذه البيعة الطاعة والنصر للإمام ما وسعتهم الطاعة، ولا يحل لهم القيام عليه بحال من الأحوال. "أما القانون الأساسي العثماني فينص "ذات الحضرة السلطانية مقدسة وغير مسئولة أمام أحد".. وفي مصر نسمع ذات الشيء من الأستاذ حسن البنا إذ يقول إن الخافة تقوم لوراثة النبوة (7) ومثله يقول الشيخ عمر عبد الرحمن "الإمامة في الإسلام موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا".(8)
وينسى هؤلاء جميعًا أن المسلمين كانوا أكثر فطنة فأسموا الأمور بمسماها الحقيقي، فكل خلافة وكل دولة نسبت إلى اسم بشري: الدولة الأموية – العباسية – السلجوقية – العثمانية.. إلخ ولو كانوا يعتقدون بغير ذلك لما تواتر استخدامهم للأسماء البشرية على مدى كل العصور.
ويبقى للتساؤل ما هو الموقف الفقهي من فكرة الخلافة ذاتها؟
- يقول الشهرستاني في كتابه نهاية الأقدام "إن الإمامة ليست من أصول الاعتقاد".
- ويقول الجرجاني "إن الخلافة ليست من أصول الديانات والعقائدبل هي من الفروع المتعلقة بأفعال المكلفين" (الجرجاني شرح المواقف). أما الإمام الغزالي فيقول في كتابه "الاقتصاد في الاعتقاد" إن الإمامة ليست من المعتقدات". أما أبو حفص عمر بن جميع فيقول "إن الإمامة مستخرجة من الرأي وليست مستخرجة من الكتاب والسنة (عقيدة التوحيد). أما الإمام نجم الدين النسفي فيقول في كتابه العقائد النسفية " يشترط في الإمام أن يكون من قريش ولا يجوز من غيرهم". ويكمل القاضي عضد الدين في كتاب "المواقف" فإن لم يوجد شخص مستجمع شروط الإمامة لا يشترط قيامها".
أما الآمدي فيقول "واعلم أن الكلام في الإمامة ليس من أصول الديانات، بل لعمري فإن المعرض عنها لأرجى حالاً من الواغل فيها، فإنها لا تنفك عن التعصب والأهواء، وإثارة الفتن والشحناء".(9)
ونأتي بعد ذلك إلى القرآن الكريم فالكثيرون من دعاة الخلافة يستندون إلى آيات من القرآن مثل "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله"(النساء: 105) لكن البيضاوي في تفسيره والقرطبي في كتابه "الجامع لأحكام القرآن" يؤكد أن كلمة "تحكم" هنا كانت تعني أن تكون قضايا بينهم. ويؤكد أغلب الفقهاء أن كلمة "الحكم" تعني في القرآن "الحكمة" أو "الرأي السديد" ويستدلون على ذلك بآيات عدة "يا يحيى خذ الكتاب بقوة، وآتيناه الحكم صبيا" (مريم 12) ولم يكن النبي يحيى حاكمًا بل منحه الله الحكمة وهو صبي. وآية أخرى عن عيسى بن مريم تقول: "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادًا لي" (آل عمران 79)، ولم يكن السيد المسيح حاكمًا. وكذلك لوط "ولوطًا آتيناه حكمًا وعلما" (الأنبياء 74) وموسى "ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكمًا وعلمًا" (القصص 14)
وعديد آخر من الآيات الكريمة، تؤكد كلها في معناها وفي حقيقة ما تتحدث عنه أن فكرة الحاكم المتحدث باسم السماء والحاكم بأمرها ليست واردة في القرآن الكريم.
وفي مصر جرى حديث كثير يرفض "مصر" الوطن ويواجهها بفكرة الخلافة، ويتحدث أصحاب هذا الرأي بشغف ووله عن الخلافة العثمانية، وفي مواجهتهم يكون هتاف الشعب المصري الذي استمر يردده لأمد طويل "يارب يا متجلي أهلك العثماللي" فكيف كان ذلك؟ ولماذا؟
كيف بدأت علاقة مصر بالعثمانيين وخلافتهم؟ لنعد إلى صفحات التاريخ.
كان سلطان مصر في هذا الزمان قنصوة الغوري، وكان يقوم كل عام بالواجب المصري القديم برعاية الأماكن المقدسة سواء في مكة أو المدينة او القدس. وكان حاكم مصر يشرف بنفسه على صناعة كسوة الكعبة وتسفيرها مع ركب المحمل. وأتى البريد إلى قنصوة بأن الخليفة العثماني يحشد حشوده لغزو مصر فوجه رسالة إلى السلطان سليم الأول جاء فيها "علمنا أنك همعت عساكرك وأنك عزمت على تسييرهم علينا فتعجبت نفسنا غاية التعجب لأن كلنا والحمد من سلاطين أهل الإسلام، وتحت حكمنا مسلمون موحدون". فرد السلطان سليم في كذب سافر "يعلم الله وكفى به شهيدًا أنه لم يخطر ببالنا طمع في أحد سلاطين المسلمين أو في مملكته، أو رغبة في إلحاق الضرر به فالشرع الشريف ينهى عن ذلك".(10)
لكن سليم الأول كان رغم ذلك مصممًا على غزو مصر ولم يكن ينتظر سوى فتوى تبيح له ذلك فكيف يغزو بلدًا يسمي سلطانه نفسه "خادم الحرمين الشريفين" ويوم بكسوة الكعبة ويحتضن الأزهر الشريف. وأخيرًا جاءت الفتوى على يد قاضي عسكر الأناضول كمال باشا زاده. واستند فيها إلى الآية الكريمة "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" وتمضي الفتوى لتقول أن الأرض هي مصر لأنها وردت في آية قرآنية مشيرة إلى مصر. أما عبادي الصالحون فهم طبعًا العثمانيون.
وقد كان فقد سارع مفتي الأستانة هو أيضًا ليؤيد فتوى قاضي العسكر، فأصدر "مفتي الأنام شيخ الإسلام فتوى بوجوب غزو مصر "لأن أهلها قطاع طريق والحرب والقتال ضدهم غزو وجهاد، والمقتول من جيوش السلطان في هذه الغزو شهيد ومجاهد".. وتقترب الجيوش العثمانية من مصر فيرسل سليم الأول إلى حاكمها آنذاك طومان باي رسالة يقول فيها "إن الله قد أوحى إلي بأن أملك الأرض والبلاد من الشرق إلى الغرب كما ملكها الإسكندر ذو القرنين، وأنا خليفة الله في أرضه وأنا أولى منك بخدمة الحرمين الشريفين". وبدأ سليم الأول جرائمه في مصر بشنق طومان باي على باب زويلة. ولم يغفرها له المصريون ويظلون حتى الآن يطلقون على هذه البوابة "بوابة المتولي" وهو أحد أسماء طومان باي ولم يزالوا يقرأون الفاتحة كلما مروا بالبوابة.
ويروي ابن إياس في بدائع الزهور الكثير والمخيف من جرائم العثمانيين فيقول "واتجهوا إلى الطحانين فأخذوا البغال والخيول، وأخذوا جمال السقايين، ونهبوا كل ما في شون القمع من غلال، ثم صاروا يأخذون مواشي الفلاحين ودجاجهم وأزهم وأغنامهم وحتى أبواب بيوتهم وخشب السقوف أخذوه". وأرسل سليم واحدًا من أكثر رجاله توحشًا هو جان بردي الغزالي إلى الشرقية "فوصل إلى نواحي التل والزمرونين والزنكلون ونهب ما فيها من أبقار وأغنام وأوز ودجاج وقام بأسر الصبيان وسبي الفتيات باعتبار أنهم أبناء كفار وراح يبيعهم في المحروسة بأبخس الأثمان، وسارع المصريون بشرائهم من سوق العبيد والجواري ثم يهبونهم لأهاليهم، فاشترى أحدهم بنتًا بأربعة أشرقية (جنيهات) ووهبها لأمها، وراح الصالح بالطالع وصارت جثث المصريين مرمية من باب زويلة إلى الرميلة إلى الصليبة فوق العشرة آلاف إنسان ثم إنهم أحرقوا جامع شيخو فاحترق الإيون والقبة" وترك سليم الأول في مصر واليًا تركيًا يقول عنه ابن إياس "كان يصبح كل صباح وهو مخمور فيحكم في الناس بالعسف والظلم وهو سكران".
ثم يلخص ابن إياس الأيام الأولى للغزو العثماني قائلاً "وأشعلوا في مصر جمرة نار" ولعل تلك الأيام هي التي لقنت المصريين الشعار الذي ظلوا يهتفون به أمدًا طويلاً "يارب يا متجلي أهلك العثمالي.
ولم تكن هذه الشراسة والغطرسة مقصورة على تعامل العثمانيين مع شعب مصر بل شملت كل شعوب المناطق التي احتلتها وشملت أيضًا الهيئة التركية الحاكمة ذاتها "فالدولة العثمانية كانت دولة طبقية بمعنى الكلمة.. فالهيئة العثمانية الحاكمة بأكملها من أصغر موظف وحتى الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) كانت بكل أعضائها عبيدًا للسلطان ويطلق عليهم المصطلح التركي "قولار" أي العبيد ومفردها "قول" أي العبد ويقصد به عبد السلطان، وكانت هذه هي تسميتهم جميعًا في الأوراق الرسمية".(11)
وتظل العلاقة المصرية العثمانية علاقة خصومة، وإن كان الجمهور الذي يهتف من أعماقه بهلاك العثماللي يواصل خضوعه للخليفة العثماني باعتباره خليفة المسلمين، إنه ذات التناقض الذي وجد يه المصريون أنقسهم وهم يخوضون غمار الثورة العرابية. فمنذ البداية حاول عرابي ألا يستثير السلطان العثماني لكنه في ذات الوقت حاول أن يحافظ لمصر على سيادته.. ويروي ولفريد بلنت أكد لي عرابي "نحن جميعًا أبناء السلطان نعيش كأفراد أسرة واحدة في بيت واحد، كل منا له إقليم من الإمبراطورية، له حجرة مستقلة في المنزل، وهي حجرة خاصة بنا نتصرف فيها وفقًا لإرادتنا ويجب ألا نسمح لأحد بأن يعبث بسيادتنا وعلى وضعنا المستقل"(12) ويكتب صابونجي إلى بلنت رسالة أكثر وضوحًا "أن العرابيين يتملقون السلطان ويعلنون ولاءهم له كخليفة للمسلمين لكن الحقيقة هي أن السلطان لا يعنيهم في شيء وحين يحسون بقوتهم سيعلنون إقامة حكومة جمهورية".(13)
وكان السلطان هو أيضًا يكره عرابي ويسعى لإفشال ثورته لكنه يحاول خداعه وتملقه فقد أصبح عرابي زعيمًا ذا نفوذ كبير في أرجاء أقاليم عديدة. وأخيرًا أرسل السلطان حملة إلى مصر لتأديب عرابي وانهالت الاعتراضات من مختلف المسلمين في الشام والهند وسيلان والسودان وغيرها. وتصل الحملة إلى اللاذقية ويصف مراسل "التيمس اللندنية" موقف السكان منها قائلاً "لقد حدث هيجان شديد وأعلن السوريون مقاطعتهم للحملة وامتنعوا عن التعامل معها وأظهروا الجفاء والامتهان لها ناعين عليها خروجها لحرب المسلمين. وخرج عن المقاطعة أحد كبار التجار فباع الجنود العثمانيين طعامًا ولحومًا فلم ينته اليوم حتى أحرقت كل متاجره في المدينة وكان الرجل يطلب النجدة كالمجنون من الأهالي فيبصقون في وجهه ولا يتحركون لمساعدته بل يتهكمون عليه قائلين أطلب النجدة من سادتك الأتراك".(14)
وفي الوقت الحرج تمامًا وصلت من الأستانة إلى الجيوش المصرية وهي تحارب الغزاة الإنجليز كميات هائلة من "الجوائب" وهي الجريدة الرسمية للخلافة المكتوبة بالعربية. وقد تم توزيعها على الجنود وعلى السكان في مختلف أنحاء القطر وفي صدرها كلمة "بيانامة" ثم بين طويل جاء في مقدمته "بإرادة سيدنا ومولانا السلطان أمير المؤمنين خليفتنا الأعظم إشعارًا لجميع المسلمين بأن الأفعال التي أجراها عرابي وأعوانه ورفقاؤه في مصر مخالفة لإرادة الدولة العليا السلطانية، ومغايرة لصالح المسلمين، وبناء على ذلك تقرر أن عرابي وأعوانه عصاة بغاة وبهذه الصفة تجري معاملتهم".(15)
ولا يبقى أمام المصريين سوى أن يواصلوا شعارهم القديم "يارب يا متجلي اهزم العثماللي" وأن يضيفوا إليه شعارًا موحيًا "الولس هزم لكن العلاقة المصرية بموضوع الخلافة تظل ملتمسة. ففي مطلع القرن العشرين وعندما تأس الحزب الوطني شهد وبعد فترة من تأسيسه صراعًا حادًا بين تيارين الشيخ جاويس ينتمي للخلافة ويؤكد "إن إضاعة الخافة إضاعة للذات" ومحمد فريد يؤكد على مصرية مصر ويشكو في مذكراته من أن الشيخ جاويش كان يعترض على أعضاء الحزب الذين "يضعون على صدرهم دبوسًا كتبت عليه عبارة مصر للمصريين" ويقف إلى جانب الدعوة المصرية كثير من الكتاب ومنهم مثلاً عبدالقادر أفندي حمزة ومنصور فهمي وغيرهما.
أما قاسم أمين فيهاجم الخلافة بشدة قائلاً إنها نظام يقوم على أساس "خليفة أو سلطان غير مقيد، يحكم موظفين غير مقيدين، وربما يقال إن هذا الخليفة يستمد سلطته من الشعب الذي بايعه، لكن هذه السلطة التي لا يتمتع بها الشعب إلا بضع دقائق هي سلطة لفظية أما في الحقيقة فالخليفة هو وحده صاحب الأمر والنهي. أن من أسباب نكبتنا أننا نسند حياتنا على التقاليد التي لم نعد نفهمها ونحافظ عليها فقط لأنها أتت من الماضي".
أما الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده فقد رفض من الأساس فكرة وجود خليفة يحكم باسم السماء وقال "إن السيادة قسمان: سيادة عليا يختص بها الله تعالى، وسيادة أقل درجة يختص بها الشعب وعليه ممارستها. ومن هذه السيادة تكتسب الأمة شرعية دورها كمصدر للسلطة: أما الحاكم فيكتسب سلطته من الشعب"(16) ثم يقول جازمًا "ومن الضلال القول بتوحيد الإسلام للسلطتين المدنية والدينية، فهذه الفكرة خطأ محض ودخيلة على الإسلام، ومن الخطأ القول إن السلطان هو مقرر الدين وواضع أحكامه ومنفذها" ثم يعلو صوته مؤكدًا "ليس من الإسلام ما يسمى عند قوم بالسلطة الدينية أو المؤسسة الدينية بوجه من الوجوه، ولم يعرف المسلمون في عصر من العصور تلك السلطة الدينية".(17)
وتمضي المعركة سجالاً لتأتي ثورة 1919 فتحسم الأمر لصالح الدولة المدنية ولصالح شعار جديد "الدين لله والوطن للجميع".
وكما أتت الخلافة العثمانية من تركيا، فإن نهايتها أتت هي أيضًا من هناك. ولعل هذا يفسر لنا عمق المعركة الحالية بين العلمانيين الأتراك وبين حكم أردوغان.
لكن قيام أتاتورك بإنهاء "الخلافة" ترك بصمات بالغة الأهمية في مصر، وعلى مفكريها وسياسييها.
فبد أربعة أيام فقط من قرار أتاتورك بإلغاء الخلافة اجتمع بعض علماء الأزهر وأصدروا بيانًا أعلنوا فيه "بطلان ما قام به الكماليون لأن الخليفة قد بويع من المسلمين ولا يمكن خلعه".(18)
لكن موقع الخليفة الشاغر أسال لعاب الكثير من الحكام المسلمين كل منهم ينشد المنصب لنفسه، الملك أمان الله ملك الأفغان، والملك حسين بن علي ملك الحجاز، وكان هنا أيضًا الملك فؤاد الذي تحصن بالثقل الحضاري والثقافي لمصر وبأزهرها الشريف وسارع للمطالبة بالموقع. وهنا تغير موقف بعض شيوخ الأزهر فنسوا بيعة الخليفة المخلوع واهتموا بطموحات الملك فؤاد وقرروا دعوة ممثلي جميع الأمم الإسلامية إلى مؤتمر يعقد في القاهرة برئاسة شيخ الأزهر للبحث فيمن يجب أن تسند إليه الخلافة وكان وجوده، وحددوا شهر شعبان من العام التالي لانعقاده".(19)
وتدور عجلة الإعداد لهذا المؤتمر مستمدة حماسها من حماس الملك فؤاد وشغفه بأن يكون خليفة للمسلمين، وفي ربيع أول 1343 (أكتوبر 1924) صدرت نشرة أسميت "المؤتمر" وأعلن أصحابها أن الهدف منها هو الدعوة لحضور المؤتمر وإنجاحه وتحديد أهدافه وفي صدر العدد الأول نشر مقال للشيخ رشيد رضا يؤكد ضرورة عقد المؤتمر لأنه "الأول مؤتمر إسلامي عام يشترك فيه علماء الدين والدنيا من كل الأمم الإسلامية، خاصة أن مهمته هي وضع قواعد للحكومة الإسلامية المدنية التي يظهر فيها علو التشريع الإسلامي واختيار خليفة وإمام للمسلمين".(20)
لكن قوى عديدة تكاتفت لإفشال هذا المؤتمر، فالملوك تنافسوا على موقع الخليفة، والدول التي كنت تحكمها الخلافة تسارعت إلى إعلان قيام كيانات وطنية، والقوى الاستعمارية سيطرت على عديد منها. وكان هناك في مصر رئيس وزراء شديد العداء للفكرة هو سعد زغلول، أما حلفاء الملك فؤاد في حزب الأحرار الدستوريين فقد كانوا بسبب موقفهم الليبرالي خصومًا للفكرة، وكتبت جريدتهم "السياسة" إن الدستور ينص على أنه لا يجوز لملك أن يتولى مع ملك مصر امور دولة أخرى بغير رضاء البرلمان ومن ثم يتعين ترك بحص هذه المسألة للسياسيين، وأن يعدل علماء الأزهر عن دعوتهم لهذا المؤتمر"(21) وفي "السياسة" كتب الشيخ علي عبدالرازق (وكان من الأحرار الدستورين) مقالاً كشف فيه كل أوراق اللعبة، مؤكدًا أن الحماس للخلافة ليس حماسًا للإسلام وإنما مساندة لمطامع الملك فؤاد فقال: "كانت مسألة الخلافة أولاً دفاعًا عن مقام معن يراد الاحتفاظ به كأثر يحتاج إلى العناية. كمريض يحتاج إلى الحماية". ويمضي المقال قائلاً "والان انتقلت المسألة إلى وضع آخر، واتجه الرأي إلى العمل على إيجاد مقام جديد يحمل حمل ذلك الأمر الذاهب، لأن أناسًا يريدون أن يبقى في الوجود ذلك الشيء ليكونوا له حماة" كذلك شنت الصحف الوفدية حملات ضارية على المؤتمر وعلى فكرة الخلافة ذاتها. وكان انعقاد المؤتمر في 13 مايو 1926 إشهارًا لوفاته، ومن هزال الحضور إلى هزال النتائج، فشل المؤتمر وفشل الملك فؤاد في تحقيق طموحه، وبقي من المسألة صراع فكري وسياسي محتدم.
ولكن الشيخ علي عبدالرازق هو صاحب الضجة الأكثر صخبًا، ربما لأنه كان صاحب الفكرة الأكثر عمقًا فهو أزهري متعمق في دراسة الفقه الإسلامي وحائز على شهادة العالمية ودرس فوق ذلك بالجامعة المصرية وتخصص في الأدب العربي والفلسفة ثم سافر إلى انجلترا ليدرس في اكسفورد مستهدفًا التخصص في الاقتصاد والعلوم السياسية. وفوق هذا وذاك انتسب – وهو لم يزل طالبًا – غلى مجموعة ليبرالية تضم د.محمد حسين هيكل ومحمود عزمي وعزيز ميرهم ود.منصور فهمي.. وهكذا ندرك أن الشيخ علي عبدالرازق لم يهبط فجأة على ساحة الفكر المصري بل تكون ونضج فيها عبر سنوات من الكتابة والعمل الفكري والسياسي ومن النضال السياسي سواء في صفوف "الحزب الديمقراطي أو مع مؤسسي حزب الأحرار الدستوريين.
وكان كتاب "الإسلام وأصول الحكم" ثمرة لذلك كله، فلنحاول مطالعة بعض مما جاء فيه "الحكم والحكومة والقضاء والإدارة ومراكز الدولة هي جميعًا خطط دنيوية صرفة لا شأن للدين بها، فهو لم يعرفها ولم ينكرها، ولا أمر بها ولا نهي عنها، وإنما تركها لنا لنرجع فيها إلى أحكام العقل وتجارب الأمم وقواعد السياسة".(22)
ويقول حول موضوع الخلاف "إذا كان في الحياة الدنيا شيء يدفع المرء إلى الاستبداد والظلم ويسهل عليه العدوان والبغي فذلك هو مقام الخليفة.. ومعه لا شيء إلا العسف ولا حكم إلا السيف".(23)
ويمضي قائلاً "إن شعائر الله تعالى ومظاهر دينه الكريم لا تتوقف على ذلك النوع من الحكومة الذ يسميه الفقها خلافة وأولئك الذين يسميهم الناس خلفاء، فليس من حاجة إلى تلك الخلافة لأمور ديننا ولا لأمور دنيانا، ولو شئنا لقلنا أكثر من ذلك، فإنما كانت الخلافة ولم تزل نكبة على الإسلام والمسلمين، وينبوع شر وفساد".(24)
ويسأل الشيخ هل كان الرسول رسولاً لملكًا أم رسولاً فقط؟ ويجيب "أن القرآن صريح في أن محمدًا (صلى الله عليه وسلم) لم يكن إلا رسولاً خلت من قبله الرسل"، ثم هو يؤكد بعد ذلك أن الرسول لم يعين من بعده خليفة، وإن كل الذين تزعموا المسلمين من بعده ومن بينهم الخلفاء الراشدون كانت زعامتهم مدنية أو سياسية وليست دينية، وأن أبا بكر هو الذي أطلق على نفسه لقب خليفة، وأن بيعته كانت ثمرة اتفاق سياسي، ومن ثم فإن حكمه كان حكمًا مدنيًا وكان اجتهاده اجتهادًا دنيويًا.
المهم، صدر الكتاب وقامت الدنيا ولم تقعد، فقد حرك الكتاب المياه الليبرالية الراكدة في المجتمع فتكتب مجلة الهلال "إن كل أمة إسلامية حرة في انتخاب من تريده حاكمًا عليها، وسواء كان الأستاذ علي عبدالرازق وقد وفق إلى أن يسند نظريته إلى الدين أم لم يوفق فإن هذه النظرية تتفق وأصول الحكم في القرن العشرين الذي يجعل السيادة للأمة دون سواها" (الهلال – يوليو 1925)
وكتبت جريدة المقتطف "أننا نعتقد أن كل ما قاله حضرة القاضي علي عبدالرازق وأمثاله قرين الصواب وخال من الخطأ".(25)
ثم تأتي مساندة ذات قيمة كبيرة من أحمد شوقي:
مضت الخلافة والإمام فهل مضى
ما كان بين الله والعباد
والله ما نسي الشهادة حاضر
في المسلمين ولا تردد شادي
والصوم باق والصلاة مقامة
والحد ينشط في عناق الحادي


__________________



من مواضيع kj1
التاريخ الأسود لجماعة الأرهاب الأسود
ليه لا وليس نعم
مصر الجميلة الغائبة الأن
رد مع اقتباس